حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه (خطبة)
حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه
نص الخطبة:
الحمد لله، الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي رفع السماء بلا عَمَدٍ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيا عباد الله؛ يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
جعل الله تعالى نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة لنا، فأدَّبه وأحسن تأديبه، حتى كان من العظمة والقدوة بالمحل الأعلى، وإن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتأسَّى برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل جوانب حياتهم؛ فإن ذلك هو الطريق الوحيد لنَيلِ الأمن والسعادة في الدنيا، والفوز والنعيم في الآخرة، ومن أعظم ما نتأسى به برسول الله صلى الله عليه وسلم هو علاقته بأصحابه رضي الله عنهم، فعلاقته بهم ترتكز على المحبة والمودة، وحسن التآلف، وجميل العِشْرة، فقد كان في مجلسه يعطي لكل جليس نصيبه، حتى يظن كل رجل في المجلس أنه أحب الخلق عنده، ولم يمنعه صلى الله عليه وسلم مقام النبوة والرسالة أن يكون منبسطًا مع أصحابه، يمزح معهم، ويضاحكهم ويمازحهم؛ يقول جرير بن عبدالله كما في صحيح البخاري: ((ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي)).
ومن المواقف الدالة على ذلك: ((قدِم صهيب على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه تمر وخبز، قال: ادْنُ فكُلْ، فأخذ يأكل من التمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن بعينك رمدًا، فقال: يا رسول الله، إنما آكل من الناحية الأخرى؛ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [مسند أحمد].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((أن رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، وكان يُهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الهدية، فيجهِّزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن زاهرًا باديتنا ونحن حاضروه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان دميمًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذًا تجدني كاسدًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكنك عند الله لست بكاسد، أو قال: عند الله أنت غالٍ))؛ [مسند أحمد]، فمِزاحه صلى الله عليه وسلم معهم لم يكن إلا حقًّا، وكان سببًا رئيسيًّا في التلاحم والقرب من الصحابة، فهو صلى الله عليه وسلم يكسِب قلوبهم بأبسط المواقف.
•وكان صلى الله عليه وسلم يُعِين أصحابه؛ ((كان في سَفْرَةٍ واتفق أصحابه على طبخ شاة، فقال له أحدهم: عليَّ ذبحها، وقال الآخر: عليَّ سلخها، وقال الآخر: عليَّ طبخها، فقال صلى الله عليه وسلم: وعليَّ جمع الحطب، فقالوا: نحن نكفيك يا رسول الله، قال: قد علمتُ أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميز عليكم، فقام بجمع الحطب)).
•وكان صلى الله عليه وسلم يشارك أصحابه في أفراحهم وأحزانهم فيبدلها فرحًا، ويواسيهم، فيشعرون أنهم ليسوا وحدهم في محنتهم، حتى يخفف عنهم ما هم فيه من البلاء؛ ومن صور ذلك:
• كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس، يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره، فيُقعده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضُرَ الحلقة؛ لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي لا أرى فلانًا؟ قالوا: يا رسول الله، بُنيُّه الذي رأيتَه هَلَكَ، فلقِيَه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزَّاه عليه، ثم قال: يا فلان، أيما كان أحب إليك؛ أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غدًا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه، يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله، بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لَهُوَ أحب إليَّ، قال: فذاك لك))؛ [سنن النسائي].
• ودخل صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يُقال له: أبو أمامة، فقال: ((يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزِمتني، وديون، قال صلى الله عليه وسلم: أفَلَا أُعلِّمك كلامًا إذا أنت قلته، أذهب الله عز وجل همَّك، وقضى عنك دينك، قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَنِ، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدَّين، وقهر الرجال، قال أبو أمامة: ففعلت ذلك، فأذهب الله عز وجل همِّي، وقضى عني دَيني))؛ [سنن أبي داود].
وعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا، وكان لي أخ يُقال له: أبو عمير – أحسبه قال: كان فطيمًا – قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه، قال: يا أبا عمير، ما فعل النُّغَير؟ قال: فكان يلعب به))؛ [رواه مسلم]، والنغير: طائر صغير كالعصفور.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: ((لقِيَني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا جابر، ما لي أراك منكسرًا؟ قلت: يا رسول الله، استُشهد أبي، قُتل يوم أُحُدٍ، وترك عيالًا ودَينًا، قال: أفلا أُبشِّرك بما لقِيَ الله به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: ما كلَّم الله أحدًا قط إلا من وراء حجابه، وأحيا أباك، فكلَّمه كِفاحًا فقال: يا عبدي، تمنَّ عليَّ أُعْطِك، قال: يا رب، تحييني فأُقتل فيك ثانيةً، قال الرب تبارك وتعالى: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: وأُنزلت هذه الآية: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ﴾ [آل عمران: 169]))؛ [سنن الترمذي].
• وكان صلى الله عليه وسلم يحفظ جميل أصحابه؛ ذلك لجهادهم الطويل معه في سبيل دعوته، وكفاحهم المتواصل في سبيل نصرة دينه، هذا الدين الذي ما قام إلا على أكتافهم، وما توطدت أركانه إلا بسبب تضحياتهم وتحمُّلهم العناءَ الكبير، والتعب المتواصل في سبيل رفع رايته، ونشر لوائه؛ لذلك نهانا عن سبِّهم؛ حفظًا لجميلهم، وإقرارًا بفضلهم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه))؛ [رواه البخاري].
• فلم ينسَ صلى الله عليه وسلم ما قدَّمه أبو بكر الصديق لنصرته ولنصرة الإسلام؛ فقد كان أبو بكر أول من أسلم من الرجال، وسارع في تصديق النبي صلى الله عليه وسلم بلا تلكُّؤ أو تردد، كما كان أكثر الناس مساعدة للنبي في دعوته، سواء ببدنه أو ماله؛ لذلك حفِظ له النبي صلى الله عليه وسلم جميلَه، فقال مُثْنِيًا عليه ومُظْهِرًا فضله: ((إن أمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا من أُمَّتِي، لاتخذتُ أبا بكر، ولكن أُخوَّة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد بابٌ إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر))؛ [رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا مظهرًا فضله: ((ما لأحد عندنا يدٌ إلا وقد كافيناه، ما خلا أبا بكر؛ فإن له عندنا يدًا يكافئه الله به يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا، ألَا وإن صاحبكم خليلُ الله))؛ [رواه الترمذي].
• وحفظ صلى الله عليه وسلم جميل الأنصار؛ فالأنصار هم الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل دعوته، وتوطيد أركانها في الأرض، وفتحوا ديارهم وأراضيهم للرسول وصحابته من المهاجرين، وواسوهم بأموالهم، ووقفوا معهم في شدتهم، وآثروهم على أنفسهم؛ لذلك حفِظ لهم النبي صلى الله عليه وسلم جميلهم، فجعل حبَّهم من الإيمان، وبغضهم من النفاق؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار))؛ [رواه البخاري]، كما بيَّن فضلهم، ومحبته الشديدة لهم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا وشِعبًا، لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار، والناس دثار))؛ [رواه البخاري]، كما أوصى بهم خيرًا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كَرِشي وعَيبتي، وقد قضَوا الذي عليهم، وبقِيَ الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم))؛ [رواه البخاري]، ومعنى كرشي وعيبتي: يعني: موضع سري وأمانتي.
• وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ من لَقِيَه بالسلام، يجيب الدعوة، ويقبل الهدية ويُثيب عليها، وإذا ردَّها أبدى سببَ ردِّها؛ تطييبًا لخاطر من أهداها؛ ويقول في تواضع النبوة: ((لو أُهدِيَ إليَّ كُراعٌ، لَقَبِلتُ، ولو دُعيت عليه لأجبتُ))؛ [الترمذي].
•وكان صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين يزورهم، يعود مرضاهم، يشهد جنائزهم، يتعهد حاضرهم، ويسأل عمن غاب منهم، وكان يتفقدهم حتى في الغزوات والمعارك، فلما وصل تبوكَ سأل: أين كعب بن مالك؟
وكان لا يأنَف أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي لكلٍّ حاجته؛ ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه ((أن امرأة كان في عقلها شيء، قالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة، فقام يكنيها ويكرمها ويُشفق عليها، يقول: يا أم فلان، انظري أيَّ السِّكك شئتِ، حتى أقضي لكِ حاجتكِ، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها)).
