الهاتف الجوال بين النعمة والنقمة (خطبة)


الهاتف الجوال بين النعمة والنقمة

 

خطبة الحاجة:

المقدمة:

أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، وفي العلن والخفاء.

 

واعلموا – رحمكم الله- أن الله تعالى أنعم على خلقه بنِعَم كثيرة لا تُعَدُّ ولا تحصى ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18].

 

وإن الواجب علينا نحن العبيد أن نشكر الله تعالى على نعمه، ونسأله تبارك وتعالى المزيد من فضله، وأن نحسن استخدام هذه النعم في مرضاته تبارك وتعالى، وأن تكون هذه النعم بابًا لنا لنكثر من شكر المنعم جل جلاله، ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

 

أيها الناس، هذه الأجهزة التي تُسمَّى بالذكية سلاحٌ ذو حَدَّيْن؛ إن أحْسَنَّا استعمالها عادت علينا بالخير، وحقَّقْنا بها العوائد المباركة في ديننا وقيمنا وأخلاقنا وتربيتنا.

 

وإن كانت الأخرى – عياذًا بالله- فلا تسأل عن أنواع المفاسد، والضياع في الدين والخُلُق، والأضرار الجسمية والنفسية والاجتماعية.

 

أيها الناس، فوق كوكب الأرض وفي سمائنا الفسيحة آلات وتقنيات وموجات وذبذبات استطاع ابن آدم إيجادها بعد إعانة خالقه سبحانه وتعالى ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5].

 

أيها الأفاضل، هذه التقنيات والمخترعات والوسائل تطورت تطورًا عجيبًا، ومُحيِّرًا للألباب، وهذه كله يخبرك أيها الإنسان عن عظمة الخالق جل جلاله، ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].

 

أيها الأفاضل، إن هذه التقنيات والمخترعات والوسائل شاهدة على فضل الله تعالى على بني آدم، وتسخيره هذا الكون بما فيه لهذا الإنسان ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13].

 

أيها الناس، لقد أصبحت تلك التقنيات جزءًا من عالمنا، وحاجة من حاجات حياتنا، أجهزة ذكية، ووسائل تواصل واتصال، فيها منافع للناس، وفيها مفاسد ومصائب، وآثام وآفات.

 

فهذه الأجهزة الذكية سلاحٌ ذو حدَّيْن، إن أحسَنَّا استعمالها عادت علينا بالخير وحققنا بها العوائد المباركة في ديننا وقيمنا وأخلاقنا وتربيتنا، وإن كانت الأخرى فلا تسأل عن أنواع المفاسد والضياع في الدين والخلق والأضرار الجسمية والنفسية والاجتماعية.

 

أيها الناس، نحن مع هذه الأجهزة أصناف مختلفة؛ فمن الناس من ملكت وقته، حتى أسرت عقله، وأشغلت فكره، وربما ألهته عن بعض مصالحه، بل ربما أفسدت عليه دينه، وكم يا عباد الله من الناس من أسهرتهم وأسرتهم تلك الجوالات، فكثير من الناس وخاصة الشباب الذين يمكثون الساعات الطوال في ليلهم لأجل تلك المشاهدات، والحلقات، والمسلسلات، ثم حَدِّث ولا حرج عن نوم عميق، وإرهاق شديد، ونتائج ذلك ضياع للفرائض والواجبات، وتأخير للصلوات “لمن كان يصلي” وضياع للجُمَع والجماعات، وكم كانت تلك الهواتف تقطع مجالسة الآباء والأمهات، ومحادثة الأخوة والأخوات والأقارب والأرحام، وهكذا ربما أشغلتنا تلك الجوالات عن كثير من الطاعات والأعمال الصالحات من صلاة النوافل وقراءة للقرآن الكريم، وربما حرمت بعضنا الجلوس والاستماع في مجالس العلم، والدروس، والله المستعان.

 

وكم حصل من حوادث السيارات بسبب استخدام تلك الجوالات خلال قيادة السيارات، فترى وتسمع عن فواجع للأسر والناس من الحوادث الشنيعة والمحزنة، وإلى الله المشتكى.

 

وهكذا يا عباد الله، مفاسد عظيمة من وراء هذه الأجهزة، خاصة لمن لم يتقِ الله في نفسه وبصره وفَرْجه وسائر جوارحه، صور ومقاطع وأغانٍ وموسيقى، وغير ذلك ممَّا يغضب الله، وخاصة مع ضعف الإيمان، وقلة الوازع الديني، وضعف رقابة الآباء والأمهات، وقلة التوعية الدينية، بل ربما ندرت تلك التوعية الدينية، بسبب تسَلُّط أعداء الدين، وضعف رقابة من تولَّى أمور المسلمين، والانفتاح والانفلات الذي يحصل في المجتمعات، وترويج الشر والفساد، وتشجيع لأصحاب النفوس المريضة “مرض الشبهات ومرض الشهوات” قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [النور: 19]، فإذا كان هذا الوعيد الشديد في حق من يحب إشاعة الفاحشة، فكيف بمن يتولَّى بنفسه إشاعتها بهذه الأجهزة.

 

فيا من تلَطَّخ بهذا الإثم المبين، بادر قبل أن تغادر، بادر بالتوبة النصوح.

 

أيها الناس، إننا بحاجة إلى غيرة صادقة تحفظ حدود الله أن تنتهك.

 

أيها الناس، هذه الأجهزة الذكية سلاح ذو حَدَّيْن إن أحسَنَّا استعمالها عادت علينا بالخير وحققنا بها العوائد المباركة في ديننا وقيمنا وأخلاقنا وتربيتنا، وإن كانت الأخرى فلا تسأل عن أنواع المفاسد والضياع في الدين والخلق والأضرار الجسمية والنفسية والاجتماعية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

 

قلت ما سمعتم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين، أما بعد:

أيها الناس، اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.

 

أيها الأفاضل، فوق هذا الكوكب، وفي سمائنا الفسيحة آلات وتقنيات، وموجات وذبذبات استطاع ابن آدم إيجادها بعد إعانة خالقه سبحانه وتعالى ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].

 

أيها الناس، إن هذه التقنيات شاهدة على فضل الله على بني آدم وتسخيره هذا الكون بما فيه لهذا الإنسان ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13].

 

بالنسبة إلى فوائد هذه التقنيات وهذه الأجهزة، كثيرة ولا داعي لذكرها؛ لأنها من المنافع، ولكن الذي يهمنا أن ننبه على مفاسدها وأضرارها، وبعض ما جلبته للناس من مصائب بسبب سوء استخدام بعض الناس لها ولم يخافوا الله في ذلك.

 

أيها الناس، هذه الأجهزة فيها منافع للناس، وفيها مفاسد ومصائب وآثام وآفات، فالحذرَ الحذرَ من مفاسدها وأضرارها.

 

فمن مفاسدها وأضرارها على بعض الناس حيث أصبحت هذه الأجهزة مصيدة للنظر للمفاتن والعورات، وسماع الخنا والغنى وما لا يليق، حيث جرَّتْ بعض الناس إلى سعار الشهوات، فكم أفسدت تلك الأجهزة من قلوب، وأمرضت من نفوس، وأقلقت من أعصاب! وكم فشت بسبب تلك الأجهزة من مصائب ونكبات! وربما تدمرت أُسَرٌ وبيوتٌ بسبب هذه الأجهزة واستخدامها السيئ، وعدم خوف الله الذي يحجز هذا الإنسان عن المعصية والرذيلة، ومن الناس من سلم فكره وقلبه لتلك الأجهزة فمال حيث مالت، وتغيَّرت نظرته وأفكاره حيث وجهته تلك المواقع والمقاطع.

 

وهنا الخطورة، وهنا مزلق خطير، وربما دخل هذا الإنسان في دهاليز مظلمة من الخرافات والبِدَع والضلالات والأهواء، وهنا الخطورة، حين يفتتن الإنسان عن دينه، ويشكك في قيمه ومبادئه، بسبب النظر والسماع للضلالات والبدع والخرافات فتكن الطامة الكبرى من زعزعة العقائد، ونشر وتلقُّف للشُّبَه، وزيغ عن الحق، وهرولة نحو الضلال والإضلال والعياذ بالله من ذلك.

 

ومن الناس من عافاه الله وستر عليه، ولكنه غلب عليه حب الشهوات ونقلها وتناقلها ونشرها وإشاعتها فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فيصبح من المجاهرين بالمنكر، وقد جاء في الحديث “كل أمتي معافى إلا المجاهرين”.

 

أيها الناس، ومن الورطات الكبيرة في هذه الجوَّالات تركها في أيدي الصغار بدون رقابة ولا متابعة ولا عناية، وربما تدمرت أخلاق الصغار، وتعلموا ما لا يحمد عقباه، فاتقوا الله فيما حملكم الله من أمانة، ومن مسؤولية “كُلُّكم راعٍ وكُلُّكم مسؤولٌ عن رعيته”.

 

إن الواجب على الآباء والأمهات أن يربوا الأبناء والبنات على العقيدة الصحيحة، وعلى السنة النبوية، وعلى الأخلاق الحميدة، وعلى سيرة الصحابة الأخيار الأبرار الأطهار، رضي الله عنهم، وعلى أخلاق وآداب العلماء والفقهاء والمحدِّثين، والصلحاء من خيار هذه الأمة، من التابعين وتابعي التابعين، أهل القرون المفضلة… من ساروا على الهدى والحق والدين، ومنهجهم كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا صمام أمان للأجيال من الانحرافات العقدية والفكرية والأخلاقية والسلوكية.

 

أيها الناس، أضرار الهواتف النقالة والذكية أكثر من أن تحصى، ويكفي في ذلك ما ذكر.

 

ونتقي الله تعالى نحن جميعًا في أنفسنا وأُسَرِنا وأبنائنا ومن نعول، ونخوف أنفسنا بلقاء الله، وأن كل قول وعمل وفعل مُسطَّر ومكتوب ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].

 

الله الله في حماية الأجيال من المفاسد العقدية، والأخلاق الشائنة، وحمايتهم من الرذائل، وأن نحصن هذه الأجيال بالكتاب والسُّنَّة، والأخلاق الحميدة، وما كان عليه أهل القرون المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، فهذه الأجيال إما في ميزان حسناتك، أو وبال عليك ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾ [الصافات: 24].

 

ألا وصلوا.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
الإسلام يجمع بين الثبات والمرونة
العلامة حسن الجبرتي والنهضة الحضارية (4)