أيها السارق تب إلى الله (خطبة)


أيها السارق تب إلى الله

 

نقف اليوم وفي هذه الساعة المباركة لنطرح سؤالًا ونجيب عليه بإذن الله تعالى، هذا السؤال هو: يا ترى ما السبب الذي يدفع السرَّاق إلى السرقة؟ هل هو الجوع؟ هل هي الظروف المأساوية التي تمر بها البلاد؟ هل هو سوء التوجيه من الآباء والأمهات؟ هل هو متابعة الأفلام والمسلسلات التي تعلم الإنسان كيف يتفنن في السرقة؟ ما السبب؟

وقبل أن أجيب عن هذا السؤال، أذكرك أخي المسلم بتلك الحادثة التي طالما كنا نسمعها من علمائنا وآبائنا وأجدادنا؛ قصة الرجل الذي سرق من أموال السلطان، وأمسك به رجاله، وأصدر الحاكم عليه حكم الإعدام، وجمع الناس ليوم مشهود من أجل أن ينفذ الحكم على هذا السارق، ويقف السارق على منصة الإعدام، وقبل تنفيذ الحكم عليه يطلب طلبًا، ما هو هذا الطلب يا ترى؟ يطلب أن يرى أمه! ولماذا؟! يريد أن يقبلها قبل أن يموت، ووافقوا على طلبه، وجاءت الأم إليه، فقال لها: يا أماه، أريد أن أقبلك من لسانك قبل أن أموت، وأخرجت الأم لسانها من أجل أن يقبله، وعندما أخرجت لسانها أمسكه بأسنانه، وقطع لسانها، يا الله، ماذا فعل هذا المعتوه؟ ماذا هذا المجنون؟ إنه قطع لسان أمه؟!

فقال: أيها الناس، هونوا عليكم، هذه أمي هي التي كانت سببًا في وصولي إلى منصة الإعدام؛ لأنني عندما كنت صغيرًا، وسرقت بيضة من الجيران ضحكت، وقالت: يا بني، أنت شجاع، لقد أصبحت رجلًا، وفي المرة الثانية سرقت دجاجة، وشجعتني كذلك، إلى أن وصلت الحالة بي إلى أموال السلطان، ولو أنها زجرتني وضربتني ونصحتني عندما سرقت في المرة الأولى لما وصلت إلى منصة الإعدام؛ لكن كل هذا من تشجعيها.

 

أيها المسلم، لقد أعطيتك نصف الإجابة من خلال هذه الحادثة، بقي أن أبين هل الجوع والأوضاع التي تمر بالبلاد هي التي دفعت بالسُّرَّاق إلى السرقة؟

 

تعالَ أخي المسلم لكي نرجع إلى الوراء، إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى زمن أصحابه الكرام رضي الله عنهم، هل أصابهم الجوع؟ وهل مروا بأوضاع كأوضاعنا اليوم؟

 

هذه السيدة عائشة رضي الله عنها، وهي تحدثنا عن حال البيت النبوي فتقول: “مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم”[1]. وفي رواية: “مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ ثَلاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ”[2].

 

وعَنْ عُرْوَةَ بن الزبير رضي الله عنه، عَن السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: وَاللهِ يَا بْنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلَالِ، ثَلَاثَة أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ، قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالَة، فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قَالَتْ: “الْأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ[3]، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَلْبَانِهَا، فَيَسْقِينَاهُ”[4].

 

من منا اليوم لا يوقد في بيته النار في اليوم مرتين، لا أقول في الأسبوع، ولا في الشهر، أو الشهرين؛ بل في اليوم الواحد، من منا اليوم لا يوقد في بيته النار في اليوم مرتين، والله ما جعنا مثل ما جاع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم.

 

وهذا ابن عباس رضي الله عنه، يقول: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَبيتُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا، وَأهْلُهُ لا يَجِدُونَ عَشَاءً، وَكَانَ أكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبزَ الشَّعيرِ[5].

 

بل هذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل يومًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآه على حصير، وقد أثر بجنبه، يقول عمر رضي الله عنه: “فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: ((مَا يُبْكِيكَ؟))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ؟ فَقَالَ: ((أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ))[6].

 

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإذَا هُوَ بأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهم، فَقَالَ: ((مَا أخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُما هذِهِ السَّاعَةَ؟))، قَالا: الجُوعُ يَا رسول الله. قَالَ: ((وَأنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأخْرَجَنِي الَّذِي أخْرَجَكُما، قُوما))، فقَامَا مَعَهُ، فَأتَى رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَإذَا هُوَ لَيْسَ في بيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ المرْأَةُ، قالت: مَرْحَبًا وَأهلًا، فقال لَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيْنَ فُلانُ؟))، قالت: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لنَا الماءَ؛ (يَطْلُبُ الماءَ العَذْبَ)، إِذْ جَاءَ الأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الحَمْدُ للهِ، مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أكْرَمَ أضْيَافًا مِنِّي، فَانْطَلَقَ، فَجَاءهُمْ بِعِذْقٍ (غُصْن) فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ (هي السِّكِّينُ)، فَقَالَ لَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إيْاكَ وَالْحَلُوبَ))؛ (أي: ذات اللَّبَن)، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأكَلُوا مِنَ الشَّاةِ، وَمِنْ ذَلِكَ العِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَبي بَكْر وَعُمَرَ رضي الله عنهم: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أصَابَكُمْ هَذَا النَّعيمُ))[7].

