أسباب الحسد وأعراضه وطرق الوقاية والعلاج الشرعي
أسباب الحسد وأعراضه وطرق الوقاية والعلاج الشرعي
معنى الحسد والعين:
تعريف العين لغة: حاسة البصر والرؤية؛ [لسان العرب (عين)].
تعريف العين شرعًا:
قال ابن الأثير في النهاية: “يُقال: أصابت فلانًا عينٌ: إذا نظر إليه عدوٌّ أو حسود، فأثرت فيه فمرِض بسببها، يُقال: عانه بعينه عينًا فهو عائن، إذا أصابه بالعين، والمصاب مَعِين؛ [النهاية (3/332)].
الحسد لغة:
أصل الحسد: القشر، والشجر إذا قُشِرَ عنها لحاؤها يَبِسَت؛ [لسان العرب (حسد) و(غبط)].
الحسد شرعًا:
أن يرى الرجل لأخيه نعمةً، فيتمنى أن تزول عنه، وتكون له دونه؛ [النهاية (1/383)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الحسد هو البغض والكراهة لِما يراه من حُسْنِ حال المحسود”؛ [مجموع الفتاوى (10/111].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “الحسد أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره، هذا هو الحسد، ومثاله: أن تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بمال أو بالبنين، أو بالزوجة أو بالعلم، أو بالعبادة، أو بغير ذلك من النِّعَمِ، سواء تمنيت أن تزول أم لم تتمنَّ”.
أنواع الحسد:
ينقسم إلى نوعين: الحسد المذموم، والحسد المحمود.
(1) الحسد المذموم وينقسم إلى نوعين:
(أ) الحسد على شيء محقَّق: وهو تمني زوال النعمة عن الغير، وتكون له دونه، وهذا شرُّ أنواع الحسد؛ وذلك مثل حسد الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم على النبوة.
(ب) الحسد على شيء مقدَّر: وهذا النوع من الحسد يتمنى صاحبه عدم استصحاب النعمة للمحسود، لا في الحاضر، ولا في المستقبل، فهو يكره أن يحدِثَ الله لعبده نعمةً.
(2) الحسد المحمود:
حسد الغِبْطَةِ: وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه، فهذا لا بأس به، ولا يُعاب صاحبه، بل هذا قريب من المنافسة؛ وقد قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26]؛ وقال القرطبي: “وأما الغبطة فهي أن تتمنى أن يكون لك من النعمة والخير مثل ما لغيرك، من غير أن تزولَ عنه، والحرص على ما يسمى: منافسة”.
الأدلة على ذلك:
• عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسدَ إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلَّطه على هَلَكَتِهِ في الحقِّ، ورجل آتاه الله الحكمةَ فهو يقضي بها ويعلمها الناسَ))؛ [صحيح البخاري ومسلم].
• وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب، وقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالًا فهو يتصدق به آناء الليل وآناء النهار))؛ [صحيح البخاري ومسلم].
• وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((لا حسد إلا اثنتين: رجل علَّمه الله القرآنَ، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمِعه جار له، فقال: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلان، فعمِلتُ مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالًا فهو يُهْلِكُه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيتُ مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل))؛ [صحيح البخاري].
• تنبيه: ويجب تمني زوال النعمة عن الكافر وعمن يستعين بها على المعصية، وليس ذلك من باب الحسد.
أنواع العين:
(1) العين الإنسية: ومصدرها الإنسان، وقد تصدُر من أصحاب النفوس الخبيثة، وقد تصدر من الصالحين.
الدليل على ذلك: الصحابي عامر بن ربيعة رضي الله عنه عانَ سهلَ بن حنيف رضي الله عنه، ومعلوم أن عامر بن ربيعة من المهاجرين الأولين أسلم قبل عمرَ رضي الله عنه، وهاجر الهجرتين، وشهِد بدرًا والمشاهدَ كلَّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا، فقد عان سهل بن حنيف، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عَلَامَ يقتل أحدكم أخاه؟)).
(2) العين الجنِّيَّة: ومصدرها الجن؛ الأدلة على ذلك:
قال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: 27].
♦ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ من عين الجانِّ، ثم أعين الإنس، فلما نزلت المعوِّذتان، أخذهما وترك ما سوى ذلك))؛ [صحيح].
♦ وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سَتْرُ ما بين أعين الجانِّ وعَوْرَات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء – أن يقول: باسم الله))، وفي رواية من حديث أنس مرفوعًا: ((ستر ما بين أعين الجان وعورات بني آدم إذا وضع أحدهم ثوبه – أن يقول: باسم الله)).
♦ وعن أم سلمة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سَعْفَةٌ، فقال: اسْتَرْقُوا لها؛ فإن بها نظرةً))؛ [صحيح البخاري ومسلم].
أسباب الحسد:
1- العداوة والبغضاء: فإن من أذاه إنسان بسبب من الأسباب، وخالفه في غرضه، أبغضه قلبه، ورسَخ في نفسه الحقدُ.
2- الكِبْر: وهو أن يصيب بعض نُظَرَائِهِ مالًا أو وِلايةً، فيخاف أن يتكبر عليه ولا يطيق تكبره، أو يكون من أصاب ذلك دونه فلا يحتمل ترفُّعَه عليه أو مساواته، وذلك مثل حسد الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: 31]، وقال في حق المؤمنين: ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾ [الأنعام: 53].
3- حب الرياسة: وذلك مثل الرجل الذي يريد أن يكون عديمَ النظر في فنٍّ من الفنون، إذا غلب عليه حبُّ الثناء، واستفزه الفرح بما يُمدَح به من أنه أوحدُ العصر، وفريد الدهر في فنِّه، إذا سمِع بنظير له في أقصى العالم، ساءه ذلك، وأحبَّ موته أو زوال النعمة التي بها يشاركه في علم أو شجاعة، أو عبادة أو صناعة، أو ثروة أو غير ذلك، وليس ذلك إلا لمحض الرياسة؛ مثل حسد علماء اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا ينكرون معرفتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤمنون به؛ خوفًا من بطلان رئاستهم.
4- خبث النفس وشُحُّها:
وذلك مثل أن تجد أحدًا لا يشتغل برئاسة ولا تكبُّر، وإذا وُصف عنده حسن حالِ عبدٍ من عباد الله تعالى فيما أنعم عليه به، شقَّ عليه ذلك، وإذا وُصف له اضطراب أمور الناس وتنغيص عيشهم، فرِح به، فهو يبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من مُلْكِهِ وخِزانتِهِ.
5- التعجب:
وذلك مثل تعجُّب الأمم السالفة من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله تعالى بشرٌ مثلهم، فحسدوهم وأحبوا زوال النبوة عنهم؛ جزعًا أن يفضُلَ عليهم مَن هو مثلهم في الخِلْقَةِ.
الدليل على ذلك: قال تعالى: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ [يس: 15].
6- الخوف من فوت المقاصد:
وذلك يختص بالمتزاحمين على مقصود واحد؛ فإن كلَّ واحد يحسُدُ صاحبه في كل نعمة؛ خوفًا من فوات المقاصد؛ مثل حسد إخوة يوسف ليوسف عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾ [يوسف: 5].
7- ظهور فضيلة للمحسود.
8- اختصاص المحسود بشيء.
9- شح الحاسد.
10- الأنانية وحب الذات.
11- التنافس على الدنيا ونعيمها الزائل:
الدليل على ذلك: عن عبدالله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا فُتِحت عليكم فارسُ والروم، أي قوم أنتم؟ قال عبدالرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؛ تتنافسون ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض))؛ [صحيح مسلم].
