البقرة في القرآن والسنة (خطبة)
البقرة في القرآن والسنة
الحمدُ لله الكريم المنان، العزيز ذي السلطان، خلق الإنسان من تراب ثم قال له: كُن فكان. يُعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويصل ويقطع، ويُشتت ويجمع، كل يوم هو في شأن. يُجيب المضطر إذا دعاه في كل وقت وآن.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ولد ولا أعوان. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد ولد عدنان. بعثه رحمةً لأهل الإيمان وحُجة على أهل الظلم والطغيان.
اللهم صلّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والعرفان، وسلم تسليما كثيرًا.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وراقبوه واعلموا أن من اتقى الله وقاه.
عباد الله: ما زلنا وإياكم مع سلسلة الحيوانات في القرآن والسنة دروس وعبر، سلسلة إيمانية، تربوية، علمية؟
وقفنا مع أول حيوان وأصغر حيوان ذُكر في كتاب الله وهو البعوض، و اليوم سنقف وإياكم مع حيوان أكبر من البعوضة بل أنزل الله سورة باسم هذا الحيوان وهي أكبر سورة في القرآن إنها البقرة و سورة البقرة.
أطول سور القرآن، سورة المنهاج لهذه الأمة، سورة الخلافة والاستخلاف للإنسان على هذه الأرض، سورة جاءت تحذر ها من الوقوع في الأخطاء التي وقع فيها بنو إسرائيل و الأمم السابقة.
سورة البقرة أول سورة في الترتيب بعد الفاتحة. آياتها (286) كلماتها (6144) حروفها (25613).
يقول أهل العلم: “إن فيها ألف أمر وألف نهي وألف خبر”، عباد الله:
إن في هذه السورة حصن من الشيطان وحصن من السحر.
صح في ذلك عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما» وفي رواية «كأنهما غَمَامَتان، أو كأنهما غَيَايتَان، أو كأنهما فِرْقَان من طير صَوَافّ تحاجّان عن أصحابهما اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة «أي السحرة» [رواه مسلم رقم (804) في صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة]، وعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» [أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (780) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
عباد الله: من يحافظ على قراءة سورة البقرة لمده طويلة متواصلة سيرى في حياته عجبًا وفي جسده شفاءً وفي رزقه زيادةً وفي صدره انشراحًا وفي عمره بركة..
كثيرًا ما كان يقول ابن القيم صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم: “أن العين والحسد كالكُتلة في جسد المحسود لا يُزيلها ويمحوها ويجلوها إلا تكرار (سورة البقرة) والمعوذات“.
والقصص كثيرة فيمن عانوا من المس والعين والسحر والضيق فشفاهم الله بسورة البقرة والقيام بها.
يقول أحد المشايخ:
اتصلت بي إحدى الأخوات.
قالت لي: (أنا لي أربع سنوات، ترددت على جميع الكهنة، على جميع المشايخ، على جميع الناس، والله أعلم فيني سحر عجيب، كل ما فكيته ربط لي ثانية).
أنا طفشانة من حياتي، مليت، حتى أني أُفكر أقتل نفسي!).
قلت لها: هل لديكِ النية الإرادة أن تشفين؟! تريدين الشفاء؟!
قالت نعم.
قال: احمدي الله، وأكثري من بالاستغفار والتوبة من الذنب.. وعليك بالمحافظة على الصلوات الخمس بما فيها الفجر.. وتحافظي على أذكار الصباح والمساء قالت وماذا بعد؟
قال: أيضا والتي تقتل كل شيطان بأمر الله.. تقرئين ((سورة البقرة)) كل ليلة كاملة في قيام ليل.
قالت صعبة.
قالت يا شيخ أخاف.
قال: والله لا يوجد إلا هي.. إن كتب الله لك الشفاء فهي بالبقرة.
قالت أخاف.
قال: لا يوجد إلا هذه.
فبذات بالقراءة والمحافظة على الصلوات والأذكار والقيام..
يقول الشيخ: كلمتني بعد ستة أشهر قالت لي (يا شيخ جزاك الله خيرا لقد برئت.. والله إني كنت اقرأ البقرة أحس أن هناك شيء يخرج مني.. سمعت القطط من حولي.. الكلاب تنبح وأنا أقرأ.. الكل يحاول أن يضايقني.. حتى رأيت كدمات في جلدي.. أصبحت لا أريد الناس.. ولكني قاومت.
