دور الدعم المالي في نجاح الدعوة الإسلامية
دور الدعم المالي في نجاح الدعوة الإسلامية
بعد أن انفصلتِ الدعوة عن الدولة في معظَم البلاد المسلمة، وبالطَّبْع في البلاد غير المسلِمة، بحيث فقدتِ الدعوة الدور التأثيري للدولة التي تدعمُها في تجميعها، وفي تغطية حاجاتها، بعد هذا الانفصال وهذا الفقْد، واجهتِ الدعوة والدعاة إشكالياتٍ ومعوقات شتَّى.
فاصطدمتِ الدعوة بالتفرُّق والشتات، فلم يعد التجمُّع الرُّوحي والحسي لأبنائها شيئًا لازمًا لوجودِها كما كان إبَّان اتحاد “الدولة والدعوة”.
كما ابتليتِ الدعوة بالتضييق تارةً، وبالتكالب عليها تارات، جرَّاء فقْدِها لـ “الدولة” الحامية لها، والقائِمة عليها.
ومِن هذه المعوقات التي تواجه الدعوةَ والدعاة في الواقِع المعاصِر بعد هذا الانفصال، مشكلة “الدعم المالي”، الذي به تُغطي الدعوةُ حاجاتِها المختلِفةَ في شتَّى ميادينها ومجالاتها؛ إذ فُقدتِ الدولة التي تغذيها ضدَّ تحدياتها ومشكلات دعاتها.
كل دعوة تحتاج لدعم مالي:
وتَزداد إشكاليات الدعْم المالي للدعوة الإسلاميَّة ومشاريعها الإقليميَّة والعالمية، عندما تواجه دعواتٍ مختلفةً متغايرة ذات إمكانيات مُتضاعِفة على الدعوة الإسلاميَّة، تلك الدعوات التي تُغذي مشاريعَها بلادٌ ومنظمات ذات ثقل وتكتُّلات عالية.
فلا تتعادل كِفَّتا ميزان الصِّراع، في الوقتِ الذي تقوم فيه حركةُ الدعم المالي للمشروع الإسلامي على أفراد فقط، أو على جِهات اكتنف عملَها غموضٌ وتدخُّلات خارجيَّة بقصْد التضييق عليها أو تحجيم مجالاتها.
وأوضحُ مثالٍ على هذا: مواجهة الدعوة الإسلامية ودُعاتها للمشروع التنصيري، سواء في قلْب العالَم العربي الإسلامي، أو في إفريقيا وبعض دول آسيا التي تحظَى بأغلبية مسلِمة، فإنَّ هذا المشروع يدعم ماليًّا على أعلى مستوى ممكن، في حين أنَّ المشروع الإسلامي المضاد له، لا أقول المقابل مِن حيث غزو الشُّعوب النصرانيَّة بالإسلام – في حين أنَّ المشروع الإسلامي لا يحظَى بعُشر إمكانيات هذا المشروع التنصيري!
وهذا مشروعٌ واحد، فضلاً عن المشروع الصهيوني، أو الشِّيعي، أو الصوفي، أو التغريبي… إلخ.
وأما على المستوى الفرْدي للدُّعاة، فإنَّ ما تُعانيه عامَّةُ الشعوب المسلِمة من الفقر والحاجة ليعكسَ لنا الأوضاع الضيِّقة لأصحاب الدعوات في تلك البلاد، فهم جزءٌ مِن المجتمع، والدعوة إلى الله تتطلَّب مِن الحاجة المالية ما لا يقدِر عليه الدعاةُ المتطوِّعون.
وتكثر متطلَّباتُ الدعوات المالية كلَّما اتَّسعتْ مجالات عملها.
الدعم المستطاع:
وإذا كانتْ أزمة الدعْم المالي للدعوة الإسلاميَّة أزمة “كيان” يقوم بتلك الدعوة، فإنَّ هذا لا يَعني بحالٍ ترْكَ الدُّعاة إلى الله تعالى طرْقَ السبُل لإيجاد الحلول المستطاعة في ظلالِ قوله – تعالى -: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].
فعلى كلِّ داعية إلى الله تعالى أولاً أن ينهضَ هو بمشروعه الدعوي ماليًّا، فيبحث عن السُّبل الصحيحة لاكتفاءِ دعوته، سواء بمُعاونة أصحابِ القُدرة المالية، أو بإنشاء المشاريع التجاريَّة الرِّبحيَّة للدَّعوة وحاجاتها.
والحقُّ أنَّنا كطلاَّب عِلم أو دُعاة إلى الله كثيرًا ما تخمد حماسةُ تحرُّكِنا، أو حتى تفكيرنا في إيجاد الحُلُول الدعويَّة، فنجد طلاَّب عِلم جيدين أو دعاة يحبون التحرُّكَ لدين الله تعالى قد قعَد بهم العجز، وأثناهم عن مطالبِهم عند أوَّل عقبة أو معوق!
ولعلَّ هذا العجز عن إدراك غاياتنا في الواقِع يرجِع لقُصُور التصوُّر الكامل للمشروع الدعوي، وأي مشروع دَعوي كان يلزمه التفاعُل الجدِّي مع مشكلاته في الواقِع، فليس لطالِبِ العِلم أو الداعية أو صاحِب الدعوة، أو حتى العالِم – أن تُغيِّبه مجالاتُ عمله وتخصُّصه عن مكملات هذا العمل كما هو الحال في قضيةِ الدعْم المالي.
فنحن إذًا بحاجة لإيجاد مخارِج لمشكلاتنا بأيدينا، وهذه الحاجَة قد تَعْني الخروجَ عن مألوفاتنا الدعويَّة التي نمارِسها، إلا أنَّ مُقتضَى العبودية يحتِّم علينا السيرَ مع سُنن الله تعالى التي منها أخذ أسباب النجاح وتذليل العَقَبات.
أولويات الجمع والإنفاق:
مِن المشكلات التي تتضخَّم بها حاجة الدعْم المالي للدعوة، مُشكلة الفوضويَّة التي تمارِس بها عملية “الجمْع”، وعملية “الإخراج”؛ أعْني: جمْع المال مِن وجوهه، وإخراجه لمستحقِّيه مِن أبناء الدعوة.
فعمليةُ جمْع المال وتوزيعه في السُّبل الدعويَّة في الواقِع تحتاج لترشيدٍ كبيرٍ، حتى تُؤتي ثمارَها المرجوَّة على قدْر حجمِها؛ بحيث يُنظر لفِقه الأولويات بعين أدقَّ وأحذق، فيُقدم ما يستحقُّ، وما هو واجِب الوقت.
كما يجب أن يَزداد وعْي المنفقين بواجبِهم نحوَ الدعوة، بحيث لا تخرُج الدعوة عن أولوياتهم في النَّفَقة والبذْل، أو تؤخَّر كما هو مشاهَد، وصناعة هذا الوعي دورٌ آخَر للدُّعاة إلى الله، عليهم أن يُراعوا فقهَه جيدًا.
ومِن الضروري هنا الإشارةُ إلى أهميَّة فصْل دور الدُّعاة أو طلاَّب العِلم المدعومين بالمال عن دَور المنفقين الباذلين الداعمين للدعوةِ وأهلها؛ وذلك حتى يحفظ على أهل الدعوة هيبتَهم الواجبة أولاً، وحتى تخلص النُّفوس مِن آفات الإعطاء والأخْذ ثانيًا.
رسل الدعوة:
وعلى الذين يَعملون في جمْع التبَرُّعات والنفقات للدعوة أنْ يكونوا على قدْرِ ثِقة الدعوة وأهلها فيهم، وقدْر ثِقة المتبرِّعين المتصدقين لها، فإنَّ المال فِتنة يجب الحذرُ منها، كما أنَّهم رُسل الدعوة وواجهتها، وأيُّ خطأ منهم يُحسَب على الدعوة كما يُحسَب على دُعاتها.
كما أنَّ عليهم أن يُنمُّوا تلك الأموالَ ما استطاعوا.
وبعد:
فإنَّ الدعم المالي للدعوةِ الإسلاميَّة في كلِّ مكان أو زمان رُكنٌ من أركانها، يتَّضح أثرُه للعاملين في الحقْل الدعوي جليًّا.
وقد قامتِ الدعوة الإسلامية يومَ قامتْ يُغذيها أصحابها بالمال، ويُقدمونه كما يُقدِّمون أنفسهم تمامًا؛ مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 11].
وقال عبدُالرحمن بن سَمُرة – رضي الله عنه -: جاء عثمانُ – رضي الله عنه – إلى النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – بألْف دِينار في كمِّه حين جهَّز جيش العُسرة، فنثرها في حجْره، فرأيتُ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقلبها في حجرِه، ويقول: ((ما ضرَّ عثمانَ ما عمِل بعدَ اليوم))؛ أحمد والترمذي وغيرهما، وحسَّنه الألباني في “المشكاة”.
وإنما لم يضرَّه ما عمِل بعدَ اليوم لعِظم ما قدَّم للدعوة.
والحمدُ لله ربِّ العالَمين.