الأدلة من الكتاب والسنة في إثبات العين والحسد:
أولًا: الأدلة من الكتاب:
1- قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة: 109]؛ قال ابن الجوزي في تفسير زاد المسير: “ومعنى ودَّ: أحب وتمنى، وأهل الكتاب: اليهود”.
2- قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: 54].
قال البغوي في تفسيره: “أم يحسدون الناس؛ يعني اليهود، قال قتادة: المراد بالناس: العرب، حسدهم اليهود على النبوة، وما أكرمهم الله تعالى بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم”؛ [تفسير البغوي].
3- قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الفتح: 15].
4- قال تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 5].
5- قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [القلم: 51، 52].
قال ابن كثير في تفسيره: “قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: ليزلقونك: لينفذونك بأبصارهم؛ أي: ليعينونك بأبصارهم بمعنى يحسدونك؛ لبغضهم إياك، لولا وقاية الله تعالى وحمايته إياك منهم”؛ [تفسير القرآن العظيم (4/482)].
ثانيًا: الأدلة من السنة:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين حقٌّ ونَهَى عن الوَشْم))؛ [صحيح البخاري].
2- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين حقٌّ، ولو كان شيء سابقَ القدر، لَسَبَقَتْهُ العَينُ، وإذا استُغْسِلتم فاغسلوا))؛ [صحيح مسلم].
3- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((استعيذوا بالله من العين؛ فإن العين حقٌّ))؛ [صحيح].
4- عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العين لَتولَعُ بالرجل بإذن الله حتى يَصْعَدَ حالقًا، فيتردَّى منه))؛ [صحيح].
5- عن أم سلمة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جاريةً في وجهها سَعْفَةٌ، فقال: اسْتَرْقُوا لها؛ فإن بها نظرةً))؛ [صحيح البخاري ومسلم]، والسَّعْفَةُ: نوع من السواد ليس بالكثير.
6- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين تُدْخِل الرجلَ القبرَ، وتُدْخِلُ الجَمَلَ القِدْرَ))؛ [صحيح].
أعراض المحسود والمعيون:
1- ظهور السَّعْفَةِ في الجسد والوجه:
والسعفة هي عبارة عن تغيُّرٍ في لون الجزء المصاب عن لون سائر الجسد، وقد يعتقد الناس أنها من الأمراض الجلدية، فيأخذون بأسباب العلاج عند الأطباء، ولكن إذا طال العلاج بلا فائدة، فعليك بالرُّقْيَةِ الشرعية، وإن بدأتَ بها فهو أولى؛ لأنها لا تكلِّفك مشقة، والله هو الشافي.
الدليل على ذلك: عن أم سلمة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة، فقال: استرقوا لها؛ فإن بها نظرة))؛ [صحيح البخاري ومسلم].
2- الألم الشديد الذي يصيب الطفل مع كثرة بكائه:
فقد يُصاب الطفل بالعين فيستمر في البكاء ولا يكف عنه مع استعمال العلاج الطبي، من دواء لمغص البطن وخلافه، مما يُظَنُّ أنه سبب بكاء الطفل، وفي الحقيقة هو مصاب بالعين.
الدليل على ذلك: عن أم سلمة رضي الله عنها قال: ((دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا صبيٌّ يشتكي، فقال: ما هذا؟ وفي رواية: ما له؟ قالوا: نتهم به العين، قال: أفَلَا تَسْتَرْقُون له من العين))؛ [صحيح].
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمِع صوتَ صبيٍّ يبكي، فقال: ما لصبيِّكم هذا يبكي؟ هلَّا استرقيتم له من العين))؛ [صحيح].
3- فَقْدُ الشهية، ونحافة الأجسام، واصفرار الوجه، والسكون وقلة الحركة، والميل إلى النوم، وهذا غالبًا يصيب الأطفال.
الدليل على ذلك:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس: ((ما لي أرى أجسامَ بني أخي ضارعةً تصيبهم الحاجة؟ قالت: لا، ولكن العين تُسْرِع إليهم، فقال: ارقِيهم، قالت: فعرضت عليه، فقال: ارقيهم))؛ [صحيح مسلم].
قال القرطبي رحمه الله قوله: “(ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة؟) أي: ضعيفة، نحيلة، وأصل الضراعة: الخضوع والتذلل، ويعني بهم: بني جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه”.
4- الوَعْكُ الشديد والسقوط على الأرض والإغماء.
وهذا غالبًا يحدث عند نظر العائن إلى المَعِين نظرةَ إعجاب، من غير أن يقول: تبارك الله، أو بارك الله لك، وبارك عليك، ونحو ذلك من التبرِّيك.
الدليل على ذلك: عن أبي أمامة سهل بن حنيف قال: ((مَرَّ عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل، فقال: لم أرَ كاليوم ولا جِلْدَ مخبَّأة، فما لبِث أن لُبِطَ به، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدْرِكْ سهلًا صريعًا، وفي رواية: والله ما يرفع رأسه، قال: من تتهمون به؟ قالوا: عامر بن ربيعة، قال: عَلَام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يُعْجِبه، فلْيَدْعُ له بالبركة ثم دعا بماء، فأمر عامرًا أن يتوضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه، وداخلةَ إزاره، وأمره أن يَصُبَّ عليه))؛ قال ابن عبدالبر رحمه الله: “لُبِط: صُرِع وسقط”.
5- دمع العين والشعور بألم فيها.
الدليل على ذلك: عن زينب، قالت: ((كانت عجوز تدخل علينا تَرْقِي من الحُمْرة – وهو مرض وبائي يسبب حمًّى وبقعًا حمراءَ في الجلد – وكان لنا سرير طويل القوائم، وكان عبدالله إذا دخل تَنَحْنَحَ وصوَّت، فدخل يومًا، فلما سمعت صوته احتجبت منه، فجاء فجلس إلى جانبي فمسَّني فوجد مسَّ خيط، فقال: ما هذا؟ فقلت: رُقًى لي فيه من الحمرة، فجذبه وقطعه، فرمى به، وقال: لقد أصبح آل عبدالله أغنياءَ عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرُّقَى والتمائم والتِّوَلَةَ شرك، قلت: فإني خرجتُ يومًا فأبصرني فلان، فدَمَعت عيني التي تليه، فإذا رقَيْتُها سكنتْ عيني، وإذا تركتها دمعت، قال: ذاك الشيطان إذا أطعتِهِ تركَكِ، وإذا عصيتِهِ طعن بإصبعه في عينكِ، ولكن لو فعلتِ كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرًا لكِ، وأجدر أن تشفي؛ تنضخين في عينكِ الماء، وتقولين: أذْهِبِ البأس ربَّ الناس، اشفِ أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا))؛ [صحيح].
6- الامتناع عن الطعام والشراب، وحبس البول والرَّوْث، واللبن وعدم إدراره.
الدليل على ذلك: عن حيم بن نوفل، قال: ((كنا عند عبدالله نعرض المصاحف، فجاءت أعرابية إلى رجل منا، فقالت: إن فلانًا قد لَقَعَ مُهْرَك بعينه وهو يدور في فلك، لا يأكل ولا يشرب، ولا يبول ولا يروث، فالتمِسْ له راقيًا، فقال عبدالله: لا نلتمس له راقيًا، ولكن ائتِهِ فانفخ في منخره الأيمن أربعًا وفي الأيسر ثلاثًا، وقل: لا بأس رب الناس، اشفِ أنت الشافي، لا يكشف الضر إلا أنت، فقام الرجل فانطلق، فما برحنا حتى رجع، فقال لعبدالله: فعلت الذي أمرتني به، فما برحت حتى أكل وشرب وبال وراث))؛ [صحيح]، ومعنى لقعه: أصابه بعينه، والمهر: ولد الفرس.
