خطبة الحجاب بين موت الغيرة، وقلة الحياء


الحجاب بين موت الغيرة، وقلة الحياء

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خير الحديث، كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المسلمون عباد الله، لا يخفى علينا ما عمت به البلوى في كثيرٍ من البلدان، من تبرُّج الكثير من النساء وسفورهن، وعدم تحجبهنَّ عن الرجال، وإبداء الكثير منهن من زينتهن التي حرم الله إبداءها، وحيث إن هذا الداء من المنكرات العظيمة، والمعاصي الظاهرة، ومن أعظم أسباب نزول العقوبات، وحلول النقمات، ذلك لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش، وارتكاب الجرائم، وقلة الحياء، وعموم الفساد، وحيث إن أفكار المفسدين، وأقلامهم، ومعاولهم، لا تزال تعمل كذلك في هدم الإسلام، وفي هدم قيمه وأخلاقه.

معاشر المسلمين والمسلمات: لقد كانت المرأة مهضومةً، مظلومةً، معدودةً عند كثيرٍ من الرجال في سقط المتاع، وكانت أوربة وقوانينها الآثمة تسمح للآباء بأن تؤجر المرأة، وتعار، وتشترى وتباع، وكانت شريعة الرومان تكم فم المرأة عن الكلام، وتلحقها بالكلاب، وضواري السباع، وكانت العرب يمنعونها من الإرث، ويئدونها صغيرة، إلى غير ذلك من الإهانات!

 

ثم جاءت هذه الشريعة السمحة، وأخرجت المرأة من الظلمات إلى النور، وصارت مكلفةً، ومتصرفةً بتصرفاتٍ توافق طبيعتها، وتتناسب معها، ثم حد لها الإسلام حدودًا تحفظها، وتحفظ عفتها وكرامتها، فشرع الله لها الحجاب؛ ليحجز العابثين عنها.

 

ولكن أدعياء المدنية وأتباع الشيطان المدعون تحرير المرأة، يعدون الحجاب هضمًا لحقها، وحكمًا برقها، وكذلك يدعي كل أفاك أثيم!

 

فلقد ظل أعداء الإسلام، وما يزالون يكافحون لإخراج المرأة المسلمة من دارها، ومن سترها وعفافها، وذلك تحقيقًا لمآربهم الخبيثة، ومقاصدهم السيئة، أيها المسلمون عباد الله، وحتى لا ينزلق بعضنا وينجرف في تيار دعاة الضلال من أهل الفن والصحافة؛ لا بد أن نعرف حكم الحجاب معرفةً مستندةً من الكتاب والسنة.

 

فلقد دلت الآيات والأحاديث على وجوبه وأهميته، فمن ذلك: قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31].

وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان الركبان يمرون بنا ونحن محرماتٌ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها، فإذا جاوزونا كشفناه»[1].

 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا قال: «النساء عورة وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس، فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لم تمري بأحد إلا أعجبته، وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضًا، أو أشهد جنازة، أو أصلي في المسجد، وما عبدت المرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها»، وهذا فيه دليلٌ على أن بقاءها في بيتها خيرٌ حتى من خروجها للطاعات والقربات.

 

وروى البخاري في صحيحه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرين الأُول، لما أنزل الله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، شققنَ مروطهنَّ فاختمرنَ بها».

 

قال ابن حجر رحمه الله: «اختمرن؛ أي غطَّينَ وجوههنَّ»[2].

وتقول صفية بنت شيبة: بينا نحن عند عائشة رضي الله عنها، فذكرت نساء قريشٍ وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها: إن لنساء قريشٍ لفضلًا وإني- والله- ما رأيت مثل نساء الأنصار، ولا أشد تصديقًا لكتاب الله ولا إيمانًا به منهن، لقد أنزلت سورة النور: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهن، يتلو الرجل على امرأته وابنته، وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فاعتجرت به تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان، والاعتجار هو لف الخمار على الرأس مع تغطية الوجه[3].

ودخل نسوةٌ من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق، فقالت: «إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات، وإن كنتن كافرات فتمتعنَ به»[4].