وما مضى شهر أو أكثر إلا وبدأ ينفتح قلبي.. وقليلا وقليلا.. واليوم أنا حامل من زوجي الذي لم يستطع أن يعاشرني منذ أكثر منذ أربع سنوات. فلا اله إلا الله ما أبرك كتاب الله الذي قال الله عنه: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].
جاء في الصحيح أن فيها أعظم آية في القرآن ألا وهي آية الكرسي التي من قرأها في يومٍ لا يقربه شيطان، ومن قرأها دُبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت، كما أن الآيتين اللتين في آخرها من قرأهما في ليلة كفتاه، كما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك.
أيها الإخوة:
سورة البقرة بدأ الله فيها الحديث عن أصناف الناس وهم ثلاثة: المتقين في خمس آيات(آية 1 – 5)، والكافرين في آيتين فقط (آية 6 – 7)، أما المنافقين أما الطابور الخامس ففي ثلاث عشرة آية (آية 8 – 20) لماذا؟ إنها رسالة لأمة محمد إلى عظيم خطرهم وكبير ضررهم لأنهم يُظهرون الإيمان ويُبطنون الكفر وهم أشد من الكافرين.
البقرة تُذكرنا بقصة بقرة بني إسرائيل ومفادها أنه كان رجل من بني إسرائيل غنيًا ثريًا، وله وريث وحيد هو ابن أخيه، فعدى عليه ابن أخيه في الليل فذبحه! انه اغتيال رهيب في ليلةٍ ظلماء! وأتى هذا القاتل المجرم إلى موسى عليه السلام ليُخفي جريمته، ويُبعد التهمة عن نفسه فبكى بين يدي موسى عليه السلام، قال له: مالك؟ قال: عمي قُتل البارحة، فجمع موسى بني إسرائيل وقال: من قتل عم هذا الرجل؟ قالوا: لا ندري، إن كنت يا موسى نبيًا فسل ربك، فهم يقولون: ادع لنا ربك، قبحهم الله وفضحهم، أليس بربهم؟! لماذا لم يقولوا: ادع ربنا، وإنما قالوا: ربك؟ فابتهل واستقبل القبلة وبكى وقال: «اللهم أخبرنا من هو القاتل». فقال الله: يا موسى! مُر بني إسرائيل أن يأخذوا بقرة فيذبحونها فقال موسى: «اذبحوا بقرة»، فاعترضوا و ﴿ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67].
قال ابن عباس رضي الله عنها: «لو أخذوا بقرة من عَرض البقر لأجزأتهم»، لكن تعنّت البقر أمام قصة البقر.
قال بنوا إسرائيل: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ﴾ [البقرة: 68] ألا يعلمون ما هي؟ أم هو الجدال بالباطل والغي والضلال!!
﴿ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ [البقرة: 68]، أي: ليست بالكبيرة المسنة ولا بالبكر الصغيرة، وإنما هي بين البكر والهرمة، ﴿ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴾ [البقرة: 68]، على وجه المسارعة والفور. ولكنهم أتوا بتعنتٍ آخر فقالوا: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ﴾ [البقرة: 69]، وهذا من التشدد والتنطع ﴿ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ [البقرة: 69].
فهي بقرةٌ صفراء صافٍ لونها، ليس فيها سواد ولا بياض، تُعجِب الناظرين إذا رأوها. ولكنَّ بنيء إسرائيل لا يعجبهم أن تنتهي القضية عند هذا الحدّ، فرجعوا إلى موسى وقالوا:
﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 70].
ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: ﴿ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 70].
لما هُدوا إليها أبدًا.
﴿ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ﴾ [البقرة: 71]. أي: إنها بقرة لم يُذللها العمل، فهي ليست بذلول تثير الأرض، وكذلك فهي لا تسقي الحرث، أي: لا تعمل في الحرث، إنما ﴿ مُسَلَّمَةٌ ﴾ [البقرة: 71] أي: سالمة من العيوب ﴿ لَا شِيَةَ فِيهَا ﴾ [البقرة: 71] أي: لا علامة فيها تميزها. ﴿ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 71] ومما ورد في ذلك أنهم لم يجدوا هذه البقرة إلا عند عجوز تقوم على يتامى وهي القيِّمةُ عليهم، فلما علمت أنه لن تُجْزِئهم غير هذه البقرة ضاعفت عليهم الثمن، فقال موسى عليه السلام: “إن الله قد خفَّف عليكم فشددتم على أنفسكم فأعطوها ما تريد”، ففعلوا واشتروها بملء جلدها ذهبًا!!
عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الإخوة! من شدّد شدّد الله عليه، يقول ‰: «إن هذا الدين عميق فأوغلوا فيه برفق، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه» [صحيح البخاري: كتاب الإيمان، باب: الدين يسر (39) عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. فإن غلّو بني إسرائيل أخرجهم من الدين.
﴿ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 71]. فلما ذبحوها أمرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا عظمًا منها فيضربوا به القتيل فلما فعلوا رجعت إليه روحه بإذن الله وقام ينتفض، فسأله موسى: مَنْ قتلك؟ قال: ابن أخي هذا، ثم خرَّ ميتًا كما كان. فجاء موسى بالقاتل المجرم فقتله على جريمته قصاصًا.
يقول تعالى: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 73].
البقرة تذكّرنا بفضل يوم الجمعة والتبكير إليه يقول البخاري صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم: باب فضل الجمعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة،…. إلى آخر الحديث».
إنها رسالة نرسلها إلى من يتأخر عن هذا اليوم المهيب العظيم الذيً تغفر فيه الذنوب أن لا تحرم نفسك بالتأخير.
البقرة تُذكرنا بالروافض الذين يسبون أبا بكر وعمر، ويقولون: إن الصحابة جميعًا ماتوا على النفاق ما عدا ستة! هؤلاء الروافض لما فسروا قوله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا ﴾ [البقرة: 67] قالوا: يعني أن تذبحوا عائشة رضي الله عنها!..
لأنهم روافض ويكرهون عائشة رضي الله عنها فلذلك قالوا: (بقرة).
فمن سب الصحابة فهو فاسق، ومن سب أم المؤمنين عائشة كافر؛ لأنه كذّب بآية من كتاب الله.
البقرة تُذكرنا بقصة حدثت قبل سنين يحدثنا بها رجل ثقة كان مسافرًا في تهامة، وفي ليلة من ليالي سفره وكانت الليلة باردة مطيرة مظلمة، فهاجت الريح ونزلت الأمطار وضل الطريق، فدخل في غار من أجل أن ينام فيه ويرتاح، وبينما هو نائم في الغار إذ رأى قبرًا، وإذا به يرى في القبر رجلًا وامرأة ومعهم بقرة يحلبونها ويشربون لبنها، غير أنه لاحظ أن هذه البقرة ليس عليها جلد، جلدها مسلوخ ودمها يخرج، وصاحب البقرة يحلب ويتأذى أنه ليس عليها جلد، لكن ماذا يصنع؟ يقول: فسألته: من أنت؟ ومن هذه؟ ولماذا هذه البقرة؟ ولماذا لا يوجد عليها جلد؟ قال: أنا رجل وهذه زوجتي، كنا في الحياة الدنيا في قريتنا، وحصلت مجاعة، وجاع الناس حتى كادوا يموتون من الجوع، وما كنا نملك شيئًا إلا هذه البقرة، فتشاورت أنا وزوجتي على أن نذبحها ونقسمها على الفقراء لوجه الله عز وجل، فوافقتني، يقول: فذبحناها وقسّمناها على جميع الفقراء في تلك القرية، ولم يبق بيت إلا دخله شيء من لحمها، غير أننا أخذنا الجلد وبعناه، وما تصدقنا به، يقول: فلما مت أعطاني الله وأعطى زوجتي بدل بقرتنا بقرة في الجنة نحلبها، لكن لا يوجد عليها جلد، يقول: فأنا أتأسف على أنني ما تصدّقت بالجلد حتى ألقاه في الجنة، فيا أخي إن الذي تتصدق به لا تظن أنه خسارة والله إنه هو الربح وهو الباقي.
البقرة تُذكرنا بالإيمان العميق عند صحابة النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ فيما ورد عن الحبيب – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين: «بينما رجلٌ يسوقُ بقرةً له قد حملَ عليها، فالتفتَتْ إليه البقرة، فقالت: إني لم أُخلق لهذا، ولكني إنما خُلِقْتُ للحرثِ» [رواه مسلم رقم 2388].