7- الإصابة ببعض الأمراض كمرض الحمى أحيانًا:
قال ابن عبدالبر: “حكى المدائني عن الأصمعي قال: حج هشام بن عبدالملك فأتى المدينة، فدخل عليه سالم بن عبدالله بن عمر، فلما خرج من عنده قال هشام: ما رأيت ابن سبعين أحسن كِدْنَةً منه، فلما صار سالم في منزله حُمَّ، فقال: أترَون الأحول لَقَعَني بعينه؟ فما خرج هشام من المدينة حتى صلى عليه”؛ [التمهيد (6/288)]، معنى الكُدْنَة: كثرة الشحم واللحم، ورجل ذو كِدْنَة: سمين وغليظ.
8- وقد تؤدي الإصابة بالعين إلى الموت بإذن الله تعالى.
الأدلة على ذلك: عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العين لَتُولَع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقًا، فيتردَّى منه))؛ [صحيح]، وفي رواية: ((العين حقٌّ، العين تستزل الحالق))؛ [صحيح].
عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين))، وفي رواية أخرى ((بالأنفس))؛ يعني العين؛ [حديث حسن].
9- أعراض أخرى: مثل:
كراهية المحسود للنعمة فيها؛ فمثلًا عندما يدخل حاسد إلى بيت من البيوت يحدث في الحال مشاجرة بين الزوج وزوجته، أو عند رؤية طالب يذاكر دروسه من أحد الزوار، يعقُبه في الحال عدم قدرة على الاستذكار، وتكون مصحوبة بصداع شديد، وزغللة في العينين، وعدم قدرة على التركيز.
ولا يمكن دفع هذا إلا بقول: تبارك الله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، على كل نعمة أنعم الله على العبد بها، أو يقول: بارك الله لك، أو تبارك الله أحسن الخالقين، ونحو ذلك مما يدفع الحسد والعين.
الأسباب الشرعية للوقاية من الحسد والعين:
للحسد طرفان: حاسد ومحسود، وللعين طرفان: عائن ومَعين.
أولًا: الحاسد أو العائن:
للوقاية من حسد الحاسد أو العائن أربعة أسباب:
1- أن يبارك الحاسد أو العائن على ما يعجبه.
الدليل على ذلك: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف: ((ألَا برَّكْتَ))؛ [صحيح]؛ أي: قلت: اللهم بارك عليه، أو بارك الله لك وعليك، أو بارك الله فيك، أو تبارك الله أحسن الخالقين، أو نحو ذلك من الدعاء بالبركة.
2- أن يقول الحاسد أو العائن على ما يعجبه: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
الدليل: قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا﴾ [الكهف: 39].
3- الإكثار من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن.
4- الإيمان بقضاء الله وقدره، وأنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفيَ أجلها ورزقها، فلا يطمع في شيء لا يملكه.
5- التفكُّر في آيات الله ورحمته، وقدرته وحكمته، وأن كل خَلْقِه وعطائه بالحق، وأنه سبحانه ما يعطي إلا ابتلاء وفتنة.
ثانيًا: المحسود أو المعين:
لكي يقِيَ المحسود أو المعين نفسه؛ حتى لا يصيبه ضرر الحاسد أو العائن، ولذلك عدة أسباب:
(1) الاستعاذة بالله من شر الحاسد.
قال تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 1 – 5].
(2) الصبر وتقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه.
قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 120].
(3) المحافظة على أذكار الصباح والمساء؛ ومنها:
قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات؛ الدليل على ذلك: عن عبدالله بن خبيب قال: ((خرجنا في ليلة مطيرة ومظلمة شديدة، نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا، قال: فأدركته، فقال: قُلْ، فلم أقل شيئًا، قال: قُلْ، فقلت: ما أقول؟ قال: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1] والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء))؛ [حسن].
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم؛ ثلاث مرات، لم يضره شيء))؛ [حسن].