 

هذه هي الأوضاع التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم، وهذه قطرة من بحر، وغيض من فيض؛ ولكن هل قام أحدهم بسرقة محل الآخر؟ هل سرق أحدهم بيت الآخر؟ هل أدت الأوضاع بهم إلى أن يقتلوا إخوانهم من أجل أن يسرقوا أموالهم؟ هل سرقوا طفلًا من أجل أن يساوموا أهله عليه؟ هل قاموا بانتهاك حرمة المساجد وسرقتها؟

 

الجواب: لا، والسبب لأن ذلك الجيل تربى على التربية الصحيحة، تربى على الأمانة والإخلاص، تربى في مدارس الإسلام على التقوى والخوف من الله تعالى ولكن نحن ماذا فعلنا؟ أنا أقولها دائمًا وأكررها: السبب الرئيسي في ضياع الشباب هو من سوء التوجيه، من سوء التربية، من جو الفساد الذي خيم على العائلة.

 

فالأب في هذا الزمان بماذا ينصح أولاده -مع احترامنا لكل أب يربي أولاده التربية الصحيحة، بماذا ينصح أولاده؟ وبماذا يوصيهم؟ يقول أحدهم: يا بني، انظر إلى أقربائك وإلى أصدقائك، فلان يركب سيارة آخر موديل، فلان بنى قصرًا، وفلان الذي كان لا يمتلك شيئًا، واليوم أصبح مقاولًا وتاجرًا، فكن شجاعًا، كن شاطرًا، واعمل بكل الوسائل حتى يكون لك مستقبل زاخر، هذه هي وصايا أكثر الآباء في دنيا اليوم، الغاية الأولى والأخيرة هي: (المال والجاه، والوظيفة والقصور، والسيارات والمنصب).

 

هل أوصاه بالإيمان؟ هل أوصاه بالصدق؟ هل أوصاه بالأمانة؟ هل أوصاه بالصلاة؟ لذلك نشأ جيل همُّه الأول والأخير جمعُ الأموال، والنظر إلى من فوقه، فإذا لم يجد من الحلال سلك طريق الحرام.

 

رحم الله ذلك الزمان، كانت وصية الزوجة لزوجها أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا فلان، اتقِ الله، ولا تأكل حرامًا، إننا نستطيع أن نصبر على الجوع في الدنيا؛ ولكن لا نصبر على عذاب الله تعالى يوم القيامة[8].

 

فنصيحتي إلى كل من سار في طريق السرقات: أقول له ناصحًا ومذكرًا بأن السرقة حرام، حرَّمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهي حرام إلى يوم القيامة، وهي من الجيران أشد حرمة، فإذا سرق من جيرانه سواء من البيت أو من المحل فهي أشد حرمة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومًا لِأَصْحَابِهِ: ((مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟))، قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: ((لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ، فَقَالَ: ((مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟)) قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهِيَ حَرَامٌ، قَالَ: ((لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ)) [9].

 

أيها السارق، أذكرك بأن الدنيا علمتنا أن الذي يسير في طريق السرقات والحرام لن يوفقه الله لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأن مصيره في الدنيا الفضيحة والعار، فإذا نجوت من السرقة الأولى فلن تنجو في الثانية، وإذا نجوت في الثانية فلن تنجو في الثالثة.

 

إن أحد الصالحين مات، فرآه صاحبه في المنام بعد موته، فقال له: ماذا فعل الله بك يا أخي، فقال: سألني عن شيء لم يكن يخطر لي على بال، قال: فعن أي شيء سألك ربُّك؟ قال: بينما أنا في الدنيا أسير في طريق زراعي بين حقلين مزروعين بالقمح إذ رأيت سنبلة من القمح، فرميتها في الحقل الذي على يميني، فسألني عنها ربي: لمَ رميتها في الحقل الذي على اليمين، وما أدراك أنها ملك الذي على اليمين، وليست ملك الذي على الشمال؟!