وهذه رسالةٌ من أمك يا بنت الإسلام، يا من تلبسين اللباس الضيق الفاتن، الملفت، إن كنت رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا، فليس هذا بلباس المؤمنات، ودخلت حفصةٌ بنت عبد الرحمن بن أبي بكرٍ على عائشة رحمها الله وعليها خمارٌ رقيق، فشقته عائشة وقالت: «أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمارٍ كثيفٍ فكستها»[5].

 

ويقول عاصم الأحول رحمه الله: «كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا… فتنقبت به، فنقول لها: رحمك الله! يقول الله: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 60]، قال: فكانت تقول لنا: وماذا قال الله بعد ذلك؟ قال فنقول:﴿ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ﴾»[6].

 

معاشر المسلمين، إن الحجاب والعفاف لو لم يكن فريضةً شرعية، لكان ضرورةً عقلية، يوليها الواقع والمروءة، في عصر التبذل وقلة الحياء، في عصرٍ ذاق فيه الذين لم يعرفوا الحجاب اللومات والحسرات، وقد ورد ما يدل دلالةً صريحة على وجوب تغطية جميع البدن، بما فيه الوجه أمام الرجال الأجانب.

 

جاء في صحيح البخاري في حديث الإفك الطويل…. وفيه أن عائشة قالت: – لما رآها صفوان بن المعطل – فخمرت وجهي بجلبابي”[7].

 

واحفظوا هذه العبارة؛ حتى تجعلوها سهمًا ترمون به أعين دعاة التحرير والتبرج.

 

معاشر المسلمين، إن الأعراض إذا لم تُصَنْ وتُحصَّنْ، فستسقط لا محالة، ستسقط أمام هذه الإغراءات والدعايات الكاذبة، فاحذروا، وصونوا بيوتكم من أجهزة الفساد بشتى أنواعها، مقروءةً كانت، أو مسموعة، أو مرئية؛ فإنها تضعف الإيمان، وتدعو إلى الافتتان، صونوا بناتكم قبل وقوع المحظور، ثم لا ينفع بعد ذلك بكاءٌ ولا ندم.

أيها المرأة المسلمة، حذارِ من التردي في المنحدر الذي تردت به المرأة الكافرة، فإن الكافرة قد يكون لها بعض العذر؛ لأنها لا تجد دينًا يقمعها، ولا أحد يحجزها، أو يغار عليها، أما أنت فما عذرك يا بنت الإسلام وقد أنزل الله لك دينًا، يحفظ لك العزة والكرامة؟!

 

قولي لهم يا بنت الإسلام، كما قالت المرأة الصالحة.

بيدي العفاف أصون عز حجابي
وبعصمتي أعلو على أترابي

أعلمي أيتها المسلمة أن المرأة الحرة الحصينة هي التي تدرك أن خالقها لا يأمرها إلا بما يصلحها ويصلح غيرها، ولقد صور الشاعر المرأة بدون حجاب كأنها مدينةٌ بلا أسوار، فقال:

إن المدينة يا بنتي تبقى محصنةً أمينهْ
ما دامت الأسوار تمنعها بأعمدةٍ متينهْ متينة
فإذا هوت جدرانها
نفذ العدو إلى المدينهْ

وإنه لمن المؤسف جدًّا أن ترى بعض من يدعين الحجاب قد ارتدت إحداهن حجابًا فيه ألوان مزركشة ومنقشة، تلفت الأنظار، ثم تزعم صاحبة هذا الحجاب المزيف أنها محجبة، وأي حجابٍ هذا!؟ هذا حجاب خداعٍ وتزييف، حجاب زينةٍ وفتنة، حجاب عارٍ فوق رأسٍ فارغٍ من العلم والورع، ولا ندري كيف يرضى الزوج الذي يشعر أن زوجته له لا لغيره، وكيف ترضى الزوجة التي تشعر أنها لزوجها لا لغيره، كيف يرضى هو وترضى هي أن تعرض جسمها وأعضاءها وزينتها بشكلٍ مثير وفاتن ومهيج في الأزقة والشوارع، أمام الذئاب البشرية المنتشرة هناك؟!