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحِيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء، إلا رجل عمِل أكثر منه))؛ [صحيح].
4- قراءة آية الكرسي، وقراءة الآيتين من آخر سورة البقرة، وقراءة سورة البقرة:
الأدلة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، فقال: إذا أويتَ إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي؛ لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كَذُوب))؛ [صحيح].
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة، كَفَتَاهُ))؛ [صحيح البخاري ومسلم].
عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذَها بركة، وتركَها حسرة، ولا يستطيعها البَطَلَةُ))؛ [صحيح مسلمُ]، البطلة هم السحرة.
(5) الاستعاذة بكلمات الله التامة:
الدليل: عن خولة بنت حكيم السلمية، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من نزل منزلًا، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرَّه شيء حتى يرتحل من منزله ذلك))؛ [صحيح مسلم].
(6) ستر المحاسن قدر الاستطاعة:
الدليل: قال تعالى: ﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [يوسف: 67]؛ معنى الآية: أن يعقوب عليه السلام أمر أولاده بألَّا يدخلوا مصر من باب واحد؛ وذلك خشية العين؛ لكونهم أحدَ عشرَ رجلًا لرجل واحد، وكانوا أهلَ جمال وكمال.
(7) توحيد الله تعالى:
الدليل: قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام: 17]، فلا تخاف إلا الله تعالى، ولا تلجأ إلا إلى الله تعالى، واعلم أن الله تعالى يكفيك من كل شر؛ قال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: 36].
(8) التضرع بالدعاء إلى الله تعالى:
قال تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: 62]، وقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
(9) التوبة إلى الله تعالى من المعاصي وترك المنكرات، وفعل الخيرات والتوكل عليه:
الدليل: قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30].
قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 133].
قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].
(10) الأخذ بأسباب الوقاية جملة وتفصيلًا:
مثل: الإيمان بربوبية الله الحكيمة، وسُنَنِهِ التي لا تبديل لها، ولا تحويل، والعلم والإيمان بالله وأسمائه وصفاته.
علاج الحسد والعين:
للحسد والعين طرفان:
الأول: الحاسد أو العائن، الثاني: المحسود أو المعين.
أولًا: كيف يعالج الحاسد أو العائن نفسَه؟
يتم العلاج أن يتدبَّرَ الحاسد أو العائن المفاسدَ الكثيرة التي تعود عليه بسبب حسده؛ وهي:
1- أن الحسد تشبُّهٌ باليهود؛ قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: 54].
2- أنه دليل على خبث نفس الحاسد، وأنه لا يحب لإخوانه ما يحب لنفسه؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: 32].
3- أن فيه اعتراضًا على قدر الله عز وجل وقضائه، وفيه كراهية لقضاء الله وقدره، وهذا فيه خطر على دينه، فعلى الحاسد التوبة من هذا الذنب، وأن يحب للناس ما يحب لنفسه، ويرضى بقضاء الله وقدره.
4- أن يعلم أن الحسد داءٌ ومرض عظيم من أمراض القلوب، وخُلُقٌ رديء يقدح في المروءة، ولا يزال صاحبه مهمومًا ومغمومًا بسبب حسده، وليعلم الحاسد أن الحسد ضررٌ عليه في الدين والدنيا.
5- أن يعلم الحاسد أن الحسدَ يؤدي إلى تفرُّق المسلمين؛ لأن الحاسد مكروه ومُبغَض عند الناس؛ لأنه يكره ما أنعم الله به على عباده.
6- أن يعلم الحاسد أن الله أخرج إبليس من الجنة لحسده لآدمَ عليه السلام، فيُخشى على الحاسد أن يُطرد من رحمة الله، كما طُرِدَ إبليس وحُرِمَ من رحمة الله؛ قال تعالى: ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف: 18].
