قلب سليم وآخر سقيم
قلب سليم وآخر سقيم
القلب السليم يعيش في هذه الدنيا مطمئنًّا، متصلًا بربه، واثقًا به، متوجهًا إليه، مستعينًا به، متوكلًا عليه، فيحيا في الدنيا سعيدًا مهما قست أحداثها، وتعقدت مواقفها، تجده حليمًا رحيمًا، يفوح بالنسيم، ويروح في النعيم كالزهور التي تنمو في الربيع، فتبعث العطر في الفضاء، والمحبة في الأجواء، والبهجة في نفوس الأقرباء والغرباء على السواء، ينبت الفرحة في قلوب من يعرفه، ويرسل الغبطة في صدر من يلتقي به، إنه أجمل وأنقى وأصفى القلوب، وأكثرها عفوًا وتسامحًا ورحمة!
القلب هو وديعة الله عندك، فلا تهمله، والقلب محل نظر الله عز وجل، فلا تشغله؛ بل لا بد أن يكون سليمًا طاهرًا مطهرًا، وهو أشرف وأنبل مضغة يمتلكها الإنسان، إن صلحت أصلحت جسده وحياته، وإن فسدت أفسدت آخرته وحياته، وهو طريقك إلى الله؛ لأن الطريق إلى الله لا يقاس بالمسافة، وإنما يقاس بالباقيات الصالحات، وهو ليس سفرًا بالأقدام؛ وإنما هو سير القلوب متجهة إلى الله.
القلب السليم مفعم بالتوحيد الخالص لله تعالى، الموحد الذي كان وحيدًا في الأرض، الخليل إبراهيم عليه السلام قلبه سليم: ﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الصافات: 84].
إن هذا القلب عملة نادرة؛ كالماس كلما اقتربت منه يزداد بريقًا وجمالًا، حنون مليء بالعطف والسعادة، يمنح الجميع الشعور بالراحة والأمان، ولا يصدر عنه إلا ما ينفع البلاد والعباد، لا يتغير مهما حدث، ولا يتلون لأي سبب، ولا يكره تحت أي ظرف، ولا يحقد مهما ضاقت الأفق، لديه رقة وتسامح وتصالح.
القلب السليم بين الخير والشر:
لقد خلق الله تعالى الإنسان، وعلمه البيان، ووضع فيه نوازع الخير ونوازع الشر، وجعل له قلبًا يميز به بين الغث والسمين، والخير والشر، والهدى والضلال، فإن كان قلبًا صافيًا اهتدى بنور القرآن، واستضاء بسنة المصطفى العدنان، انقاد للخير، وانساق للحق، وانطلق إلى الصواب، وتسابق لرضا الله.
وإن كان منكوسًا مربادًّا، أتبعه الشيطان؛ ومن ثم تطرقت الجوارح إلى الفساد، أحبت الضلال، ورغبت الزيغ، فكان القلب هو الملك، قال أبو هريرة رضي الله عنه عن القلب: إنه الملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خَبُث الملك خبثت جنوده.
لقد أرسل سعد بن أبي وقاص غنائم كسرى إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأخذ عمر رضي الله عنه يقلِّب هذه النفائس ويقول: إن قومًا أدّوا هذا لأمناء.
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “لقد عففت فعفَّت رعيتك، ولو رتعت لرتعوا” لماذا؟! لأنهم أصحاب قلوب مخلصة صالحة.
«أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ”؛ متفق عليه.
الاستقامة لا تنجح ولا تتحقق إلا مع القلب السليم، المستقيم كيف؟! قال صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيم قلبُه»؛ صحيح الترغيب.
لماذا سمي القلب بالقلب أو بالفؤاد؟ سُمي القلب من التقلُّب، قال الراغب الأصفهاني: قيل: سمي به؛ لكثرة تقلُّبه، وقال الزمخشري: مشتق من التقلُّب الذي هو المصدر؛ لفرط تقلبه، وقال الزرقاني: وسُمِّيَ به لتقلبه بالخواطر والعزوم”. قال الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لِنَسْيِهِ ولا القلبُ إلا إنه يتقلب
|
ولذلك قيل لأم سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: «يا مُقلِّب القلوبِ، ثبِّت قلبي على دينك».
وسمي القلب فؤادًا لِتَفَؤُّدِه؛ أي: توقده واحتراقه، وجميع الآيات التي ذكر فيها لفظ الفؤاد أو الأفئدة مكية، تحمل دلالة الاضطراب، أو الاحتراق، أو القلق، قال ربنا: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِه﴾ [القصص: 10].
صفات القلب السليم وروائعه:
القلب السليم: مخلص لله، وخالٍ من الكفر والنفاق ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 89].
القلب السليم: إذا أخطأت سامحك، وإذا بكيت احتضنك، وإذا حزنت واساك، وإذا فرحت هنأك، وإذا نجحت شجعك وكافأك، وإذا تعثرت أخذ بيدك وساعدك.
القلب السليم: يتسع لكل الأحباب، ويطرق كل الأبواب، ويملك معظم الأسباب، لديه صدق وإخلاص، عنده صبر وإحساس.
القلب السليم: يضع لك محبة في قلب من تلقاه كيف؟! هناك شخص تلتقيه أول مرة، تشعر بانجذاب نفسي نحوه فتحبه، إذا رأيته ينجذب قلبك إليه، لماذا؟ لأن قلبه فيه سلاسة، فيه سلامة، بياضه يغلب سواده، خيره يفوق شره، يحمل مضغة أصلحت جسده كله، هذا هو القلب السليم.
القلب السليم: كثيرًا ما يجُودُ بالحب لمن حوله، كثيرًا ما ينبض بالعطاء لمن يعرفه، كثيرًا ما يُسدي النصيحة لغيره.
القلب السليم: هو السالم، هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، يفرح لفرح الناس، ويحزن لحزنهم.
القلب السليم: القلب الذي قد صارت السلامة صفة ثابتة له، ضد المرض والعلل والسقم؛ أي: إنه الذي قد سَلِمَ من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض رسوله وكتابه.
القلب السليم: سَلِم من عبودية ما سواه، وسَلِمَ من تحكيم غير رسول الله، في خوفه ورجائه، في حركاته وسكناته، في سفره ومقامه، في التوكل على الله والإنابة إليه، في التذلل له، وإيثار مرضاته، وهذه حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده.
القلب السليم: خالٍ من الشرك، إنْ أحَبَّ أحَبَّ في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله.
القلب السليم: يجعل صاحبه قدوة في الأقوال والأعمال، من أقوال القلب وهي العقائد، وأقوال اللسان وهي الخبر عما في القلب، ومن ثم أعمال القلب وهي الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها، وأعمال الجوارح.
أصحاب القلوب السليمة، أين هم؟ وكيف هم؟!
أصحاب القلوب السليمة يتحايلون على الواقع بالحلم، ويتحايلون على الحلم بالأمل، ويتحايلون على الأمل بالحق، ويتحايلون على الحق بالصبر، ويتحايلون على الصبر بالعلم، ويتحايلون على العلم بمعرفة الله، والشوق إلى رضاه.
أصحاب القلوب السليمة: رغم ما ألَمَّ بهم مِن شدائد لا يُذيقون سواهم مرارة الحياة، ورغم ما أحاطهم من مكايد لا يعرفون طريق الجفاة.
أصحاب القلوب السليمة: يرمِّمون القلوب المشعورة، ويمسحون الرؤوس المكسورة، ويرسمون البسمة على الوجوه المغمورة.
أصحاب القلوب السليمة: لا يبنون عزهم على ذل الآخرين، ولا مجدهم على هدم الآخرين، ولا غناهم على إفقار الآخرين، ولا حياتهم على موت الآخرين.
أصحاب القلوب السليمة: تقرأ في أعينهم الإخلاص والسلام، يمنحونك أنفاسهم العطرة، وكلماتهم الطيبة، ينطلقون إلى جنة ربهم، فيحبُّون بشغف، ويشتاقون بلهف؛ لذلك فهم عملة نادرة في زمن الحقد والصلف.
أصحاب القلوب السليمة: يمنحون قلوب مَن حولهم سعادةً غامرةً، وأفراحًا عامرةً، وأنوارًا ساهرةً.
أصحاب القلوب السليمة: يحيون سعداء، ويعيشون وَدُودِين رحماء، يرتقون في عنان السماء، ويغردون في أجواء الفضاء، وخيالهم يضاهي اتساع الفضاء.
أصحاب القلوب السليمة: لا يسخرون، ولا يشمتون، ولا يهزؤون، يغضبون لربهم لا لأنفسهم، ولدِينهم لا لدنياهم.
أصحاب القلوب السليمة: قادرون -رغم الألم- على التسامح والعطاء، وجوههم ملوَّنة بالتفاؤل، يتعلمون من أخطائهم، ولوحاتهم ملوَّنة بالأمل، لا يتسرب إليهم ملل، ولا يتطرق لهم كلل.
أصحاب القلوب السليمة: تقية وعظيمة، صافية وحليمة، شفافة ورحيمة، تقترب منها الجنة، وتبحث عنها السعادة، وهي التي تنجي صاحبها يوم القيامة، ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِين﴾ [الشعراء: 88 – 90].
القلوب السقيمة:
لكنَّ هناك قلوبًا أخرى -أعاذنا الله- قلوبًا سقيمة، تفقد المشاعر النبيلة، والأحاسيس المرهفة؛ بل قد يصل بها الحال إلى التبلد والتصحر، هي كالحجارة، عُطلت عن العلم والمعرفة، فغرقت في دهاليز الغفلة والقسوة، كيف؟ ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة﴾ [البقرة: 74].
إنها قلوب عقيمة مملوءة بالحقد الأعمى، والمقت الأوفى، والبُغض الأردى، يتسرب منها الإيمان كما يتسرب السائل من الإناء المشعور، لا يرحمون صغيرًا، ولا يحترمون كبيرًا، يطمسون البهجة، ويدمرون السعادة، ويقتلعون السرور، ربما تصل بهم الدرجة إلى السحر، لا أقول: سحر البيان، ولا نور الحكمة، ولا جمال الطلة، وإنما يكذبون وينافقون.
أنواع القلوب السليمة:
القلب المنيب: هو دائم الرجوع والتوبة إلى الله، مقبل على طاعته، ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: 33].
القلب المستقيم: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه»؛ [رواه أحمد: ١٣٠٧١ وهو حديث صحيح].
القلب المخبت: الخاضع المطمئن الساكن ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُم﴾ [الحج: 54].
القلب الوجل: وهو الذي يخاف الله -عز وجل- ألا يقبل منه العمل، وألا ينجو من عذاب ربه ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون﴾ [المؤمنون: 60].
القلب التقي: وهو الذي يعظم شعائر الله، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
القلب المطمئن: يسكن بتوحيد الله وذكره، ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّه﴾ [الرعد: 28].
القلب الحي: قَلْب يَعْقِل مَا قَدْ سَمِعَ مِن الأحَادِيث التي ضَرَبَ اللَّه بِهَا مَنْ عَصَاهُ مِن الأُمَم، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ق: 37].
أنواع القلوب السقيمة:
القلب المريض: أصابه مرض مثل الشك أو النفاق، وفيه فجور ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: 32].
القلب الأعمى: وهو الذي لا يبصر ولا يدرك الحق والاعتبار، ﴿وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46].
القلب اللاهي: غافل عن القرآن الكريم، مشغول بأباطيل الدنيا وشهواتها، لا يعقل ما فيه ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُم﴾ [الأنبياء: 3].
القلب الآثم: وهو الذي يكتم شهادة الحق ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُه﴾ [البقرة: 283].
القلب المتكبر: مستكبر عن توحيد الله وطاعته، جبار بكثرة ظلمه وعدوانه، ﴿قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: 35].
القلب الغليظ: وهو الذي نُزعت منه الرأفة والرحمة، ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].
القلب المختوم: لم يسمع الهدى ولم يعقله ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِه﴾ [الجاثية: 23].
القلب القاسي: لا يلين للإيمان، ولا يؤثر فيه زجر، معرض عن ذكر الله ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ [المائدة: 13]، ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّه﴾ [الزمر: 22].
القلب الغافل: غافل عن ذكر الله، وآثر هواه على طاعة مولاه، ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ [الكهف: 28].
القلب الزائغ: مائل عن الحق، ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ [آل عمران: 7].
القلب المريب: شاكٍ متحير، ﴿وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: 45].
القلب المنكر: ينكر الحق ويستكبر، ﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُون﴾ [النحل: 22].
القلب المغمور؛ أي: جاهل غافل ساهٍ، ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُون﴾ [المؤمنون: 63].
جند الكرامة والنصر والعزة:
إن أصحاب القلوب السليمة يؤسسون مجتمعات عظيمة، يحافظون عليها، ويدافعون عنها، وأفضل من مَلَكَ هذه القلوب.
نعم، قلوبهم سليمة، كلهم همة وعزيمة، وإرادتهم عظيمة، يترجمون مقولة سيدنا خالد بن الوليد:
“سنأتيكم برجال يُحبون الموت كما تُحبون أنتم الحياة”.
هؤلاء هم أسود غزة الأبيَّة المستعصية على أعتى قوة في الأرض، فاجؤوا الأعداء والأصدقاء، بسالتهم وصبرهم، وكأنهم جاءوا من عهد الصحابة، لا يهابون الموت، ولا يخشون العدو.
جند فلسطين يستمرئون الْمُرَّ، ويستعذِبون العذاب، ويستهينون بالصعاب، لا يبالون بالأحجار في طريقهم، ولا يلتفتون للطعنات في ظهورهم، ولا يقفون عند المؤامرات تُحاك لهم، قد يتعثرون؛ لكن سرعان ما ينهضون، قد يُجْرَحون؛ لكن سرعان ما تندمل جروحهم، لا يستسلمون لليأس، ولا يفقدون نور الأمل؛ لأنهم طلاب المعالي، والباحثون عن الرفعة والمجد، شعارهم:
لا تحسب الْمَجْد تَمرًا أنت آكِلُه لن تبلُغَ المجدَ حتى تَلعَقَ الصَّبِرا
|
أما أصحاب القلوب العقيمة، تراهم يفسدون في المجتمعات ويدمرونها، خاصة ولو كانوا ملوكًا ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 34]، إذا تولوا سعوا في الأرض ليفسدوا فيها ويهلكوا الحرث والنسل ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205].
“المرء بأَصْغَريه”: كان بين وفود المهنئين لعمر بن عبدالعزيز بالخلافة غلام حجازي، وكان الوفد قد اختار الغلام ليتكلم عنهم، وهو أصغرهم، فلما بدأ بالكلام قال له عمر: مهلًا يا غلام، ليتكلم من هو أسنُّ منك، فقال الغلام: “المرء بأصغريه: قلبه ولسانه”، فإذا منح الله العبد لسانًا لافظًا وقلبًا حافظًا، فقد استجاد له الحلية، يا أمير المