صرخة في وجوه المجرمين ووقفة مع المسلمين في زمان التطاول على القرآن الكريم
صرخة في وجوه المجرمين
ووقفة مع المسلمين في زمان التطاول على القرآن الكريم
الحمد لله حمدًا كثيرًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:
﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32]، كتاب الله القرآن الكريم هدايتُنا وعزُّنا ونورنا على الطريق إليه سبحانه وتعالى، في قلوبنا وبين خَلَجَات أنفسنا، ومكنون في أرواحنا، ومطمئنة به عقولنا، ولو كره الكافرون.
• تكفَّل الله بحفظه للقرآن الكريم، فهو محفوظ في الصدور قبل السطور؛ قال ربنا سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فالله حفِظ كتابَه من التبديل والتحريف؛ فلا ينقص منه شيء ولا يزيد.
إن القرآن آيةُ الله الكبرى، والمعجزة الإلهية الخالدة، الدالة على حقيقة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد تحدى الله به الإنس والجن؛ فقال عز من قائل: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].
وراء هذه المصائب كلها هم اليهود الحاقدون الذين هم أشد عداوة للذين آمنوا بنص القرآن الكريم: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة: 82].
حملة الكراهية والبغض والعداء للإسلام لم تتوقف:
الحرب على الحجاب وسن القوانين التي تُضيِّق على حرية المسلمة في طاعة ربها وستر نفسها.
منع بناء المآذن والتضييق على بناء المساجد.
سب الرسول صلى الله عليه وسلم والنَّيل منه عن طريق الرسومات المسيئة أو الأفلام الساخرة.
ثم جاء حرق المصحف على يد عرب وغيرهم.
وهذا كله دليل على إفلاس الغرب في ميدان الحُجَّة، وانبهارهم بهذا المد الإسلامي الهائل الذي أفقدهم توازنهم، وهم لا يجدون حيلة في دفعه، ولا وسيلة في الحد منه ووقف امتداده، فجاءت هذه التصرفات الحمقاء كدليل على العجز في ميدان الحجة والدليل والبرهان، واستهداف القرآن والمقدسات ليس جديدًا، فمن الآيات الشيطانية إلى الرسوم الساخرة بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، إلى العزم على تخصيص يوم عالمي لحرق القرآن الكريم.
بعد أن أحرق النصراني العراقي في السويد المصحفَ الشريفَ، يأتي المصري الخبيث الآخر بالإساءة البالغة لكتاب الله والبصق عليه، ووصفه بأوصاف بالغة القذارة، ثم صب الخمر عليه، والوقوف عليه بحذائه القذرة، عليه من الله ما يستحق، ظاهرًا بوجهه القذر، واسمه الذي ذكره إن كان هو اسمه الحقيقي.
والمسلمون من الشعبين الشقيقين العراقي والمصري لا يرضَون بهذه الإهانة لكتاب الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللدين الحق؛ لذلك فالمسلمون يطالبون بمحاكمة هؤلاء المجرمين الذي جرحوا مشاعر مليارات المسلمين في جميع أصقاع الأرض.
واجبنا نحو القرآن الكريم:
حقُّ القرآن علينا كبير، وواجبنا نحوه عظيم، فمن حقه علينا الاعتقادُ فيه بعقيدة أهل السنة والجماعة؛ فهو كلام الله عز وجل، مُنزَّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلَّم الله به قولًا، وأنزله على رسوله وحيًا، ولا نقول: إنه حكاية الله عز وجل أو عبارة، بل هو عين كلام الله، حروفه ومعانيه، نزل به من عند الله الروح الأمين، على محمد خاتم المرسلين، وكل منهما مبلِّغ عن رب العالمين، ومن حقه علينا إنزاله منزلتَه، وتعظيمُ شأنه، واحترامه وتبجيله وكمال محبته؛ فهو كلام ربنا ومحبته محبةٌ لقائله؛ قال ابن عباس رضي الله عنه: “من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله، فليعرض نفسه على القرآن، فإن أحب القرآن فهو يحب الله، فإنما القرآن كلام الله”، ومنها تعلُّم علومه وتعليمه والدعوة إليه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه))[1]، فهو أفضل القُرُبات، وأكمل الطاعات؛ قال خباب رضي الله عنه: “تقرَّب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إلى الله بشيء أحبَّ إليه من كلامه”.