7- أن يعلم أن الحسدَ المأذونَ به شرعًا هو الغِبْطَةُ؛ وهو أن يتمنى لنفسه ما أنعم الله على عباده من نِعَمٍ؛ مثل: المال، والعلم، والجاه، دون أن يريد في قلبه زوال النعمة عن صاحبها.
8- أن يعلم الحاسد أن قلبه مريض ومتنجِّس بالحسد، فعليه أن يعالج قلبه ويطهِّره بالإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
9- أن يعلم الحاسد أن الحسد يضر المحسود، فيتضرر هذا الإنسان فيصبح مريضًا، أو مقعدًا، أو أصمَّ أو أعمى، أو مشلولًا، أو لا يستطيع العمل ولا الزواج ولا التصرف والتفاهم مع الناس، فتكون أنت – أيها الحاسد – السببَ في هذا الأمر؛ فعليك التوبة النصوح من ذلك الحسد، والإسلام نهى عن الضرر؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)).
علاج المحسود بالأسباب الشرعية:
علاج المحسود يكون بأربع طُرُق:
الطريق الأولى: الاستغسال أو الوضوء للعائن: وتكون في حالة إذا علِم العائن:
الأدلة:
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين حقٌّ، ولو كان شيء سابق القدر لَسَبَقَتْه العين، وإذا استُغسلتم فاغسلوا))؛ [صحيح مسلم].
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان يُؤمَر العائن فيتوضأ، ثم يغتسل منه المعين))؛ [صحيح].
3- عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: ((مَرَّ عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل، فقال: لم أرَ كاليوم ولا جِلْدَ مخبَّأة، فما لبِث أن لُبِطَ به، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدْرِكْ سهلًا صريعًا، وفي رواية: والله ما يرفع رأسه، قال: من تتهمون به؟ قالوا: عامر بن ربيعة، قال: عَلَام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يُعْجِبه، فلْيَدْعُ له بالبركة ثم دعا بماء، فأمر عامرًا أن يتوضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه، وداخلةَ إزاره، وأمره أن يَصُبَّ عليه))؛ [صحيح].
صفة الغسل أو الوضوء التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عامر بن ربيعة:
وهي غسل العائن لوجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه، وداخلة إزاره؛ أي: ما يلي الجسد من إزاره، ثم يصب على المحسود، فيبرأ بإذن الله تعالى.
الطريق الثانية: قراءة الرُّقى والمعوذات على المصاب:
قال ابن القيم في البدائع: “إنما يُسترقَى من العين إذا لم يُعرَف العائن، أما إذا عُرِف العائن الذي أصابه بعينه، فإنه يُؤمَر بالاغتسال”.
الأدلة على ذلك:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن أسترقي من العين))؛ [صحيح مسلم].
2- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرُّقية من العين والحُمَةِ والنَّملة)).
الحمة: لدغة ذوات السموم كالحية والعقرب وغيرهما، النملة: قروح تخرج من الجنبين، ويُقال: إنها أيضًا تخرج في غير الجنب فترقى، فتذهب بإذن الله تعالى.
3- عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا رُقْيَةَ إلا من عين أو حُمَة)).
وتتم هذه الطريقة بوضع يد الراقي اليمنى على المريض ويمسح بها – كما كان يعوِّذ النبي صلى الله عليه وسلم بعض أهله – ثم يقول الراقي:
• اللهم رب الناس، أذهِبِ البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا؛ [صحيح مسلم].
• باسم الله يُبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، وشر كل ذي عين؛ [صحيح مسلم].
• باسم الله أَرْقِيك، من كل شيء يؤذيك، من شرِّ كل نفس أو عينِ حاسدٍ الله يشفيك، باسم الله أرقيك؛ [صحيح مسلم].
• باسم الله ثلاث مرات، وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما تجد وتحاذر؛ سبع مرات.
• أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة؛ [صحيح البخاري].
• امسح البأس، رب الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت؛ [صحيح البخاري].
• قراءة فاتحة الكتاب؛ [صحيح البخاري ومسلم].
