المستشرقون وعلوم المسلمين.. (التأثر العكسي)


المستشرقون وعلوم المسلمين

التأثر العكسي

الانطباع الساري عند بعض الحقوقيِّين المسلمين، وبعض المستشرقين المُنصفين أن القوانين القائمة عند بزوغ الإسلام وانتشاره قد أفادت مِن هذا الدين من نواحٍ عدَّة، وهناك نصوص غربية تؤكِّد هذه الاستفادة، إما من باب الاعتراف بالفضل لأهله، أو مِن باب التحسُّر على ما آلت إليه الثقافات الغربية مِن التِماس التأثير من الثقافة الإسلامية.

 

وهذا ما يؤكِّده المستشرق الإيطالي كارلو ألفونسو نللينو مِن أن ما يُسميه الأوربيون بالقانون الروماني إنما هو مأخوذ من الفقه الإسلامي، ويُنقل هذا عن كتاب لحقوقي إيراني بهائي باسم أبي الفضل الجرفقداني صادر سنة 1911م، وترجمته العربية مضمَّنة في كتاب: مقدمة القوانين لعبدالجليل سعد[1].

 

ويؤيد كارلو نللينو في هذا المذهب المستشرقُ فيتزجيرالد في مقالة له بعنوان: الدَّين المزعوم للقانون الروماني على القانون الإسلامي[2]، ويذكر فيتزجيرالد عن إجناس جولدزيهر أنه بزعمه هذا، مع ادعاءات أخرى، كان مدفوعًا بغرض سياسي خاص هو إظهار أن التشريع الإسلامي كان قابلًا للمؤثرات الغربية.

 

وهذا المُستشرق المؤرِّخ الهولندي الفرنسي الأصل ريخرت. ب. أ. دوزي (1820 – 1883م) ينقل في كتابه: الإسلام الأندلسي رسالةً لكاتب إسباني يَنعي فيها اللغة اللاتينية والإغريقية، وأن أرباب الفطنة والتذوق قد سحرهم الأدب العربي واللغة العربية ودرسوا التصانيف التي كتبها الفلاسفة (علماء الكلام) والفقهاء المسلمون، لا لإدحاضها والرد عليها، بل لاقتباس الأسلوب العربي الصحيح[3].

 

ومثله المستشرق الإيطالي إي. كاروزي في كتابه: صلات القانون الروماني بالقانون الإسلامي الذي بنى نظريةً على أن الفقه الإسلامي ليس إلا القانون الروماني دون تغيير[4]، وأن الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم كان على علم واسع بهذا القانون[5]، بل إن هناك من ذهب إلى القول بأن المسلمين لم يُضيفوا للقانون الروماني إلا الأخطاء[6]، ويعلِّق ساسي سالم الحاج على هذه الأقوال وغيرها بقوله: إنها عبارات ذات دلالة “على التعسُّف والهوى وعدم الإنصاف والحيدة عن الموضوعية العلمية”[7].

 

أما استفادة القوانين الغربية من الفقه الإسلامي بدءًا بالقرن الخامس الهجري الثاني عشر الميلادي فهذه قضية مدروسة وثابتة في القوانين الفرنسية التي اتَّكأت على الفقه المالكي من خلال موطأ الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى، وكذا القانون الإنجليزي، وهي بعيدة في نقاشها عن موضوع هذه الوقفة التي تدور حول بزوغ الفقه الإسلامي مع ظهور الإسلام[8].


[1] انظر: كارلو الفونسو نللينو. نظرات في علاقات الفقه الإسلامي بالقانون الروماني، ص 46، في: المنتقى من دراسات المستشرقين: دراسات مختلفة في الثقافة العربية؛ مرجع سابق، 248 ص.

[2] انظر: فيتزجيرالد. الدَّين المزعوم للقانون الروماني على الشريعة الإسلامية، في: الشريعة الإسلامية والقانون الروماني / ترجمة محمد سليم العوا، بيروت: دار البحوث العلمية، 1973م.

[3] انظر: زكريا هاشم زكريا. المستشرقون والإسلام؛ مرجع سابق، ص 17.

[4] انظر: إسحاق بن عبدالله السعدي. تميُّز الأمَّة الإسلامية مع دراسة نقدية لموقف المستشرقين منه؛ مرجع سابق – 1: 436.

[5] انظر: الدسوقي السيد الدسوقي عيد. استقلال الفقه الإسلامي عن القانون الروماني والردّ على شُبه المستشرقين، القاهرة: مكتبة التوعية الإسلامية، 1410هـ / 1989م، ص 17.

[6] انظر: صوفي أبو طالب. بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني، ص 4 – 5، نقلًا عن: ساسي سالم الحاج. نقد الخطاب الاستشراقي؛ مرجع سابق، 2: 450.

[7] انظر: ساسي سالم الحاج. نقد الخطاب الاستشراقي، المرجع السابق، 2: 450.

[8] انظر: برهام محمد عطا الله. تأثير الفقه الإسلامي على تكوين القانون الإنجليزي، التسامُح، 24 (خريف 1429هـ / 2008م)، ص 58 – 70.



Source link

أترك تعليقا

مشاركة
تحويل رواية “آلموت” لعرض سيمفونى بافتتاح معرض فرانكفورت للكتاب 2023
يقول صلاتي (بطاقة أدبية)