فقال الناسُ: سبحان الله! ـ تعجبًا وفزعًا ـ “أَبقرةٌ تكَلَّمُ؟! “، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «فإني أُومن به، وأبو بكرٍ وعمر» [رواه البخاري].
البقرة تذكرنا بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي لالله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها». [أخرجه أحمد (1/175، رقم 1517)].
أي يجعلون النفاق والكذب والزور والشتم ونحوه آلة لأكلهم الأموال وشبههم بالبقر لأنهم لا يميزون بين الحلال والحرام كما لا تميز البقرة في رعيها بين رطب ويابس وحلو ومر.
البقرة تذكرنا بما روى مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النّار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤسهنّ كأسنمة البخت لمائلة، لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».
وهذا وعيد عظيم، يجب الحذر مما دل عليه، فالرجال الذين بأيديهم سياط كأذناب البقر هم من يتولى ضرب الناس بغير حق من شرطة، أو غيرهم، كل من يتولى ضرب الناس بغير حق هو داخل في هذا الحديث، سواء كان بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة؛ لأن الدولة إنما تطاع في المعروف، يقول صلى الله عليه وسلم:«إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
كاسيات عاريات: قال النووى: فيه أوجه أحدها: كاسيات من نعمة الله، عاريات من شكرها، والثانى: كاسيات من الثياب، عاريات من فعل الخير والاعتناء بالطاعات، والثالث تكشف شيئا من بدنها إظهارا لجمالها، فهن كاسيات عاريات.
مائلات مميلات: قيل: زائغات عن طاعة الله تعالى، وما يلزمهن من حفظ الفروج وغيرها، ومميلات يعلمن غيرهن مثل فعلهن، وقيل: مائلات متبخترات في مشيتهن.
البقرة تذكروا بقصة ذاك الرجل الذي خرج في يوم من الأيام ليتمشي قليلًا وفجأة رأي في طريقة بقرة يكاد ينفجر الحليب منها من كثرة خيرها وبركتها، وعند رؤية هذا المشهد تذكر الرجل الطيب جار له لدية بقرة ضعيفة وصغيرة لا تنتج الحليب وعنده سبع بنات وهو فقير الحال، فأشتراها وأخذها إلى بيت جارة، فرأي الفرح والسرور علي وجهة وشكره كثيرًا علي معروفه هذا.. وبعد مرور عدة أشهر جاء الصيف وتشققت الأرض من شدة الجفاف وكان الرجل من البدو يرتحل من مكان إلى مكان بحثاُ عن الطعام والماء، ومن شدة الحر والعطش لجا الرجل في يوم إلى الدحول وهى حفر في الأرض توصل إلى محابس مائية لها فتحات فوق الأرض، ويعرفها البدو جيدًا، دخلها الرجل وحيدًا ووقف أولاده ينتظرونه في الخارج، وفجأة ضل الرجل طريقة ولم يستطع الخروج مرة أخري.مر اليوم الأول والثاني والثالث والرابع حتى أيقنوا أنه مات أو لدغة ثعبانًا أو تاه تحت الأرض وهلك، وقد كان أولادة ينتظرون هلاك أبيهم ليقتسموا ماله فيما بينهم.
فأسرعوا إلى المنزل وأخذوا الميراث، ففكر أوسطهم وقال: هل تتذكرون البقرة التي أعطاها أبانا إلى جارنا هذا؟ إنه لا يستحقها وأنها ملك لنا، وذهبوا الأولاد ليأخذوا البقرة، فقال الجار: لقد أهداها لي أباكم وأنا أستفيد من لبنها أنا وبناتي، فقالوا: أعد لنا بقرتنا في الحال وخذ هذا الجمل الصغير بدلًا عنها وإلا أخذناها بالقوة وحينها لن نعطيك أي شيء بالمقابل، فهددهم الرجل قائلا: سوف أشكوكم إلى أبيكم، فردد الأبناء في سخرية: اشك من تشاء فإنه قد مات، فزع الرجل وسألهم: كيف مات ولا أدري؟ قالوا: دخل دحلًا في الصحراء ولم يخرج منه حتى اليوم، فقال الرجل: دلوني علي طريق هذا الدحل وخذوا بقرتكم لا أريد منكم شيئًا.