• قراءة المعوذات؛ وهي سورة الإخلاص والمعوذتين؛ [صحيح البخاري ومسلم].
• اللهم عافِه، اللهم اشفِه؛ [حسن].
ملحوظة:
يستحب أن يرقي المريض نفسه بالتعوذات السابقة بعد وضع يده على الموضع الذي يؤلمه، كما علَّم النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، أو يرقي راقٍ أمين وثقة المريضَ بوضع يده اليمنى على المريض ويمسح بها.
الطريق الثالثة: النفث في الماء بالتعوذات السابقة:
تقرأ التعوذات المذكورة في الطريقة الثانية على إناء به ماء، ويشرب منها المحسود، والباقي يُصَبُّ على رأس المحسود من الخلف، حتى تعم جسمه، فيبرأ بإذن الله تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله: “ورأى جماعة من السلف أن تُكتَبَ له الآيات من القرآن، ثم يشربها”.
قال مجاهد: “لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريضَ”.
الطريق الرابعة: تقرأ التعوذات المذكورة في الطريقة الثانية على المحسود وينفُث عليه: وتتم هذه الطريقة أن تقرأ الرقية على المحسود، ثم ينفث الراقي أو المريض في الكفين، ثم يمسح بها الوجه وما بلغت اليدان من الجسم؛ كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم عليه ثلاث مرات، والنفث هو النفخ على المريض بعد قراءة الرقية الشرعية.
الدليل: صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان ينفث في الرقية؛ [صحيح البخاري ومسلم].
الطريق الخامسة: إذا علِم العائن يقول له: “باسم الله، حبس حابس، وحجر يابس، وشهاب قابس، رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه”.
الدليل: قال ابن القيم رحمه الله: “ومن الرقى التي ترُدُّ العين ما ذُكِر عن أبي عبدالله الساجي، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فارهة، وكان في الرفقة رجل عائن قلما نظر إلى شيء إلا أتلفه، فقيل لأبي عبدالله: احفظ ناقتك من العائن، فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل، فأُخْبِرَ العائن بقوله، فتحيَّن غيبة أبي عبدالله، فجاء إلى رحله فنظر إلى الناقة، فاضطربت وسقطت، فجاء أبو عبدالله، فأُخْبِرَ أن العائن قد عانها، وهي كما ترى فقال: دلوني عليه، فدُلَّ، فوقف عليه، وقال: باسم الله، حبس حابس، وحجر يابس، وشهاب قابس، رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه، وقال تعالى: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك: 3، 4]، فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقة لا بأس بها”؛ [زاد المعاد (4/ 174)].
ملحوظة:
الحقيقة التي يغفُل عنها كثير من الناس أن ضرر الحاسد للمحسود والعائن للمعين لا يكون بيد الحاسد أو العائن، فهذا الضرر لا يقع إلا بإذن الله تعالى، يصيب به من يشاء، ويصرفه عمن يشاء، فالله سبحانه وتعالى له حكمة بالغة في تعطيل ضرر الحسد أو نفاذه؛ لأن هذا من أقدار الله تعالى، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ قال تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 102].
وفي النهاية فهذه كلمات نافعة ومصدرها الكتاب والسنة، وتنفع المحسود وقاية وعلاجًا، وتنفع الحاسد أيضًا، وأسأل الله أن يشفي جميع مرضى المسلمين.
المصدر: تلخيص وبحث مبسط من كتاب المس والسحر والحسد والعين، التشخيص والعلاج من منظور إسلامي؛ تأليف أبي عبدالرحمن فؤاد سراج عبدالغفار، وتقديم أ.د/ محمد بن عبدالرحمن الخميس، السعودية، والشيخ/ مجدي بن عرفات المصري الأثري، مصر، والشيخ/ صلاح الدين مقبول، الهند، والشيخ/ عبدالعزيز بن صالح الهدة، الكويت.