 

أيها السارق، لماذا لا تأخذ العبرة من غيرك؟ لماذا لم تسأل نفسك: أين الذين ساروا في طريق الحرام وطريق السرقات؟ أين هم الآن؟ أين الذين ركبوا أحدث السيارات، وبنوا أجمل القصور، ولبسوا أفخر الثياب، هل دامت لهم؟ لا والله لقد دمَّرهم الله تعالى، كيف دمَّرهم؟ بعضهم ابتلاهم بالأمراض، وبعضهم بالسجون، وبعضهم تحت التراب، فتلك بيوتهم خالية، وعظامهم بالية، فهل ترضى لنفسك مثل هذا الدمار؟ ماذا نفعتهم أموالهم وقصورهم في قبورهم؟

 

تذكَّر أيها السارق: إن نجوت في الدنيا فلن تنجو من الله يوم القيامة، وهناك ترد المظالم إلى أهلها، وهناك يأخذ الذي سرقت منه المال بتلابيبك، ويقول: يا رب، خُذْ لي حقي من هذا السارق، ويوم القيامة لا درهم ولا دينار إنما هي الحسنات.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا لأصحابه: ((أتدرونَ مَنِ المُفْلِسُ؟))، قالوا: المفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرهَمَ لَهُ ولا مَتَاع، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيَقْعُدُ، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَص مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ))[10].

 

أنا أحذرك من الفضيحة يوم القيامة، يوم تُبْلى السرائر، فلقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن السارق يأتي يوم القيامة يحمل ما سرق وما غل على رقبته، فقال: ((لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ….))[11].

 

فأنت أيها السارق، ماذا ستحمل يوم القيامة على رقبتك؟ إن سرقت سيارة ستأتي يوم القيامة وأنت تحمل تلك السيارة، وإن سرقت بعيرًا ستأتي يوم القيامة وأنت تحمل ذلك البعير، وإن سرقت الذهب والفضة ستأتي يوم القيامة وأنت تحمل الذهب والفضة، وإن سرقت عقارًا ستأتي يوم القيامة وأنت تحمل ذلك العقار.

 

فيا من تسيـــرون في طريق الحــرام إذا أردتم النجاة من الأمراض والمصائب والهــــــلاك فتوبوا إلى الله تعالى، وأعطوا كل ذي حقٍّ حقَّه، وأنتم أيها الآباء إن أردتم العيش السعيد في الدنيا، والنجاة يوم الوعيد، فربُّوا أولادكم على الصدق والإيمان والتقوى، والخوف من الله تعالى﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ‌وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.

 

الخطبة الثانية

مسألتنا الفقهية تتعلق بشأن كفارة اليمين.

فبعض الناس يعتقد أن كفارة اليمين هي صيام ثلاثة أيام، فترى بعضهم إذا حلف على أخيه يقول له: لا تجعلني أصوم ثلاثة أيام، وهذا خطأ.

 

والصواب: أن كفارة اليمين على الترتيب الذي ذكره الله عز وجل فقال:﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ ‌بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89].

 

فيختار واحدة من هذه الخصال الثلاثة ويفعلها: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، ومن فعل واحدة منها فقد برئت ذمته، وفعل ما وجب عليه، فإن عجز عن جميع الخصال الثلاثة؛ انتقل إلى الصوم، فيصوم ثلاثة أيام.

 

ولا يجوز له الانتقال إلى الصيام وهو مستطيع الإطعام أو الكسوة أو العتق؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ﴾، قال ابن المنذر رحمه الله: “أجمعوا على أن الحالف الواجد للإطعام، أو الكسوة، أو الرقبة، لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه” [12].

 

فمن حلف على شيء، ثم حنث في يمينه، وصام مع قدرته على إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن صومه غير مجزئ، وعليه أن يأتي بالكفارة وهي الإطعام أو الكسوة أو العتق، والصوم يكون نافلة له.

 

فلا يجوز لك الصيام، وعندك الاستطاعة على إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم.


[1] صحيح مسلم، كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ –باب: (4/ 2282)، برقم (2970).

[2] صحيح البخاري، كتاب الرقاق- باب كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا: (8/ 121)، برقم (6454).

[3] المنحة والمنيحة: أن يعطيه ناقة أو شاة، ينتفع بلبنها ويعيدها؛ النهاية لابن الاثير: (4/ 364).

[4] صحيح مسلم، كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ –باب: (4/ 2283)، برقم (2972).

[5] سنن الترمذي، أَبْوَابُ الزُّهْدِ- بَابُ مَا جَاءَ فِي مَعِيشَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلِهِ: (4/ 158)، برقم (2360)، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

[6] أخرجه البخاري (4913).

[7] أخرجه مسلم (2038).

[8] بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية 4/ 155.

[9] أخرجه أحمد في مسنده: (23854)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده جيد.

[10] سنن الترمذي، أَبْوَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ -بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الْحِسَابِ وَالْقَصَاصِ: (4/ 191)، برقم (2418)، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

[11] صحيح مسلم، كتاب الإمارة – بَابُ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ (3/ 1461)، برقم (1831).

[12] الإجماع لابن المنذر: (ص:157).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
مختصر السيرة النبوية صلى الله عليه وسلم للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (الجزء السادس)
نداء للإيمان بالله والرجوع إليه