الجمع بين الأختين سبب للعداوة ونزع المحبة
الجمع بين الأختين سبب للعداوة ونزع المحبة
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ… وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 23].
تأمل قول الله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ﴾، وهو يعدِّدُ أصناف المحرمات من النساء!
وتأمل لِمَ حرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الجمعَ بين الأختينِ؟ وانظر إلى رحمة الله تبارك وتعالى بعبادهِ وإلى إحسانِهِ إليهم!
لَمَّا جُبِلَ الإنسانُ على الشُّحِّ، وطُبِعَ على الاستئثارِ، والمرأةُ بطبيعتها لا تحب أن يشاركها في زوجها أحدٌ، فمن شاركها فيه نابذته العداء، ونال من البغض نصيبًا موفورًا بسبب غيرتها، حرَّمَ الله تعالى الجمع بين الأختين لهذه العلة، فتلك المحبة التي ترعرعت في قلبيهما، حتى أورقت وأثمرت وأينعت، وضربت بجذورها في أعماقهما، ستُقْتَلَعُ من جذورها عند اقتران الزوج بهما، وينقلب الحبُّ بغضًا، والولاءُ عداوةً يشبُّ أوارُها في قلبيهما كل حين، ولا تسمع لخلاف ذلك (فليس الخبر كالمعاينة)، ولهذا تعجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أم حبيبة حين سألته أن يتزوج أختها، فعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي أُخْتِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ؟ فَقَالَ: «أَفْعَلُ مَاذَا؟» قُلْتُ: تَنْكِحُهَا، قَالَ: «أَوَ تُحِبِّينَ ذَلِكِ؟» قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي الْخَيْرِ أُخْتِي، قَالَ: «فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي»[1].
وسُؤالُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ تُحِبِّينَ ذَلِكِ؟»، تعجبًا من حال أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ لأنه خلاف الأصل.
فمنع الله تعالى الجمع بين الزوجين لبقاء الودِّ بينهما، ومفسدة التباغض بين الأختين أعظم من مصلحة الزواج بهذه الأخت على وجه الخصوص.
وأمَّا إباحة الشرع لتعدد الزوجات على ما يكون بينهم من التحاسد والتباغض، فلأنَّ المصلحة في تشريعه أعظم بكثير من تلك المفسدة، والشريعة إنما أتت بجلب المصالح وتكميلها، ودرأ المفاسد وتقليلها.
[1] رواه مسلم- كِتَابُ الرَّضَاعِ، بَابُ تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ، وَأُخْتِ الْمَرْأَةِ، حديث رقم: 1449.