وعندما وصل إلى مكان الدحل ربط الرجل حبلًا في وسطة وأوصله إلى خارج الدحل وأوقد نارًا ونزل داخل الدحل وأخذ يمشي حتى بدأ يسمع أنينًا خافتًا، فمشي تجاهه حتى وجد الرجل يتنفس حي فأخذة وربطة معه إلى خارج الدحل وسقاة وحملة إلى دارة حتى دبت الحياة في الرجل من جديد، كل هذا وأولاده لا يعلمون شيئًا.
تعجب الرجل من أمره وسأله: كيف ظل أسبوعًا تحت الأرض حيًا ولم يمت؟ قال الرجل: سأخبرك قصتي العجيبة، دخلت إلى الدحل ووجدت الماء ولكني ضللت الطريق ولم أستطع العودة فأخذت أشرب من الماء لمدة ثلاثة أيام، وقد بلغ مني الجوع مبلغة، فأستلقيت علي ظهري وسلمت أمري إلى الله عز وجل وإذا بي فجأة أشعر بلبن بارد يتدفق علي لساني من إناء عالي لا أراه في الظلام، وكان هذا الإناء يأتيني ثلاثة مرات كل يوم ولكنه انقطع منذ يومين فجأة ولم أدري سبب انقطاعه.
فأخبره الرجل عن سبب انقطاعه وهو أن أبناؤه جاءوه ليأخذوا منه البقرة التي أعطاها الرجل إلى الجار من قبل، وكما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وهكذا نجي الرجل من الموت جزاء صدقته وإحسانه.
ومن الأشياء المؤلمة التي تُذكرنا بها البقرة في حديثنا عنها ملايين الهندوس الذين يعبدون البقر من دون الله انظروا إلى العقول الضالة يعبدون بقرة ما هذه العقول؟! ذهب أحد الإخوة إلى الهند، يقول: دخلنا في معبد من معابدهم وقت عبادتهم – ينظر ما هم عليه- يقول: وجدت مجموعة من كبارهم، دكاترة، وبروفسورات، وعظماء، عندهم عقول، وهم يحنون رقابهم مستسلمين خاضعين عند البقرة، يعتقد الهندوس في الهند أن الأبقار حيوانات مقدسة يعبدونها ولا يذبحونها ولا يأكلون لحومها، وإذا مرت في الأسواق يتوقف كل شيء، أين عقولهم!!؟؟ الحمد لله الذي هدانا للإسلام.
أيها الناس:
البقرة في الرؤيا بُشرى خير، وخاصة اذا كانت سمينة فهي سنة خير كما أولها يوسف عليه السلام حين عبر رؤيا الملك: كما في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ [يوسف: 43].
والبقر اذا نطحت فهي فتن، والبقرة امرأة، والبقر اذا نحرت فقوم يقتلون كما ورد في صحيح البخاري أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قام على المنبر قبل غزوة أُحد بليلة يُلقي بيانًا عسكريًا حارًا، يقول: «رأيت البارحة في المنام أن سيفي ثلم ثلمة – قيل انكسر ذبابه، وهو رأس السيف ذو الفقار- قال: ورأيت بقرًا تنحر, ورأيت أني أدخلت يدي في درعٍ حصينة.
قال الناس: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: «أما ثلم سيفي فرجل من أهل بيتي يقتل – وكان حمزة – وأما البقر التي تنحر فالمؤمنون الشهداء. ثم دمعت عيناه وقال: والله خير – فقُتل سبعون من المسلمين- وأما يدي في الدرع الحصينة فآوي إلى المدينة منتصرًا».
ورد في صحيح البخاري أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قام على المنبر قبل غزوة أُحد بليلة يُلقي بيانًا عسكريًا حارًا، يقول: «رأيت البارحة في المنام أن سيفي ثلم ثلمة – قيل انكسر ذبابه، وهو رأس السيف ذو الفقار- قال: ورأيت بقرًا تنحر ورأيت أني أدخلت يدي في درعٍ حصينة.
قال الناس: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: «أما ثلم سيفي فرجل من أهل بيتي يقتل – وكان حمزة – وأما البقر التي تنحر فالمؤمنون الشهداء. ثم دمعت عيناه وقال: والله خير – فقُتل سبعون من المسلمين- وأما يدي في الدرع الحصينة فآوي إلى المدينة منتصرًا».
هذا وصلوا – عباد الله: – على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين.