تعليقة على حكم وضع الثوب على الكعبين


تعليقة على حكم وضع الثوب على الكعبين

 

يكثُر في أيام رمضان تفصيلُ الثياب للعيد، ويُلحَظ من بعض الأخيار وَضْعُ الثوب على الكعب، ظنًّا منهم أن الْمُحَرَّم هو الإسبال فقط، وقد ثبت في حديث حذيفة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة، فإن أَبَيْتَ فأسفل، فإن أبيتَ فمن وراء الساق، ولا حقَّ للكعبين في الإزار))؛ [أخرجه النسائي (2/ 299)، رقم (5329) من طريق الأعمش، والسياق له، والترمذي (1/ 329)، وابن ماجه (3572)، من طريق أبي الأحوص، وابن حبان (1447)، وأحمد (5/ 382 و400، 401)، عن سفيان عن أبي إسحاق عن مسلم بن نذير عن حذيفة به، وتابعهما زيد بن أبي أنيسة عند ابن حبان (1448)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، رواه الثوري وشعبة عن أبي إسحاق، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم (4922).

 

قال الإمام ابن تيمية في شرح عمدة الفقه (2/ 372):وأما الكعبان أنفسهما، فقد قال بعض أصحابنا: يجوز إرخاؤه إلى أسفل الكعب، وإنما المنهيُّ عنه ما نزل عن الكعب، وقد قال أحمد: ما أسفل من الكعبين في النار، وقال ابن حرب: سألت أبا عبدالله عن القميص الطويل، فقال: إذا لم يصب الأرض؛ لأن أكثر الأحاديث فيها: ((ما كان أسفل من الكعبين في النار))، وعن عكرمة قال: ((رأيت ابن عباس يأتزر، فيضع حاشية إزاره من مقدمه على ظهر قدمه، ويرفع من مؤخره، فقلت: لِمَ تَأْتَزِرُ هذه الأزرة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزرها))؛ [رواه أبو داود]، وقد رُوِيَ عن أبي عبدالله أنه قال: لم أُحدِّث عن فلان؛ لأن سراويله كان على شراك نعله، وهذا يقتضي كراهة ستر الكعبين أيضًا؛ لقوله في حديث حذيفة: ((لا حق للإزار بالكعبين))، ولا يظهر أن مقصوده الكراهة التنزيهية، والله أعلم؛ لأن المذهب التحريم، وقد يُعبَّر عن الْمُحَرَّم بالمكروه”.

 

وفي كتاب جمع الوسائل في شرح الشمائل، علي بن سلطان القاري (1/ 174): “((فإن أبيت فلا حق))؛ أي: فاعلم أنه لا حق ((للإزار في الكعبين))؛ أي: في وصوله إليهما، والمعنى إذا جاوز الإزار الكعبين فقد خالفت السنة، وقال الحنفي: يجب ألَّا يصل الإزار إلى الكعبين؛ انتهى، وهو غير صحيح؛ لأن حديث أبي هريرة المخرج في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار))، يدل على أن الإسبال إلى الكعبين جائز، لكن ما أسفل منه ممنوع؛ ولذا قال النووي: القدر المستحب فيما ينزل إليه طرف الإزار هو نصف الساق، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين، وما نزل من الكعبين، فإن كان للخُيَلاء فممنوعٌ مَنْعَ تحريم، وإلا فمنعُ تنزيه، فيُحمَل حديث حذيفة هذا على المبالغة في المنع من الإسبال إلى الكعبين؛ لئلا ينجر إلى ما تحت الكعبين على وزان قوله صلى الله عليه وسلم: ((كالراعي يرعى حول الحِمَى يُوشِك أن يقع فيه))، ويُفهَم منه بطريق الأولَى أن الاسترخاء إلى ما وراء الكعبين أشد كراهة”.

 

وقال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي (5/392): “والحديث يدل على أن موضع الإزار إلى أنصاف الساقين، ويجوز إلى الكعبين، ولا حق للإزار في الكعبين”.

وقال السندي رحمه الله في حاشيته على سنن النسائي الصغرى (8/207): “ولا حق للكعبين أي لا تستر الكعبين بالإزار، والظاهر أن هذا هو التحديد وإن لم يكن هناك خيلاء، نعم، إذا انضم إلى الخيلاء اشتد الأمر”.

 

وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في رسالة حد الثوب والأزرة (ص 19): “واعلموا أنه لا حق للكعبين في فضول وأطراف اللباس من إزار، وثوب، وعباءة، ونحوها”.

وقال الشيخ حمد الحمد في شرح زاد المستقنع (4/68): “فالكعبان فما دونه ليس لهما حق من الإزار، ومتى فعل ذلك كان واقعًا في التحريم، فإن صلى في ثوب قد أُسْبِل وقلنا بالتحريم مطلقًا، أو بالكراهية لكنه فعله خيلاء، فهل تصح صلاته؟

 

تقدم تقرُّر هذا في الصلاة في الثوب الْمُحَرَّم، وأن الراجح أن من صلى في ثوب محرم، فإن صلاته صحيحة مع الإثم.

 

ومما تقدم، يتبين الآتي:

1- يجب الحرص على أن تكون العباءة (البشت) فوق الكعبين.

 

2- يجب أن يكون الثوب فوق الكعبين.

 

3- كما أن البنطال يجب ألَّا يمس الكعبين، وإلا وقع في الإسبال المنهي عنه.

 

وليتذكر المسلم أن طاعة الله ورسوله سبيل الفلاح في الدنيا والآخرة، ولا مصلحة له في سنتيمترات من القماش قد تضره في الآخرة.

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Author Jeff Kinney talks 'No Brainer,' books to read this fall – TODAY
ندوة في المكتبة الوطنية حول كتاب «الحروب الأميركية المركبة» للإعلامي حسين مرتضى والكلمات أضاءت على مسيرة الكاتب في الإعلام الحربي وصنّفت الكتاب كمرجع بحثي – جريدة البناء