خطبة الاستسقاء


خطبة الاستسقاء[1]

 

إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ، أما بعدُ:

فإِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ عز وجل أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ[2].

 

عباد الله استغفروا ربكم، فما من ذنب يقع إلا بمعصية، فاستغفروا ربكم، وتضرعوا إليه حتى ينزل عليكم المطر، فما من ذنب رُفعَ إلا بتوبة؛ توبوا عبادَ الله إلى ربكم، واستغفروه، توبوا من كبائر الذنوب، توبوا من الغش، والظلم، والرِّشوةِ، والربَا، وأكل أموال الناس بالباطل، والغِيبةِ، والنميمةِ، والنظرِ، إلى الحرام، وشربِ الخمر، والزنا، وتأخير الصلاة عن وقتها.

 

توبوا إلى الله توبة نصوحًا من جميع الذنوب، والمعاصي؛ قال الله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41].

وقال الله تعالى: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52].

وقال الله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 – 12].

وقال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96].

 

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً، وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ[3].

 

اللهُمَّ نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ[4].

 

نَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ الْقَيُّومَ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، نَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ الْقَيُّومَ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ نَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ الْقَيُّومَ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ[5].

 

اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا[6].

 

اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا[7]، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ[8].

 

اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا[9] عَامًّا طَبَقًا[10] سَحًّا[11] دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالخَلْقِ مِنَ اللَّأْوَاءِ[12]، وَالجَهْدِ وَالْفَتْكِ مَا لَا يَشْكُو إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفْهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا[13].


[1] متى تشرع صلاة الاستسقاء؟: تشرعُ صلاة الاستسقاء عند حدوث الجدب، والقحط، وعدم نزول الأمطار.

كيفية صلاة الاستسقاء: مثل صلاة العيد:

يكبر تكبيرة الإحرام وستًّا بعدها، ثم يستفتح ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم للركعة الثانية، فيكبر خمس تكبيرات إذا اعتدل، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم يقرأ التحيات ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو، ثم يسلم، ثم يقوم، فيخطب في الناس خطبةً يعظهم فيها، ويذكرهم بربهم، ويحذرهم من المعاصي المنتشرة بينهم؛ لأن المعاصي من أسباب القحط، والجدب، ونزول البلايا، ويحثهم على التوبة والاستغفار، ويقرأ عليهم الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، ثم يتجه نحو القبلة، ويدعو ربه رافعا يديه، والناس معه يدعون معه مستقبلين القبلة، رافعين أيديهم.

ومن السنة أن يحول رداءه أثناء الخطبة، فيجعل اليمين يسارا، واليسار يمينا، وإن كان يلبس عباءةً، أو غطاء رأسٍ قلبها.

فإذا نزل المطر يقول: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا، اللُّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ»؛ [متفق عليه: رواه البخاري (1014)، ومسلم (897)، عن أنس رضي الله عنه].

[2] حسن: رواه أبو داود (1173)، وحسنه الألباني، عن عائشة رضي الله عنها وقالت: ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ، أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ».

[3] حسن: رواه أبو داود (1173)، وحسنه الألباني، عن عائشة رضي الله عنها.

[4] صحيح: رواه مسلم (486)، عن عائشة رضي الله عنها.

[5] صحيح: رواه أبو داود (1517)، والترمذي (3577، 3397)، وأحمد (11074)، عن بلال بن يسار، وأبي سعيد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ».

[6] متفق عليه: رواه البخاري (1014)، ومسلم (897)، عن أنس رضي الله عنه.

[7] مريئًا: أي محمود العاقبة. مريعًا: بضم الميم وفتحها من الريع وهو الزيادة.

[8] صحيح: رواه أبو داود (1169)، وابن ماجه (1269)، وأحمد (18062)، عن جابر، وكعب بن مرة رضي الله عنه وصححه الألباني.

[9] غدَقا: الغدَق: المطر الكبار. مجللا: أي يجلل الأرض بمائه، أو بنباته.

[10] طبقا: أي مالئًا للأرض مغطيًا لها.

[11] سحا: أي دائمة الصب، والهطل بالعطاء.

[12] اللأواء: الشدة، وضيق المعيشة.

[13] حسن: رواه البيهقي في «المعرفة» (7210)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وحسَّنه ابن الملقن في «تحفة المحتاج» (733).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
ظهور فنانة مصرية في كتاب مدرسي يثير الجدل في البلاد
مكتبه السلطان – كتاب فاتتني صلاة للكاتب إسلام جمال- كتب صوتية / الجزء الاول