 

أيها المسلمون، أيها الرجال الغيورون، إن الاسلام حين أمر النساء بالاحتجاب عن الرجال الأجانب؛ لأن منهم البر، والفاجر، والطاهر، والعاهر، والحجاب حاجزٌ يمنع الفتنة، ويحجز عن دواعيها، ويدعو إلى الحياء والعفة، ويبعد عن مظان التهمة، ويحفظ النساء من تعرض الفساق لهن بالأذى والنظر السيئ.

 

كما حرم على المرأة مخالطة إخوان الزوج؛ وذلك محافظةً على الثقة بينها وبين زوجها، وحتى لا تعرض نفسها لأن تفتن أو تُفتن، أو أن تتعرض لوسائل الإغراء، وحبائل المكر والخداع.

 

وهذا الكلام قد يستنكره بعض الذين في قلوبهم مرض، فيمدون شفاههم طعنًا في وجوه الدعاة بأن هذا تشدُّد وتخلف، بل هو سوء ظن وخبث طوية، وأعذارهم في مخالطة نساء إخوانهم: بأن قلوبهم صافية ونظيفة، ويا لها من كلمةٍ ساذجةٍ، لا يقبلها شرعٌ ولا عقل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إياكم والدخول على النساء»، وقال: «وما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء!».

وكم وكم هي القصص والجرائم التي حصلت مع نساء الإخوة مما يتندى له الجبين خجلًا منها، ونستحيي من سردها ونشرها في هذا المقام، وكل ذلك بسبب هذه المبررات والمغالطات التي منشؤها الجهل بمنهج رب الأرض والسماوات معاشر المسلمين والمسلمات، وإن مما يجدر الحديث عنه والتحذير منه، ونحن في صدد الكلام عن الأخلاق والأعراض، هو التحذير من كثرة خروج المرأة من بيتها ومقرها، ومصدر شرفها وكرامتها، بدون حاجة تلجئها، أو ضرورة تدعوها.

 

فنقول أيها الآباء، أيها الأزواج الشرفاء: إن البيت للمرأة في نظر الإسلام كالقوقعة بالنسبة لجوهرتها، تزداد فيه نضارةً وحسنًا وبهاءً وضياءً ونورًا وإيمانًا، وحين تخرج منه يخبو نورها، ويتضاءل ضياؤها، ويذهب جلاؤها، فالبيت حصن المرأة الحصين، وملجؤها الأمين.

 

وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارًا، فقال جل وعلا: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33].

 

وإن خروج المرأة من بيتها، أو كثرة خروجها من بيتها، وتزينها، وتعطرها، وسيرها، في الأسواق تزاحم الرجال، وتداعب الباعة، وتمازحهم، وتستهوي عيونهم، وتفتن قلوبهم، دليلٌ على ضعف الوازع الديني في نفسها، أو انعدامه بالكلية، وأمارةٌ على نوم الشرف، أو موته في قلب زوجها الذي لا يبالي بكثرة خروجها من بيتها.

 

وإن تعجب فاعجب من أصحاب الغِير الميتة، الذين يرضون لنسائهم بأن يخرجن إلى الطبيب لوحدهن وهم مرجومون هناك في بعض مقايلهم، وأعمالهم، أما تعلم يا رجل أن زوجتك إذا جلست بين يدي الطبيب أصبحت كالميت بين يدي مغسله؟ أما تعلم أن كثيرًا من الأطباء يتعمدون الكشف على سوءة المرأة الحامل مدعيًا بذلك الاطمئنان على صحة الجنين؟ بل يتجرأ بعضهم ويفعل ما هو أعظم من ذلك.

وإن جاء الغيور على عرضه وأراد الستر لزوجته، أو ابنته، حوِّل من الطبيبة إلى الطبيب – للأسف الشديد – ما دور الطبيبة إذًا؟! ألا قاتل الله بعض الأخلاق والشيم!