فاحرص – أيها الأخ الحبيب – على تعلم تلاوته وتجويده، وكيفية النطق بكلماته وحروفه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكِرام البَرَرة، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران))[2]، ثم أليس من الخزي – وأي خزي – أن يشيب الرجل في الإسلام وهو لا يحسن تلاوة القرآن؟! واحذر – وفقك الله – من القول فيه بلا علم أو برأيك؛ فهذا أبو بكر الصديق لما سُئل عن آية من كتاب الله لا يعلم معناها، قال: “أي أرض تُقِلُّني، وأي سماء تُظِلُّني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم”[3]. واحرص – حرَّم الله وجهك على النار – على الإخلاص عند قراءته وتعلُّمه وتعليمه؛ فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة: ((… ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأُتِيَ به فعرَّفه نِعَمَه فعرَفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليُقال: عالم، وقرأت القرآن ليُقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمِرَ به فسُحب على وجهه حتى أُلقِيَ في النار))[4].
ومنها المحافظة على تلاوته وترتيله؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29]، نعم، كيف تبور تجارتهم وربحهم وافر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))[5].
فاحرص – حفظك الله – أن يكون لك وِرْدٌ يومي لا تتخلف عنه أبدًا، يفضي بك إلى ختم كتاب الله تعالى بصورة دورية، ولتكن قراءتك للقرآن بتدبر وخشوع، تقف حيث يحسُنُ الوقوف، وتصل حيث يحسن الوصل، إن مررت بآية وَعْدٍ سألت الله من فضله، وإن مررت بآية وعيد تعوَّذت، وإن مررت بآية تسبيح سبَّحت، وإن مررت بسجدةٍ سجدت، واجتهد في تحسين صوتك بالقرآن، والتغنِّي به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما أذِن الله لشيء ما أذِن لنبيٍّ حسن الصوت يتغنَّى بالقرآن يجهَر به))[6]، ومعنى (أذِن): أي استمع، وليكن لِلَيْلِكَ نصيب وافر من قراءتك وقيامك، فهو وقت الأخيار، وغنيمة الأبرار؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا حسدَ إلا في اثنتين: رجل أتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار…))[7]؛ [الحديث]؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79]، ومنها فَهم معانيه وتدبُّرها، ومعرفة تفسيره والاتعاظ به.
فالقرآن ما نزل إلا للتدبر والتفكر، والفَهم والعمل؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وكيف يطيب لعبدٍ حالٌ، ويهنأ بعيش أو منام، وهو يعلم أنه سيلقى الله تعالى يومًا وكتابه بين يديه، ولم يُحْسِنْ صُحبته، وقد يكون حجة عليه؟
ومنها الحرص على حفظه وتعاهده؛ فهو غنيمة أصحاب الهمم العالية، والعزائم الصادقة، لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارة السلامة من النار؛ حيث قال: ((لو جُمِع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار))[8].
ومن واجبنا نحو القرآن: إقامة حدوده والعمل به، والتخلُّق بأخلاقه، وتحكيمه؛ فالعمل به أساس النجاح والفَلَاح في الدنيا والآخرة، وهَجْرُه طريق الذِّلَّة والهلاك في الدنيا والآخرة؛ فعن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأى في منامه رجلًا مضطجعًا على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفِهْرٍ أو صخرة، فيَشْدَخ به رأسه، فإذا ضربه تَدَهْدَهَ الحَجَرُ، فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه… فسأله عنه… فقيل له: إنه رجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار، يُفعَل به إلى يوم القيامة…))[9].
أخي الكريم:
قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].
فتركُ تصديقه من هِجرانه، وترك تدبُّره وفَهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شِعْرٍ أو غناء أو لهوٍ من هجرانه، وهجر القرآن طريق إلى أن يكون القرآن حُجَّة على العبد يوم القيامة.
اللهم اجعل القرآن ربيعَ قلوبنا، ونورَ صدورنا، وحجةً لنا لا علينا.
اللهم اجعله مهيمنًا على البلاد والعباد.
اللهم اكفنا شر أعداء الإسلام والمسلمين.
وسلِّط الظالمين على الظالمين، وأخْرِجِ المسلمين سالمين، أنت حسبنا ونعم الوكيل يا ذا الجلال والإكرام. آمين.