صفات لله تعالى ثابتة على الحقيقة لا المجاز
صفات لله تعالى ثابتة على الحقيقة لا المجاز
وأهل السنة والجماعة يعتقدون ويؤمنون بأسمائه الحسنى وصفات العلا، وبما دلت عليه من معنى، وبما تعلَّق بها من أثرٍ، ويُمرِّرونها كما جاءت، ويفوِّضون كيفيتها، ويقطعون الطمع عن إدراك تلك الكيفية.
أهل السنة والجماعة يعتقدون أن صفات لله تعالى ثابتة على الحقيقة لا المجاز، ولقد أجمع سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين على إثبات الصفات الواردة لله تعالى في الكتاب والسنة على الحقيقة لا المجاز؛ قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي (ت: 280 هـ) – رحمه الله -:
“ونحن قد عرفنا بحمد الله تعالى من لغات العرب هذه المجازات التي اتَّخذتموها دُلسة وأُغلوطة على الجهال، تنفون بها عن الله حقائق الصفات بعلل المجازات، غير أنا نقول: لا يُحكم للأغرب من كلام العرب على الأغلب، ولكن نصرف معانيها إلى الأغلب حتى تأتوا ببرهان أنه عنى بها الأغرب، وهذا هو المذهب الذي إلى العدل والإنصاف أقرب، لا أن تعترض صفات الله المعروفة المقبولة عند أهل البصر، فنصرف معانيها بعلة المجازات”[1].
وقال الإمام الطبري (ت: 310 هـ) – رحمه الله-: “فإن قال لنا قائل: فما الصواب في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز جل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قيل: الصواب من هذا القول عندنا أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى عن نفسه جل ثناؤه، فقال: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
إلى أن قال – رحمه الله-: “فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يُعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه فنقول: يسمع جل ثناؤه الأصوات، لا بخرق في أذن، ولا جارحة كجوارح بني آدم، وكذلك يبصر الأشخاص ببصر لا يشبه أبصار بني آدم التي هي جوارح لهم، وله يدان ويمين وأصابع، وليست جارحة، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير، ووجه لا كجوارح بني آدم التي من لحم ودم، ونقول: يضحك إلى من شاء من خلقه، لا تقول: إن ذلك كشر عن أنياب، ويهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا” [2].
وقال الإمام أبو أحمد محمد بن علي بن محمد الكرجي المعروف بالقصاب (ت: 360هـ) – رحمه الله – في الاعتقاد القادري الذي كتبه لأمير المؤمنين القادر بأمر الله (سنة: 433هـ)، ووقَّع على التصديق على ما فيه علماء ذلك الوقت، وأرسلت هذه الرسالة القادرية إلى البلدان؛ قال: “لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به نبيُّه، وكل صفة وصف بها نفسه، أو وصفه بها نبيُّه، فهي صفة حقيقية لا صفة مجاز، ولو كانت صفة مجاز لتحتَّم تأويلها، ولقيل: معنى البصر كذا، ومعنى السمع كذا، ولفسِّرت بغير السابق إلى الأفهام، فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل، عُلم أنها غير محمولة على المجاز، وإنما هي حق بيِّن”[3].
وقال الإمام الحافظ الذهبي (ت: 748هـ)، معلقًا على كلام القصاب: “ولو كانت الصفات تُرَدُّ إلى المجاز، لبطل أن تكون صفات لله، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فهو موجود حقيقة لا مجازًا، وصفاته ليست مجازًا، فإذا كان لا مثل له ولا نظير: لزم أن تكون لا مثل لها” [4].
وقال الإمام أبو عمر بن عبد البر (ت: 463هـ) – رحمه الله -:
“ومن حق الكلام أن يُحمل على حقيقته؛ حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز؛ إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجَّه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه، ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادِّعاءُ المجاز لكل مدَّعٍ ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه” [5].
[1] يُنظر: نقض الدارمي على بشر المريسي، للدارمي: (2/ 855).
[2]– التبصير في معالم الدين، للطبري: ( ص: 141-145).
[3] نقلا عن ” المنتظم” لابن الجوزي في المنتظم في حوادث سنة 433هـ ، “سير أعلام النبلاء” (16/ 213).
[4] العلو للعلي الغفار، للذهبي: (ص 239وما بعدها). العلو للعلي الغفار في إيضاح صحيح الأخبار وسقيمها، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (ت 748هـ)، المحقق: أبو محمد أشرف بن عبد المقصود، الناشر: مكتبة أضواء السلف – الرياض، الطبعة: الأولى، 1416هـ – 1995م، عدد الصفحات: 268.
[5] التمهيد، لابن عبد البر: (7/ 131).