آية الزلازل وخلق التضامن (خطبة)
آية الزلازل وخُلُق التضامن
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نِعَمِك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضل رُسُلِك، وأنزلت علينا خير كُتُبِك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيتَ، ولك الحمد بعد الرضا؛ أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يُقبَض العلم، وتكثُرَ الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثُرَ الهَرْجُ – وهو القتل القتل – حتى يكثُر فيكم المال فيفيض))[1]، أشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن كثرة الزلازل من أشراط الساعة.
وفي الجمعة الماضية[2] ضَرَبَ زلزالٌ مُدمِّر إقليمَ الحوز في المغرب الحبيب، وامتدت آثاره إلى الأقاليم الأخرى، وأسفر عن آلاف القتلى، وآلاف الجرحى والمعطوبين، فضلًا عن الدمار الهائل الذي أصاب المبانيَ والقُرى.
وسنقف في هذه الخطبة – إخواني – مع هذا الحدث الجَلَلِ وقفتين اثنتين:
الوقفة الأولى: الزلازل آية من آيات الله الدالة على عظمته؛ لتخويف العباد.
قال تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59]، وآيات الله كثيرة؛ منها: البراكين، والأعاصير، والجفاف، وغيرها، ومن السذاجة أن نعتبر الزلازل ظاهرةً طبيعيةً فقط، كما عند دعاة التفكير المادي، لكن من يستقرِئ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد أنها وإن كانت في ظاهرها ظواهر، لكنها تأتي بأمر الله لا من تلقاء نفسها؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40].
في قوم نوح مثلًا؛ قال تعالى: ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 11 – 15]، وفي عادٍ قومِ هود؛ قال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ﴾ [القمر: 18 – 20]، وفي ثمودَ قوم صالح؛ قال تعالى: ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ﴾ [القمر: 30، 31]، وفي قوم لوط؛ قال تعالى: ﴿ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [الحجر: 74، 75]، وهكذا.
وخَسَفَتِ الشمس في عهده صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس، ثم خطب فيهم، فحمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يُخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله، وكبِّروا، وصلوا، وتصدقوا))[3]، فلم يعتَبِرِ النبي صلى الله عليه وسلم خسوفَ القمر أو كسوف الشمس ظاهرةً طبيعيةً وحسب، بل اعتبر ذلك آيةً من آيات الله، وأمر بما يدل على الإنابة إلى الله، والرجوع إليه.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ((أنه دخل على عائشة رضي الله عنها ورجل معه، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين، حدِّثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنا، وشرِبوا الخمر، وضربوا بالمغاني، وغار الله عز وجل في سمائه، فقال للأرض: تَزَلْزَلِي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا هدمها عليهم، قال: قلت: يا أم المؤمنين، أعذابٌ لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة وبركة للمؤمنين، ونكال وعذاب وسخط على الكافرين))[4]، فأنتم ترَون أنه موعظة للمؤمنين وتذكير لهم، ونكال وعذاب للكافرين، فهل من مُعْتَبِر؟!
فاللهم اجعلنا من المعتبرين بآياتك، ولا تؤاخذنا بذنوبنا، وارحمنا فإنك بنا راحم، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرْنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى؛ أما بعد:
الوقفة الثانية: التضامن واجب ديني وإنساني:
في هذا الزلزال رأينا صورًا للتضامن والتعاون والتراحم، سواء من الجهات الرسمية أو الشعبية، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون خلال الأزمات؛ لأنها واجب الوقت، بل رأينا التضامن الإنساني بين الدول والهيئات والمنظمات الإغاثية – وإن اختلف الدين – فمن ديننا نتعلم الأُخُوَّة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وهذه الأخوة ينبغي أن تظهر بقوة زمن الْمِحَنِ والشدائد؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسَّهَرِ والحُمَّى))[5]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسِرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))[6].
والحمد لله وجدنا من يسارع للتبرع بالدم، ومن يتطوع لإغاثة المنكوبين، ومن يرسل مساعدات من مختلف الأقاليم، وغيرها من أنواع القربات والتضامن في مثل هذه الأوقات.
فاللهم إنا نتوب إليك ونستغفرك من جميع الذنوب والخطايا، اللهم أحسن ختامنا، ووفقنا للعمل الصالح، واقبضنا عليه.
اللهم جنِّب بلدنا وسائر بلاد المسلمين الكوارثَ والزلازل.
اللهم إنا نستودعك إخواننا في الحوز وسوس وكل الأقاليم المتضررة، اللهم اشفِ جرحاهم، وارحم موتاهم، وعوِّضهم خيرًا، وتولَّ أمرهم، واجْبُرْ كسرهم، آمين.