وكان يجالس الفقراء والمساكين يؤاكلهم ويقول: ((ابغوني ضعفاءكم؛ إنما تُنصَرون وتُرزَقون بضعفائكم))، ويعلنها في إخبات وتواضع: ((اللهم أحيني مسكينًا، وأمِتْني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين)).
• هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لنا، ولكل من آمن بالله واليوم الآخر بنص القرآن: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، أوجَبَ علينا الشكر عند النعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد أيها المسلمون:
فما زِلْنا مع النبي لنتعلم من سيرته، ولنتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فنقول: كان صلى الله عليه وسلم لا يرُد سائلًا؛ روى البخاري عن سهل رضي الله عنه: ((أن امرأةً جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببُردة منسوجة فيها حاشيتها، قال: أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشملة، قال: نعم، قالت: نسجتها بيدي، فجئت لأكْسُوكَها، فأخذها النبي محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فحَسَنها فلان، فقال: اُكْسُنيها؛ ما أحسنها! قال القوم: ما أحسنتَ؛ لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، ثم سألته، وعلِمت أنه لا يرد، قال: إني والله ما سألته لألبسه، إنما سألته لتكون كفني، قال سهل: فكانت كفنه)).
وحُمِلت إليه تسعون ألف درهم فوُضعت على حصير، ثم قام إليها يقسمها، فما رد سائلًا حتى فرغ منها، وأعطى العباس من الذهب ما لم يُطِق حمله.
وعن موسى بن أنس عن أبيه قال: ((ما سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلِموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة))؛ [مسلم].
وكان صلى الله عليه وسلم يراعي مشاعر أصحابه، فيراعي حال مَن صَدَرَ منه الخطأ، فيعلِّم الجاهل والصغير برفق ولين، يكسب به وده ويصحح خطأه؛ فعندما يرى خطأ من رجل ما أو بلغه عن الرجل شيء، لم يقل: ما بال فلان يقول؟ مراعاةً لمشاعره، ولكن يقول: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟))؛ [رواه أبو داود].
وقد يضطر الناصح أن ينصح علانية في بعض الأحوال التي لا يجوز تأخير النصح فيها، كما وقع من النبي في بعض المواقف، فكان صلى الله عليه وسلم يعلِّم الجاهل والمخطئ برفق ولين، يصحح خطأه، ويكسب وده، ويحفظ مشاعره أن تجرح؛ فعن معاوية بن الحكم السلمي قال: ((بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثُكْلَ أُمِّياهُ، ما شأنكم تنظرون إليَّ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمِّتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني – أي زجرني وأغلظ لي القول – ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن…))؛ [رواه مسلم].
• وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز في صلاتي؛ مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه))؛ [رواه البخاري]؛ مراعاة لمشاعر الأم وهي في الصلاة.
• ومن أعجب العجب أن يراعي النبي صلى الله عليه وسلم مشاعر أصحابه حتى وهو نائم، فقد راعى غَيرة عمر رضي الله عنه وهو في المنام، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يقص على أصحابه رؤياه: ((… ورأيت قصرًا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمرَ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك، فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار؟))؛ [متفق عليه].
فتأملوا في كتاب ربكم وتدبروه، واقتفوا هَدْيَ نبيكم واسلكوه؛ ففي ذلك فوز الدنيا وفلاح الآخرة والحياة الطيبة المطمئنة؛ كما قال رب العزة سبحانه: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ [النور: 54]، وحثَّ ربنا جل وعلا على الاقتفاء والاهتداء بهَدْيِ النبي الكريم؛ فقال عز من قائل: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، فليس أحد من الخلق أحقَّ أن يُقتدى به، وأن يتشرف الإنسان بسلوك مسلكه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ضعُفت الأمة وجانبت طريق الصواب وبعُدت، إلا بَعْدَ أن ضيَّعت أخلاق الإسلام التي جاء بها المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ يقول شوقي:
بَنَيْتَ لهم من الأخلاق ركنًا فخانوا الركن فانهدم اضطرابا وكان جنابهم فيها مهيبًا ولَلأخلاقُ أجدرُ أن تهابا |
فاللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر؛ ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، آمين.
وصلوا وسلموا – رحمكم الله – على البشير النذير، والسراج المنير، صاحب الخُلُق الرفيع، والأدب النبيل، محمد بن عبدالله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وأقم الصلاة.