فائدة في أحوال اقتران الكلمة بـ (الألف واللام)
فائدة في أحوال اقتران الكلمة بـ (الألف واللام)
الحمد لله، تعتبر مسألة الألف واللام وأحوال اقترانها بالكلمات من الموضوعات المهمة في علم اللغة العربية، وخصوصًا في فهم معاني النصوص القرآنية. فقد تطرَّق الإمام الشافعي، رحمه الله، إلى بعض المسائل المتعلقة بهذا الموضوع في رسالته، مشيرًا إلى أن الألف واللام قد تفيدان العموم في بعض المواضع والخصوص في مواضع أخرى، وذلك تبعًا للسياق، ودلالات العهد والاستغراق والجنس، وفيما يلي فائدة من شرح الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد عبدالرحمن النقيب حفظه الله لكتاب الرسالة للشافعي بتصريف يسير.
أحوال اقتران الألف واللام بالكلمات:
إفادة الخصوص: الألف واللام العهدية:
إذا دلَّت الألف واللام على معنى الخصوص فهي تُعرف بالألف واللام العهدية، والتي تدل على شيء معلوم معروف مسبقًا؛ كما في قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ﴾ [المزمل: 15، 16]. وهنا تُشير “الرسول” إلى شخص معين معلوم، وهو موسى عليه السلام، بدلالة فرعون الذي كان النبي موسى مرسلًا إليه، مما يجعل الألف واللام عهديَّة للدلالة على الشخص المعهود.
إفادة العموم: الألف واللام الاستغراقية والجنسية:
أما إذا كانت الألف واللام تدل على معنى العموم، فإنها تتخذ أحد قسمين: إما الاستغراقية، أو الجنسية.
الألف واللام الاستغراقية:
وهي التي تفيد شمول الكلمة لجميع أجزائها أو أفرادها بلا حصر، بحيث لا يخرج منها شيء. يُطلق على هذا النوع من العموم “العموم الكلي أو الشمولي”، ومثال على ذلك قولنا: “عمَّهم المطر”؛ أي: شملهم جميعًا ولم يستثنِ أحدًا؛ كما جاء في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13]، حيث تشمل “الأبرار” هنا كل من اتصف بالبرِّ دون استثناء.
الألف واللام الجنسية:
هي التي تدل على الفرد الشائع في جنسه، كأن يُطلب فرد من جنسٍ معين دون تحديده، ويُعرف هذا النوع بـ”العموم البدلي”؛ مثال ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ [البقرة: 67]، فالمقصود هنا أي بقرة من جنس البقر دون تعيين، فجنس البقر بأكمله مطلوبٌ منه واحدة، سواء كانت حمراء أو صفراء أو غير ذلك.
تطبيقات الألف واللام في القرآن الكريم:
من الأمثلة القرآنية على دلالات الألف واللام ما ورد في قوله تعالى: ﴿ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ﴾ [النساء: 75]. هنا “القرية” جاءت بالألف واللام العهدية، ويُقصد بها “مكة” كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما. وكذلك في قوله تعالى: ﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ﴾ [الكهف: 77]، حيث لا يُقصد كل أهل القرية، بل بعضهم فقط، وهذا يدل على خصوصية ضمنية.
ألفاظ العموم في القرآن الكريم:
ومن أبرز الألفاظ الدالة على العموم الكلي الشمولي: الأسماء الموصولة، مثل “الذين” و”الذي”، أدوات الشرط، كـ”من” و”ما”، أدوات الاستفهام؛ مثل: “أين” و”كيف”، ألفاظ مثل “كل”، “عامة”، و”قاطبة”.
خاتمة:
أوضح الإمام الشافعي في رسالته مدى عمق تأثير الألف واللام في تحديد المعاني وتوجيه الفهم، فالألف واللام تُعطي الكلمات بُعْدًا دلاليًّا قد يشير إلى عموم المعنى أو خصوصيته. وتعد هذه المسائل اللغوية ذات أهمية في فهم النصوص الشرعية ودلالاتها، مما يؤكد على ضرورة التبحر في علوم اللغة العربية، لفهم القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فهمًا صحيحًا.