جوانب بناء الشخصية الإسلامية
جوانب بناء الشخصية الإسلامية
إن بناء الشخصية مثل بناء البيت، فالبيت يُبنى من جميع جوانبه حتى يكون بيتًا صالحًا للعيش به، كذلك لا بد من بناء جميع جوانب الشخصية لكي تكون شخصية متزنة، ولكن للأسف كثير من الناس يبني جانبًا، ويترك آخرَ، أو لا يكمل الجانب الذي قام ببنائه؛ فما نراه من خَلَلٍ في المجتمع ما هو إلا نتيجة التقصير في بناء شخصيات أفراد هذا المجتمع.
ومن هنا نسأل: ما هي جوانب بناء الشخصية؟
الجانب الأول وهو الركيزة الأساسية في بناء الشخصية هو الجانب الإيماني.
يعتبر هذا الجانبُ الركنَ الأساسَ لبناء الشخصية؛ لأنه بكمال هذا الجانب تكمل باقي جوانب الشخصية، وانهياره يعني سقوط الشخصية بأكملها، وإن حدث فيه نقصٌ، ينتج عن ذلك نقص أيضًا في الجوانب الأخرى.
وإذا تأملنا في المدة الأولى للوحي، وهي المدة المكية، نجد أنها كانت تركِّز على بناء هذا الجانب؛ وهو بناء القوة الإيمانية في القلب.
يتكون هذا الجانب من لَبِناتٍ، أولاها وأهمها هو الإيمان بالله، ثم تأتي باقي لبنات الجانب الواحدة تلوَ الأخرى مع بناء الجانب الثاني للشخصية؛ وهو الجانب العلمي المعرفي.
فمع زيادة الجانب العلمي، يزداد الجانب الإيماني، والعكس؛ فمع زيادة الجانب الإيماني يزداد الجانب العلمي والمعرفي؛ يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]،ولكن لماذا لم نقدِّم الجانب العلميَّ على الجانب الإيماني؟
لأن العلم ليس شرطًا لزيادة الإيمان، ولكن الإيمان يدفع لزيادة العلم؛ فإبليس لعنه الله كان يعلم عين العلم بوجود الله وقدرته، والجنة والنار، ولكنَّ الكِبْرَ مَنَعَهُ من طاعة الله سبحانه وتعالى، فلم يكن من المؤمنين، ومن أول من تُسعَّر بهم النار عالم لم ينفعه علمه في زيادة الإيمان والخشية من الله سبحانه وتعالى.
فإذا كان الجانب الإيماني والجانب العلمي قائمَينِ، فإن هذا يُحدِث استقرارًا واتزانًا للجانب النفسي؛ وهو الجانب الثالث في بناء الشخصية.
إذا تتبَّعنا الخَلَلَ الذي قد يحدث في الجانب النفسي من الشعور بالاضطهاد، والظلم، والحقد، والحسد، أو الخوف الزائد، أو الهروب من المسؤوليات، أو غيرها الكثير – نجد أن هناك فقدًا أو نقصًا في إحدى لبنات الجانب الإيماني أو الجانب العلمي.
عدم الإيمان بالله، أو عدم العلم بقدرة الله وحكمته، عدم الإيمان بيوم الحساب، وعدم معرفة طبيعة البشر والتعامل معهم، وكذلك عدم معرفة طبيعة الشخص نفسه لنفسه، أو كيفية توجيه سلوكياته، كل هذا يُحدِث الخلل في الجانب النفسي.
وهذا الخلل الذي يحدث في الجانب النفسي يُحدث نتيجةً حتمية؛ وهي وجود خلل في الجانب الاجتماعي؛ وهو الجانب الرابع لبناء الشخصية؛ لأن هذه الشخصية التي تعاني من ضعف الجانب النفسي، وتحمل من الحقد للآخرين، أو عدم تقبُّل لنفسها أو لمن حولها، أو قد تعاني من الشعور بالظلم الذي يُولِّد العنف تجاه الآخرين، تخرج للمجتمع ومع الاختلاط والتصادم بين الشخصيات التي تعاني من الخلل في الجانب النفسي، يزداد في المقابل الخَلَل في الجانب الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية.
هناك جانب خامس؛ وهو الجانب الجنسي، وهذا الجانب يجب بناؤه منذ أن يعرف الطفل عقله، والاهتمام بهذا الجانب لا يعني أننا نقتل الحياء، وإنما بأن يتعرف الطفل على نفسه من جنسه ونوعه، ثم يتعرف على ما يجب معرفته من هذا الجانب بما يناسب عقله وسنه، كما يُضبَط هذا الجانب بالعمل على تقوية الجانب الإيماني والجانب المعرفي، وإهمال هذا الجانب قد يؤدي على سبيل المثال إلى تعرض الأطفال إلى الاعتداء الجنسي، فيحدث اضطراب نفسي؛ فيعود من ذلك إما بعداء اجتماعي، أو فساد أخلاقي؛ وهذا يؤثر في المجتمع بأكمله.
ولأن الغرب يدركون قيمة هذا الجانب جيدًا منذ الطفولة، كان هناك ما يسمى بالجندر؛ لينشأ الطفل لا يعلم: هل هو ذكر أم أنثى؟ ليخرج للمجتمع باضطراب نفسي فاقد للهوية الجنسية، ويكبُر هذا الاضطراب لينتج لنا في الأخير التحولات الجنسية والشذوذ.
أما الجانب الأخير هو الجانب الذي يُقِرُّ به الجميع، ولكنهم لا يهتمون به؛ وهو الجانب البدني؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف))؛ [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن لجسدك عليك حقًّا))؛ [رواه مسلم].
تلك القوة البدنية تعطي قوة للجوانب الأخرى للشخصية؛ فهي تعطي القدرة على الطاعات والعبادات، فتزيد قوة الجانب الإيماني، وكذلك تعطي قدرة على العلم والتعلم والتأمل، فيساعد ذلك على قوة الجانب العلمي، أيضًا الاهتمام بالصحة وممارسة الرياضة تُحسِّن من الحالة المزاجية للشخص؛ فتعطي قوة للجانب النفسي.
فإذا استطاع الإنسان الاهتمامَ بجميع جوانب الشخصية، لا يهمل منها جانبًا، ويعمل على إدراك الخلل في كل جانب، فعندها يكتمل بناء شخصيته.
وختامًا: النفس البشرية تحتاج إلى نموذج حقيقي تقلِّده، والعقل يحتاج إلى شيء مادي واقعي، والله سبحانه خلقنا ويعلم طبيعتنا وحاجتنا لذلك الشيء؛ ولهذا أرسل نبيًّا بشرًا، نموذجًا واقعيًّا لكمال الشخصية، فمن أراد أن يعلم كيف يبني جوانب شخصيته ويكملها، فليتعرف على خير قدوة، وخير مثال، وأفضل أسوة، نسير على نهجها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].