الجامعة الفاذة { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }


الجامعة الفاذة:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8]

 

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- سئل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الحمر؟! فقال: ((ما أنزل عليَّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8]))؛ [أخرجه البخاري رقم: (2705)، ومسلم رقم: (987)].

والمعنى كما في كتب اللغة: يقال: الجامعة: الكاملة، والفاذة: بتشديد الذال، والفَذُّ: الواحِد، وقَدْ فَذَّ الرجُل عن أصحابه إذا شَذَّ عنهم وبَقِي فَرْدًا، فالفاذ هو الشاذ، ويقال: فاذة وفذة، وفاذ وفذ. ومنه قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذِّ..))؛ [متفق عليه]، قال ابن الأعرابي: يقال: ما يدع في الحرب فلان شاذًّا ولا فاذًّا؛ أي: إنه شجاع لا يلقاه أحد إلا قتله.

فقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((هذه الآية: الجامعة الفاذة))؛ أي: المُنْفَرِدَة في مَعْناها. كما قال أبو موسى الأصبهاني المديني (581هـ) في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (2/ 601) وتبعه جمع؛ كابن الأثير في النهاية (3/ 810)، وابن منظور في لسان العرب (3/ 502)، وجمال الدين الكجراتي في مجمع بحار الأنوار (4/ 110)، والزَّبيدي في تاج العروس (9/ 452) وغيرهم.

وهذه جملة من كلمات أهل العلم -رحمهم الله- للبيان والإيضاح فيها من قبل ومن بعد:

قال البغوي (ت: 317هـ) -رحمه الله- في شرح السنة (6/ 26): “سماها جامعة: لاشتمال اسم الخير على جميع أنواع الطاعات: فرائضها ونوافلها، وسمَّاها فاذَّة؛ لخلوها عن بيان ما تحتها، وتفصيل أنواعها”.

وقال الخطابي (ت: 388 هـ) -رحمه الله- في أعلام الحديث شرح صحيح البخاري (2/ 1185): “وإنما سمَّاها جامعة؛ لاشتمال اسم الخير على جميع أنواع الطاعات: فرائضها ونوافلها، وجعلها فاذَّة؛ لخلوها من بيان ما تحتها من الأسماء، وتفصيل أنواعها”.

وقال ابن عبد البر (ت: 463 هـ) -رحمه الله- في الاستذكار (5/ 12): “وأما قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((الآية الجامعة الفاذَّة)) ومعنى ذلك: أنها منفردة في عموم الخير والشر، لا آية أعم منها”، وزاد في التمهيد (4/ 219): “ولا أعلم آية أعم منها؛ لأنها تعم كل خير وكل شر”.

وقال ابن القيم (ت: 751هـ) -رحمه الله- في بدائع الفوائد (4/ 129): “فسمَّى الآية جامعة؛ أي: عامة شاملة باعتبار اسم الشرط، فدلَّ على أن أدوات الشرط للعموم، وهذا في مخاطبته ومحاورته أكثر من أن يذكر، وإنما يجهله من كلامه من لم يحط به علمًا”، وقال في الصواعق (2/ 690): “وقد سمى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- هذه الآية جامعة فاذَّة؛ أي: عامة فذة في بابها”.

وقال ابن الملقن (ت: 804 هـ) -رحمه الله- في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (17/ 523): “وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((الجامعة الفاذة)) يعني: جمعت أعمال البر كلها: دقيقها وجليلها، وكذلك جمعت أعمال المعاصي.. ومعنى ذلك: أنها منفردة في عموم الخير والشر، لا آية أعم منها”.

وقال ابن حجر (ت: 852هـ) -رحمه الله- في فتح الباري (6/ 65): “جامعة لشمولها لجميع الأنواع من طاعة ومعصية، وسمَّاها فاذة؛ لانفرادها في معناها”.

ولذلك جاء عن صعصعة بن معاوية -عم الفرزدق-: إنه أتى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقرأ عليه: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ؛ قال: حسبي لا أبالي ألَّا أسمع غيرها”؛ أخرجه أحمد (5/ 59) وفي رواية: “لا أسمع غير هذا”، وعند النسائي في التفسير (2/ 276): “ما أبالي ألَّا أسمع غيرها حسبي حسبي”، وجميعها صححها شيخنا مقبل الوادعي -رحمه الله- في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (6/ 260).

إذًا: فهاتان الآيتان عظيمتان، ومن أعظم الآيات نفعًا، وجليلتان ومن أجلها قدرًا، وجامعتان غاية ما يكون من الترغيب في فعل الخير ولو قليلًا، والترهيب من فعل الشر ولو حقيرًا؛ ولذلك قال العلامة جلال الدين السيوطي في الإكليل (ص: 296): إن فيها “الترغيب في قليل الخير وكثيره، والتحذير من قليل الشر وكثيره”.

والخير: هو اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله -عز وجل- من الأعمال الصالحة صغيرها وكبيرها، كما أن الشر: اسم جامع لكل ما يسخط الله -عز وجل- من الأعمال السيئة صغيرها وكبيرها.