 

ومما يحزن القلب ويدمع العين؛ أن كثرة المساس قد يبلد الإحساس، ويصبح الأمر مستطابًا ومستحسنًا عند بعض النساء من اللاتي قلَّ حياؤهن، فإذا جاءت إلى المستشفى ولم تجد الطبيب غضبت ورجعت، ولم تذهب إلى لطبيبة، لماذا؟ لأنها تدربت، وألِفت لمس الرجل الأجنبي عنها، بل صار بعض الأطباء يرى أن الخلوة بالمرأة حقٌّ من حقوقه؛ فيتجرأ ويخرج الرجل الذي يأتي مع زوجته – إن صح أن نسميه رجلًا – قائلًا له: لا يصح أن تحضر محل الكشف، وبعض أشباه الرجال يطأطئ رأسه، وينزع مروءته، ليترك الطبيب خاليًا بزوجته!

هذا كله من أجل المقايل، من أجل شجرة القات دمرها الله، التي كانت سببًا في بيع المبادئ والأخلاق والقيم، وضعف الغيرة، وذهاب الرجولة، وبعضهم ربما يعطي ابنته أو امرأته المال لتذهب لتفصل الملابس الضيقة ثم ترجع له بكرت مقاس لباسها، الذي فيه طولها وعرضها! ولا يسأل نفسه هذا البليد: من الذي قاسها؟ أين قاس لها؟ كيف قاس لها؟ أسئلة كلنا يعرف جوابها.

فيا شديد الطول والإنعام
إليك نشكو محنة الإسلام

الخطبة الثانية

الحمد لله أمر بتقواه، وأخبر أن من اتقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

معاشر المسلمين والمسلمات، إن معصية التبرج ليست معصيةً فردية، بل هي معصيةٌ جماعية، تشترك فيها المتبرجة مع أولي أمرها الذين يسمحون لها بذلك، ويشترك فيها المجتمع أجمع الذي لا يبالي بزجرها، ولا بصدها عن غيِّها، ولقد أصبحت المتبرجات يتسابقن في مجال الزينة؛ لأجل لفت الأنظار إليهن، مما جعل المرأة كالسلعة المعروضة لكل من شاء أن ينظر إليها، فحصل ما حصل من المفاسد والأضرار، ومن أهم ما حصل:

أولًا: الإعراض عن الزواج، وشيوع الفواحش، وسيطرة الشهوات، فإن المرأة حينما تخرج من بيتها وقد لبست اللباس الذي يجعلها عارية، وإن كانت كاسية، كما قال عليه الصلاة والسلام: «كاسياتٌ، عاريات»، فإنها بذلك تهيج الشباب، وتشعل غريزتهم، وتدعوهم إلى الافتتان بها، والتعلق بها! وهكذا يظل الشباب يعيشون بأعين زائغة، وبقلوبٍ مريضة، حينما يرون مثل هؤلاء السافرات العاريات، حينها لا تسأل عن عزوف الشباب عن الزواج، حتى أصبحنا نرى منهم من قد جاوز الثلاثين وهو مقتدرٌ على الزواج، ومع ذلك يرفض ويأبى أشد الإباء، لماذا؟ لأنه قد ألف الحرام، وأصبح يمتع ناظريه بالحرام، وأصبح معه لقاءات وعلاقات بالحرام، كل ذلك بسبب قليلات الحياء لا كثرهن الله.

 

ولا تدري تعجب من قلة حياء هؤلاء الساقطات، أم من أولياء أمورهن؟ ولا تدري هل عندهم نخوة، أم قد ماتت نخوتهم وغيرتهم، أم قد ضاعت رجولتهم؟ عندما يرى ابنته، أو زوجته، تخرج بهذه الملابس التي تلفت أنظار الشباب إليها، وتجعلهم يتعلقون بها، وربما يلاحقونها، ويؤذونها، قل لي بربك: هل ماتت غيرتك، أم قد ضاعت رجولتك وقوامتك، أم أنك غير قادرٍ على شراء لباسٍ يسترها، ويحفظها، ويحفظ عفتها وكرامتها، ويصونها عن أنظار السفهاء إليها؟!

كذلك مما نتج من مفاسد التبرج والسفور، وظهور هذه الملابس التي نشاهدها في شوارعنا، وأسواقنا، قلة الحياء، أو اضمحلاله، فالمرأة التي تلبس الملابس الضيقة الفاتنة اللافتة، تعبر بلباسها عن قلة حيائها، وسوء أدبها، فلو كانت ذات أدبٍ لاحتشمت بلباسها، وسترت جسمها وعرضها الذي هو أعز ما لديها، لو كانت ذات أدبٍ لاستحيت من كثرة الشباب الذين ينظرون إليها، ولعلها قد تسمع من يدعوها، أو يعبر عن رغبته بها، لكن لباسها هذا يشعرك أنها قد خلعت حياءها قبل أن تخرج من بيتها، وحين تخرج ما الذي يحصل أثناء خروجها؟ قد ترفع صوتها مع الساقطات من أمثالها، وقد تتمايل في مشيتها، وتبرز مفاتنها، بل قد ترفع لباسها وهي تمشي لتظهر لباس أرجلها، وما في داخلها.

ما الغرض أيتها السافرة الساقطة؟! ما الغرض التي تفعله بعض السافرات حين يبدين ملابسهن الداخلية؟ أين الحياء؟ أين الأدب؟ والله لقد أصبحنا نرى ونشاهد من نساء المسلمين مشاهد تحرق الدم، وتدمي القلب، ولقد أصبح كثير من هؤلاء المتبرجات الساذجات يمشين في وسط طريق الرجال، نعم تمشي إحداهن في وسط الطريق، تهرب منها ولا تهرب منك، توسع لها ولا توسع لك، تخشى من مسها، ولا تخشى من مسك ولمسك!

 

أما عن قلة حيائها عند شرائها، ومبايعتها مع من تشتري منه حاجتها، من أصحاب الملابس، والمحلات، فيندى – والله – الجبين خجلًا من قلة الحياء التي وصلت إليه بعض النساء، فحين تدخل إحداهنَّ تراها تكثر الكلام مع البائع، وتمزح معه، وتستهوي عينه، وتفتن قلبه، وتستعطفه، وتتودد إليه، من أجل أن ينقص لها مائة ريال، أو أقل أو أكثر من ذلك.

وهكذا أصبح بعض النساء يترددن على عشرات التجار، وكل واحدة قد عرفها التاجر، وعرف طولها وعرضها وصوتها، وربما اسمها، وبعض تفاصيل حياتها، وإذا جاءته لتشتري منه شيئًا بدأ يسألها، أين أيامها؟ وما أخبارها؟ ومستجداتها؟ وربما لا تخرج من عنده إلا وقد قضى وقتًا طويلًا في الكلام معها.

قاتل الله أصحاب الغير الباردة، وأصحاب الرجولة الميتة، أهذا هو الدين؟ أهذه هي الرجولة؟ حين تجعل زوجتك، أو ابنتك هي التي تتولى شراء حوائج بيتك، أهذه هي غيرتك على شرفك وعرضك يوم تجعل زوجتك تتعرف على الأسواق وأنت في بيتك، أو مقيلك؟! أهذه هي القوامة التي فضلك الله بها على زوجتك؟!! ومع ذلك تجعلها تعمل وتدخل وتخرج، وتخالط الرجال من أجل لقمة عيشك!! أهذا هو امتثال قول الله عز وجل: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]؟!

 

كذلك مما نتج عن التبرج والسفور، وظهور هذه الملابس الفاضحة: كثرة الجرائم، بما في ذلك جريمة الزنا – والعياذ بالله – فالشاب عندما يرى المرأة بلباسها الضيق الذي يحجم جسدها، ويبرز مفاتنها، تثور ثائرته، وتشتعل غريزته، فيسعى جاهدًا بكل الأسباب التي توصله إليها؛ لأنها ما لبست هذه الملابس الفاتنة؛ إلا لتصرف الأنظار إليها، فقد يلاحقها، وقد يكلمها، قد يغريها بماله أو بسيارته، وقد يجتهد في البحث عن رقم جوالها، فعند ذلك يحصل ما يحصل من المراسلات، والعلاقات، ثم اللقاءات، ثم الوقاحات، وبعد ذلك الجرائم الفاضحات، نسأل الله الستر والعافية.

همسةٌ، فابتسامةٌ، فسلام
فكلامٌ، فموعدٌ، فلقاء.

