حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله، الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعدُ:
فهذه كلمات مختصرة في حكم الاحتفال بمولد نبينا صلى الله عليه وسلم، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تعريف الموالِد:
الموالد: هي الاجتماعات التي تُقام لتكريم الماضين من الأنبياء والأولياء، والأصل فيها أن يُتحرَّى الوقت الذي ولد فيه من يقصد بعمل المَولِد؛ [الإبداع في مضار الابتداع، لعلي محفوظ، ص: 250].
الفاطميون أول من أحْدَثَ الموالد:
أول من أحدث الموالد في مصر الفاطميون، وهم من الشيعة الروافض، وذلك في القرن الرابع الهجري، فابتدعوا ستة موالد؛ وهي: المَولِد النبوي، ومَولِد علي بن أبي طالب، ومَولِد فاطمة الزهراء، ومَولِد الحسن، ومَولِد الحسين، ومَولِد الخليفة الحاضر، وبقِيَت هذه الموالد مدة من الزمن، حتى أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش، ثم أُعِيدت في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله سنة 524 هجرية، بعدما كاد الناس ينسَونها.
كان الفاطميون العُبَيْدِيُّون يسبُّون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان احتفالهم بمَولِد النبي صلى الله عليه وسلم ليس محبةً في النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وإنما كان من أجل تحقيق هدفهم الوحيد؛ وهو بلوغ أغراضهم السياسية، ونشر مذهبهم الشيعي، وذلك باستمالة عامة الناس إليهم بإقامة الموالد، التي تتجلى فيها مظاهر الكرم، والهدايا النَّفِيسة من النقود والجوائز للشعراء والعلماء، وكذلك الإحسان إلى الفقراء، وإقامة ولائم الطعام، وكل هذه الأمور جديرة بأن تستميل قلوب عوام الناس إلى اعتناق مذهبهم الشيعي الرافضيِّ الخبيث؛ [الإبداع في مضار الابتداع، ص: 251، البدعة الحولية للتويجري، ص: 137، 157].
مخالفات شرعية في الاحتفال بالموالد:
إن الموالد – مع كونها بِدْعَةً مُحْدَثة في الإسلام – لا تخلو من اشتمالها على منكرات؛ كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب الخمور والمخدرات، وغير ذلك، مما هو مشاهَد ومعلوم لجميع الناس، وقد يقع في الموالد ما هو أعظم من ذلك؛ وهو الشرك بالله تعالى، وذلك بالغلوِّ في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأولياء، وذلك بدعائه والاستعانة به، وطلب الْمَدَدِ منه صلى الله عليه وسلم، ولقد نهانا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الغلو في الدين.
روى أحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والغلوَّ في الدين؛ فإنما أُهْلِكَ من كان قبلكم بالغلو في الدين))؛ [حديث صحيح، مسند أحمد، ج: 1، ص: 215، السلسلة الصحيحة للألباني، حديث: 1283].
روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُطْرُوني – لا تبالغوا في مدحي – كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبدُ الله ورسوله))؛ [البخاري، حديث: 3445].
عجائب وغرائب الاحتفال بالمَولِد النبوي:
إن من عجائب وغرائب الاحتفال بالمَولِد النبوي أننا نرى الكثير من الناس يَنْشَطون ويجتهدون في هذه الاحتفالات المبتدَعة في دين الله، ويدافعون عنها، ويتخلَّفون عما أوجبه الله تعالى من الحضور إلى صلاة الجماعة في المساجد، ويعتقد بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضُر المَولِد، ولهذا يقومون له مُحيِّين ومرحبين به، وهذا من أعظم الباطل، وأقبح الجهل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحضُر الموالد، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو في قبره إلى قيام الساعة، وروحه في أعلى عليين عند الله تعالى.
ليس في الإسلام بدعة حسنة:
قال الإمام مالك بن أنس: “من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]”؛ [الاعتصام، للشاطبي، ص:37].
وعلى ذلك نقول وبالله تعالى التوفيق: من زعم أن الاحتفال بمَولِد النبي صلى الله عليه وسلم بدعةً حسنة، فقد أخطأ، فليس هناك بدعة حسنة على الإطلاق، بل البدع في الدين كلها شر وضلالة؛ روى مسلم عن جابر بن عبدالله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن خير الحديث كتابُ الله، وخير الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة))؛ [مسلم، حديث: 867].
وعلى ضوء هذا الحديث نقول: من زعم أن في البدع التي ابتُدعت في دين الله تعالى شيئًا محمودًا، فإنما هو في الحقيقة استدراك على شريعة الله الكاملة، وردٌّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذان أمران خطيران جدًّا؛ لِما فيهما من المحادَّة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ يقول الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
أخي الكريم: إن هذه الآية الكريمة تقضي على البدع كلها، وترد ردًّا قاطعًا على من تعلَّق بالبدع أو بشيء منها، وترد كذلك على كل من أفتى بأن الاحتفال بالمَولِد النبوي بدعة حسنة.
تعريف البدعة:
قال الشاطبي: “البدعة: طريقة في الدين مخترَعة، تضاهي الشرعية، يُقصَد بالسلوك عليها المبالغة في التعبُّد لله سبحانه وتعالى”؛ [الاعتصام، للشاطبي، ص: 28].
ربيع الأول: شهر الفرح أم شهر الحزن؟
قال ابن الحاج وهو يتحدث عن بدعة المَولِد النبوي: “العجب العُجاب، كيف يعملون المَولِد بالمغاني والفرح والسرور لأجل مَولِده صلى الله عليه وسلم، في هذا الشهر الكريم، وفيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل، وفُجِعَتِ الأمة، وأُصيبت بِمُصاب عظيم، لا يعدِل غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير، وانفراد كل إنسان بنفسه؛ لِما أُصيب به؟”.
روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أيها الناس، أيما أحدٍ من الناس – أو من المؤمنين – أُصيب بمصيبة، فلْيَتَعَزَّ بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإن أحدًا من أمتي لن يُصاب بمصيبة بعدي أشدَّ عليه من مصيبتي))؛ [حديث صحيح، صحيح ابن ماجه للألباني، حديث: 1300، المدخل لابن الحاج، ج: 2، ص: 15].
كيف كان يتقرب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله في يوم مَولِده:
روى مسلم عن أبي قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن صوم يوم الاثنين، فقال: ((ذاك يومٌ وُلدت فيه، ويوم بُعثت فيه، أو: أُنزِل عليَّ فيه))؛ [مسلم، حديث: 1167].
حدَّد لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف نوعَ العمل الذي نتقرب به إلى الله تعالى في يوم مَولِده صلى الله عليه وسلم، وهذا العمل الذي سنَّه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم هو الصيام، وقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم الصيامَ دون غيره في هذا اليوم؛ لأن الصوم سرٌّ بين العبد وربه سبحانه وتعالى، مما يوحي للمسلم أن العمل الذي يتقرب به إلى الله تعالى في يوم مَولِد رسوله صلى الله عليه وسلم، ينبغي أن يكون سرًّا بعيدًا عن التجمعات البشرية في الأماكن العامة أو الخاصة.
ولاحظ – أخي الكريم – صيغةَ السؤال والجواب في هذا الحديث، فنبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك على سبيل الاحتفال المعهود اليوم في أذهان كثير من المسلمين، وإنما كان يفعله نبينا صلى الله عليه وسلم على سبيل شكر نعمةِ خَلْقِه صلى الله عليه وسلم، ونعمة اصطفائه بالرسالة الخاتمة إلى جميع الخلق.
أخي الكريم: لو كان صومُ النبي صلى الله عليه وسلم ليوم مَولِده احتفالًا، كما يزعُم كثير من الناس، لاختلفت كيفية الأداء حينئذٍ، كأن يجتمع الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتسابقون في إلقاء الخطب، وعبارات الثناء والمدح والأناشيد، من أجل النبي صلى الله عليه وسلم، كما يفعله الكثير من المسلمين اليوم، ولكن شيئًا من هذا لم يحدث، وهذا يؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتقرب بالصيام يوم مَولِده؛ شكرًا لله على نعمة خلقه صلى الله عليه وسلم، وعلى نعمة اصطفائه وإرساله للعالمين.
شبهات والرد عليها:
إن المؤيدين للاحتفال بمَولِد نبينا صلى الله عليه وسلم يُثيرون بعض الشبهات؛ لكي يجعلوا الاحتفال بالمَولِد النبوي مشروعًا أو مباحًا على الأقل، ونذكر بعضًا من هذه الشبهات، ونرد عليها، فنقول وبالله التوفيق:
الشبهة الأولى:
يقول المؤيدون للاحتفال بمَولِد نبينا صلى الله عليه وسلم: إن الاحتفال بالمَولِد النبوي ليس بدعة، بل هو سُنَّةٌ حسنة؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة…)).
الرد على هذه الشبهة:
نقول: إن السُّنَّة الحسنة هي التي يكون لها أصل في الشرع، وقد سنَّها النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك كالصدقة التي هي سبب هذا الحديث، فعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قومًا فقراء، حثَّ الصحابة على التصدق عليهم، فتسابقوا على إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث تعليقًا على ما سبق بالصدقة، وأما الاحتفال بالمَولِد النبوي، فهو بدعة حدثت بعد القرون الثلاثة الفاضلة.
الشبهة الثانية:
يقول المؤيدون للاحتفال بالمَولِد النبوي: إن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لم يحتفلوا بمَولِد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقرب عهدهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وليسوا في حاجة إلى الاحتفال لهذا السبب.
الرد على هذه الشبهة:
نقول: إن بُعْدَ المسافة الزمنية بيننا وبين نبينا صلى الله عليه وسلم لا يبرر إحداث بِدَعٍ في دين الله تعالى، خاصة وأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد حذَّرنا من الابتداع في الدين، وما دام أصحاب القرون الثلاثة الفاضلة لم يحتفلوا بمَولِد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ينبغي علينا أن نسير على نَهْجِهم؛ لننال المحبة الحقيقية لنبينا صلى الله عليه وسلم.
الشبهة الثالثة:
يقول المؤيدون للاحتفال بمَولِد نبينا صلى الله عليه وسلم: هل تمنعون ذكر الله تعالى والحديث عن سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم؟
الرد على هذه الشبهة:
نقول وبالله التوفيق: إننا لا نمنع ذكر الله، ولا الحديث عن سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما نمنع تخصيص ذلك بيوم واحد في السنة، من غير دليل شرعي من القرآن الكريم، أو سنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
الشبهة الرابعة:
يقول المؤيدون للاحتفال بمَولِد نبينا صلى الله عليه وسلم: ((إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين، ولما سُئِل عنه قال: ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه))، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين، بمعنى أنه كان يحتفل به؛ لأنه وُلِدَ فيه.
الرد على هذه الشبهة:
إننا لا ننكر مشروعية صوم يوم الاثنين وفضله، وكذلك صوم يوم الخميس؛ فصومهما مُستحَبٌّ طوال العام، وليس في وقت دون وقت آخر.
إن قياس ما هو مشروع – وهو الصيام – على ما لم يشرعه النبي – وهو الاحتفال بيوم مَولِده – قياس مع الفارق، وهو قياس باطل، ولو اقتصر احتفالكم بالنبي صلى الله عليه وسلم على صوم يوم الاثنين في عموم العام قبله، لكان الأمر أهون.
الشبهة الخامسة:
يقول المؤيدون للاحتفال بمَولِد نبينا صلى الله عليه وسلم: إن النعم تقتضي الشكر، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدِم المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، قال لهم: ((ما هذا اليوم الذي تصومون؟ قالوا: هذا يوم صالح، أنـجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه))، وميلاد نبينا صلى الله عليه وسلم من أكبر النِّعَمِ، وهي تقتضي شكرًا لله، فاحتفالنا بمَولِده صلى الله عليه وسلم إنما هو من الشكر على هذه النعمة العظيمة.
الرد على هذه الشبهة:
نقول: إن النِّعَمَ تستوجب الشكر عليها، وأعظم النعم على هذه الأمة هي بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم وليس مَولِده؛ لأن القرآن لم يُشِرْ إلى مَولِده صلى الله عليه وسلم، وإنما أشار إلى بَعثته صلى الله عليه وسلم على أنها نعمة من الله تعالى؛ قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
وهذا هو الشأن مع جميع الرسل، فإن العِبرة ببعثتهم لا بمَولِدهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾ [البقرة: 213]، فلو كان الاحتفال بمَولِد النبي صلى الله عليه وسلم مشروعًا، لكان الأَولَى به ذكرى بَعثته صلى الله عليه وسلم، وليس مَولِده صلى الله عليه وسلم، وأما صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، فإنما هو بوحيٍ من الله تعالى، ولا يجوز لنا أن نقيس عليه، فنبتدع في دين الله تعالى ما ليس منه.
وصية ربانية باتباع نبينا صلى الله عليه وسلم:
إن الله تعالى قد أرسل نبينا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، للناس كافة، وأكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة إلى يوم القيامة؛ قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
وأمَرَنا ربنا تبارك وتعالى باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]، وقال سبحانه: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وقال جل شأنه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، وقال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].
نبينا صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الابتداع في الدين:
لقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من الابتداع في الدين، وذلك في أحاديث كثيرة؛ منها:
1- روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رَدٌّ))؛ [البخاري حديث: 2697، مسلم حديث: 1718].
2- وروى مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن عمِل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ))؛ [مسلم، حديث: 18].
3– روى أبو داود عن العرباض قال: ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظةً بليغةً، ذرَفت منها العيون، ووجِلَت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودِّعٍ، فماذا تعْهَد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يَعِشْ منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحْدَثاتِ الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 3851].
ختامًا:
أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكـــــرام، وآخــر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.