لطيفة:

قال الأصمعي -رحمه الله- كما في كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم (ص: 154) لابن خالويه: قرأ أعرابي: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ؛ فقدَّم وأخَّر، فقلت له: قدمْتَ وأخَّرْتَ فقال:

خُذَا جَنْبَ هَرْشَى أَوْ قَفَاهَا فَإِنَّهُ
كِلَا جَانِبَيْ هَرْشَى لَهُنَّ طَرِيْقُ

قال الزمخشري -رحمه الله- في كشَّافه -عقب أن ساق نحو هذا-: وهرشى كسَكْرى، ثنية في طريق (مكة) عند الجحفة؛ أي: اسلكا أمام تلك الثنية من خلفها، فإنه – أي الحال والشأن – كلٌّ من جانبيها طريق للإبل التي تطلبانها، وتكرير لفظ هرشى لتقريرها في ذهن السامع؛ خوف غفلته عنها، والمقام كان مقام هداية فحسن فيه ذلك.

أقول -بكر-: وهذا وإن كان قد يسلم به من حيث المعنى تقديمًا وتأخيرًا نوعًا ما، إلا أنه لا يسلم له به قراءة، وعلى كل أعود فأقول: كما أنها -إلى ما سبق- تفيد الوعد العظيم للمطيعين، والوعيد الشديد للعاصين، فإنه تدل -أيضًا-: أنه لما تفاوتت مراتب الخلق في أعمال المعاصي والطاعات، وجب أن تتفاوت مراتبهم في درجات العقاب والثواب.

وهي إلى ذلك كله دالة على أن عمل الإنسان لازم له، وأنه مؤاخذ بهذا العمل، وأن كان مثقال ذرة من خير أو شر سيأتي به الله -عز وجل- وهذا مَثَل ضربه الله -عز وجل- مبينًا أنه لا يُغفل عمل ابن آدم صغيره ولا كبيره؛ فينبغي والأمر كذلك: ألا يحقر أحدنا شيئًا من الشر أن يتقيه، ولا شيئًا من الخير -يستطيعه- أن يفعله.

وكل من يعمل في الدنيا وزن ذرة من خير؛ سيرى ثوابها في الآخرة، وكل من يعمل في الدنيا وزن ذرة من شر؛ سيرى جزاءها في الآخرة، وهذا شامل عام للخير والشر كله؛ ومتى علمنا هذا أدركنا أنه إذا كان هذا في مثقال الذرة التي هي أحقر الأشياء يُجازى عليها، فكيف بما فوق ذلك؟! فإنه من باب أولى وأحْرَى؛ ذلك أن التصريح بالمؤاخذة بمثال الذرة والإثابة عليه وإن كان منطوقًا به، فهو يدل على المؤاخذة والإثابة بمثقال الجبل وإن كان مسكوتًا عنه، لكن المراد التنبيه على دقة الحساب يوم القيامة، وأن الكتاب لا يترك شاردة ولا واردة، ولا تندُّ عنه كبيرة ولا صغيرة.

إذًا فوالله وبالله وتالله -والأمر كذلك- لترك الشهوت واللذات وإن عسر تركها على النفس وشق في هذه الدار، لهو أيسر من معاناة تلك الشدائد واحتمال تلك الفضائح في مثل ذلك اليوم العظيم؛ ولكن العبد من ظلمه وجهله وقلة إدراكه وفهمه، لا ينظر إلا تحت قدميه، ولا يكلف نفسه أن يلحظ عواقب الأمور ويمعن النظر في مآلاتها؛ فيقدم ما ينفعه عاجلًا وآجلًا، ويحجم عما يضره عاجلًا وآجلًا، ويتأمل كيف جمع الله -عز وجل- لنا بين الترغيب الموجب للرجاء والعمل الصالح، والترهيب الموجب للخوف وترك الذنوب، وإذا كان الأمر كذلك فالعاقل هو الذي يفعل ما أمره الله -تعالى- بفعله، ويجتنب ما أمره الله -تعالى- باجتنابه.

وقد روي عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: “أنزلت: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة: 1] وأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قاعد فبكى أبو بكر؛ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ما يبكيك يا أبا بكر؟)) فقال: أبكاني هذه السورة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((لو أنكم لا تخطئون ولا تذنبون فيغفر الله لكم، لخلق الله أمة من بعدكم يخطئون ويذنبون فيغفر لهم))؛ [أخرجه الطبراني وغيره، وله شواهد حسَّنه بها بعض أهل العلم].

وفي الطبقات لابن سعد عن ظبية بنت المعلل قالت: دخلت على عائشة -رضي الله عنها- فجاء سائل فأعطته حبة من عنب، ثم نظرت إلينا، فقالت: إني أراكن تعجبن من هذا! إن في هذا مثاقيل ذر كثيرة.