كل هذا بسبب ماذا؟ بسبب التبرج، بسبب السفور، بسبب ترك اللباس، والحجاب الشرعي.

 

وإلا- والله – لو كانت تلك المرأة محتشمة في لباسها، تلبس الحجاب الذي يسترها، ويدل على حيائها وعفافها، ما تجرأ عليها أحد، ولا رغب في النظر إليها أحد، بل – والله – لدافع عنها كلُّ أحد، حتى قال بعض الشباب: «والله إني إذا رأيت الفتاة المتجلببة، والمحتشمة في لباسها، نظرت إليها وكأنها إحدى أخواتي».

 

ويقول بعضهم: والله إن المرأة المتحجبة والمحتشمة في لباسها إذا مدَّت يدها لتشتري مني شيئًا؛ أخذت منها المال ويدي ترتعش مهابةً منها، وخشية أن تمس يدي يدها! لا إله إلا الله، ما أعظم هذا الدين! وما أجمل التمسك بشرع رب العالمين!

ختامًا نقول: ونوجه رسالةً لأصحاب العقول: إن من أبرز أسباب تبرُّج المرأة وتزينها، وفساد أخلاقها، هم أولياء أمور النساء؛ لأن الله جعل القوامة للرجل على زوجته ليوجهها، ليعدل سيرها واعوجاجها؛ لأنه أرشد منها، وأعقل منها، فلو وجدت المرأة من زوجها حزمًا وعزمًا، ما تجرأت أن تخرج بهذه الملابس الضيقة، ولو وجدت الغيرة في زوجها ما تجرأت أن تكلم الباعة، وتمزح معهم، وتتمسكن بين أيديهم من أجل أن ينقصوا لها الأسعار.

 

إن المرأة لو عرفت من زوجها أنه لا يحب خروجها من بيتها، ما كانت كل يومٍ في مكان، لا تفوتها وليمة ولا تغيب عن صالةٍ أو قاعة، وإن الرجل لو كان يخاف على خدش حياء زوجته، وهو يعرف رقة تدينها، وقلة علمها، ما سمح لها أن تنظر إلى القنوات، وإلى الأفلام والمسلسلات الهابطات، بل لما أدخل أجهزة الدمار والعار والنار إلى بيتها.

فو الله ما تبرَّجت النساء، وقل حياؤهنَّ، وضعف تدينهنَّ، إلا بسبب الأفلام والمسلسلات التي تُعرض عليهن في بيوتهن، فقلة الحياء، وتبرج النساء، وما يحصل في خارج البيت، ما هو إلا انعكاس لما يحصل في داخله.

فاظهروا – رحمكم الله – قوامتكم، وصونوا بيوتكم بالمحافظة على نسائكم، واعلموا أن كل راعٍ مسؤولٌ عن رعيته، وما من عبدٍ استرعاه الله على رعية فأمسى غاشًّا لهم، إلا لم يرح رائحة الجنة!

أنتِ أيتها المرأة، اعلمي وتيقني أن عزك وشرفك، هو الذي ينفعك إذا وقفت بين يدي ربك، فقد أكثر الله من خطابك وأمرك، فقال: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].

 

اللهم استر نساءنا ونساء المسلمين أجمعين………….


[1] السنن الكبرى للبيهقي (9051).

[2] فتح الباري (8/ 490).

[3] “الكشاف (3/ 287)، وشرح سنن أبي داود لابن رسلان (16/ 364.

[4] تفسير القرطبي (14/ 244).

[5] أخرجه ابن سعد (8/ 49- 50)، ومالك (3/ 103) بنحوه، والبيهقي (2/ 235). ومداره على أم علقمة مرجانة، ذكرها ابن حبان في (الثقات) (1/ 236)، جلباب المرأة المسلمة (ص 126).

[6] السنن الكبرى للبيهقي (13534).

[7] رواه البخاري (4141)، ومسلم (2770).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
تحميل كتاب دراسات في تجليات التراث الشعبي المصري pdf
تحميل كتاب جرائم الإفلاس ؛ الإفلاس الإحتيالي والإفلاس التقصيري pdf