جبريل يقرئ خديجة السلام من ربها بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول يقرئ عائشة، السلام من جبريل
جبريل يُقرئ خديجة السلام من ربها بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم،
والرسول يُقرئ عائشة السلام من جبريل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن من فضائل أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، أن جبريل عليه السلام أُمِر بأن يبلغها السلام من الله تعالى، وحمَّل الرسول صلى الله عليه وسلم السلام لها، وإن من فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول صلى الله عليه وسلم بلَّغها سلام جبريل.
أولًا: جبريل يقرئ خديجة السلام من ربها بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم:
أرسل الله تعالى لأم المؤمنين خديجة السلامَ والبشارة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، أو طعام أو شراب، فإذا هي أتَتْكَ فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصبٍ، لا صخبَ فيه، ولا نصب))[1].
قيل: أراد بـ(القصب): اللؤلؤ المجوف الواسع كالقصر المنيف، و(الصخب): الصياح، و(النصب): التعب؛ أي: لا يكون لها ثمة شاغل يشغلها عن لذائذ الجنة، ولا تعب ينغصها[2].
ومن خصائص خديجة رضي الله عنها “أن الله تعالى بعث السلام إليها مع جبريل، فبلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، وكانت أول من آمن بالله ورسوله، وأولاده كلهم منها ما عدا إبراهيم، وهذه فضائل لم تكن لامرأة سواها”[3].
وزاد النسائي في روايته، من حديث أنس؛ قال: ((جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده خديجة قال: إن الله يقرئ خديجة السلام، فقالت: إن الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك السلام، ورحمة الله وبركاته))[4].
وقول خديجة: الله السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام، علِمت بفقهها أن الله سبحانه لا يُرَدُّ عليه السلام، كما يُرَدُّ على المخلوق؛ لأن السلام دعاء بالسلامة، فكان معنى قولها: الله السلام، فكيف أقول عليه السلام، والسلام منه يُسئل، ومنه يأتي؟… من الفقه أنه لا يليق بالله سبحانه إلا الثناء نمليه، فجعلت مكان رد التحية على الله ثناء عليه[5].
وقد بلَّغها جبريل عليه السلام من ربها بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم احترامًا للنبي، وكذلك وقع له لما سلم على عائشة لم يواجهها بالسلام، بل راسلها مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد واجه مريمَ بالخطاب؛ فقيل: لأنها نبية، وقيل: لأنها لم يكن معها زوج يُحترم معه مخاطبتها[6].
ثانيًا: الرسول صلى الله عليه وسلم يُقرِئ عائشة السلام من جبريل:
أرسل جبريل عليه السلام، السلامَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: ((يا عائش، هذا جبريل يُقرئك السلام، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى؛ تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم))[7].
قوله عليه السلام: ((يا عائش))، فهو من باب النداء المرخم، والترخيم: نقصان أواخر الأسماء، تفعل ذلك العرب على وجه التخفيف، ولا ترخم ما ليس منادى إلا في ضرورة الشعر، ولا ترخم من الأسماء إلا ما كان من ثلاثة أحرف؛ لأن الثلاثة أقل الأصول إلا ما كان في آخره هاء التأنيث، فإنه يرخم[8].
ومن خصائص عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: “أُعطيتُ تسعًا ما أعطيتها امرأة إلا مريم بنت عمران: لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكرًا وما تزوج بكرًا غيري، ولقد قُبض ورأسه لفي حجري، ولقد قبرته في بيتي، ولقد حفَّتِ الملائكة بيتي، وإن كان الوحي لَينزل عليه وهو في أهله فيتفرقون عنه، وإن كان لينزل عليه وأني لَمَعَهُ في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خُلقت طيبة وعند طيب، ولقد وُعدت مغفرة ورزقًا كريمًا”[9].
ثالثًا: بعض الدروس المستفادة[10]:
• فضل خديجة وعائشة رضي الله تعالى عنهما.
• صحة فهم خديجة وقوة إدراكها أن الله لا يُرَدُّ عليه السلام، كما يُرَدُّ على المخلوقين.
• ترخيمه صلى الله عليه وسلم لاسم عائشة (يا عائش) من باب المزاح والملاطفة للأهل.
• استحباب بعث السلام، ويجب على الرسول تبليغه لأنه أمانة.
• استحباب بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة؛ إذا لم يخَفْ مفسدة.
• رد السلام واجب على الفور، ولو بلغه سلام في ورقة من غائب، لزمه أن يرد عليه السلام باللفظ إذا قرأه.
• يُستحب في الرد أن يقول: وعليك، أو وعليكم السلام بالواو، فلو قال: عليكم السلام، أو عليكم، أجزأه على الصحيح، وكان تاركًا للأفضل.
• الجمع بين اللفظ والإشارة في السلام حسن، وسُنة.
• أكمل السلام أن يقول البادئ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
• لو زاد المبتدئ على: وبركاته، فالمشهور وجوب الرد مثل الابتداء، بلا زيادة؛ أخرج مالك في الموطأ عن ابن عباس قال: “انتهى السلام إلى البركة”.
• ينبغي رد السلام على من أرسل السلام، وعلى من بلَّغه.
ختامًا:
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه بمنِّه وإفضاله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] صحيح البخاري، رقم ح (3820)، صحيح مسلم، رقم ح (2432).
[2] تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة: القاضي البيضاوي (3/ 565).
[3] إمتاع الأسماع للمقريزى (10/272).
[4] السنن الكبرى للنسائي، رقم ح (8301).
[5] الروض الأنف، السهيلي (2/ 432).
[6] فتح الباري لابن حجر (7/ 139).
[7] صحيح البخاري، رقم ح (3768)، صحيح مسلم، رقم ح (2447).
[8] شرح صحيح البخاري: ابن بطال (9/ 350).
[9] مسند أبي يعلى: مسند عائشة. ج8 ص90 رقم 4626.
[10] من كتب شروح الأحاديث.