وروي أن سائلًا أتى عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه وبين يديه طبق من عنب فناوله حبة، فكف السائل يده. فقيل له: وأين تقع هذه منه؟ قال: تقبل الله مثقال ذرة وخردلة، وكان فيها مثاقيل ذرة.

فإذا ما تقرر ذلك، علمت أن هذه الآية حقيقة أساسية من حقائق التصوُّر الإسلامي الثابتة، وقاعدة من قواعد الشريعة المطردة الراسخة، وأساس هامٌّ في مبدأ الثواب والعقاب على الأعمال التي يعملها الإنسان، فمن عمل خيرًا جُوزِي به ثوابًا، ومن عمل شرًّا عرَّض نفسه للعقاب، وهذا المبدأ الرباني الثابت بشأن الثواب والعقاب، مظهرٌ من مظاهر عدل الله المطلق، الذي لا يظلم أحدًا، والذي يرتب النتيجة على المقدمة، ويجعل الجزاء من جنس العمل، وقد جاء في الحديث الصحيح: ((واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به))، و((كما تَدين تُدان))، وهذا المبدأ عام لا يكاد يفارقه شيء.

يقول ابن حزم -رحمه الله- في المحلى (5/ 322): “قَالَ -تَعَالَى-: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُوَهَذَا عُمُومٌ لا يجوز تخصِيصُه”.

وقال ابن العربي المالكي -رحمه الله- في أحكام القرآن (4/ 440): “اتفق العلماء على عموم هذه الآية؛ القائلون بالعموم ومن لم يقل به”. وبمثله قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره (20/ 152).

وأمر آخر: أن هذا المبدأ من مظاهر علم الله -عز وجل- الشامل لكل ما يعمله الإنسان، حيث لا يغيب عن الله -عز وجل- شيء، وما يعمله الإنسان مثبَّتٌ ومسجَّلٌ ومحفوظٌ في سجل أعماله ودوواين أفعاله، ويوم القيامة يُحضَر هذا السجل للحساب، وينشر ذلكم الديوان للجزاء، ويوضع في الميزان الحساس الدقيق الذي لا يلغي مثقال ذرة ولا يضيعها. وما قررته هذه الآية من هذا المبدأ هو الذي جاء به الكتاب الكريم:

قال الله -عز وجل-: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت: 46]، وقال -عز وجل-: ﴿ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [الروم: 44]، وقال -عز وجل-: ﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق: 6]، وقال -عز وجل-: ﴿ يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان: 16]، وقال -عز وجل-: ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء: 13، 14] وقال -عز وجل-: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 30]، وقال -عز وجل-: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران: 30]، وقال -عز وجل-: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]، وقال -عز وجل-: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [النبأ: 29] وقال -عز وجل-: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47]، وقال -عز وجل-: ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ [الأعراف: 8، 9]، وقال -عز وجل-: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء: 13، 14]، وقال -عز وجل-: ﴿ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: 6]، وقال -عز وجل-: ﴿ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [النبأ: 40]، وقال -عز وجل-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 40 – 42] إلى غير ذلك من الآيات الكريمات التي تقرر هذه القواعد العظيمات.

ومن هنا يظهر عظم هاتين الآيتين الكريمتين وما حملتا في طياتهما وبين جنباتهما من المعاني الفوائد والغرر الفرائد -وقد كنت جمعت شيئًا منها جاوزت المئة في وريقات مستقلة سهَّل الله نشرها.

ولذلك عَدَّها جمع من أهل العلم أخوف آية في القرآن؛ ألا ترى أن هاتين الآيتين قد جمعتا أعظم وأقوم ألوان الترغيب والترهيب، ولذا قال كعب الأحبار -رضي الله عنه- كما في الحلية لأبي نعيم: “في القرآن فيما أنزل على محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- آيتان أحصتا ما في التوراة والإنجيل، ألا تجدون: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ؟! قال جلساؤه: نعم. قال: فإنهما أحصتا ما في التوراة والإنجيل”.

وعَدَّها بعضُهم أسمى وأحكم آية في القرآن؛ ألا ترى أنهما قد جمعتا ألوان الترغيب والترهيب؛ ولذا روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: أنها أحكم آية في القرآن، كما في تفسير البغوي (5/ 294) وغيره، وقال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره (20/ 152): “وصدق”.

وقد قال الشَّافِعِي -رحمه الله- في الرسالة في قول الله -عز وجل-: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ“فكان ما هو أكثر من مثقال ذرة من الخير أحمد، وما هو أكثر من مثقال ذرة من الشر أعظم في المأثم”.

وقديمًا قال أبو الأسود الدؤلي:

أميران كانا صاحبيَّ كلاهما
فكل جزاه الله عني بما فعل
فإن كان خيرًا كان خيرًا جزاؤه
وإن كان شرًّا كان شرًّا كما فعل

 

وختامًا:

 





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
جريدة الرياض | الزهراني يوقع كتابه بـ«كتاب الرياض»
حل كتاب الانجليزي أول ثانوي مسارات 1445.. رابط التحميل من هنا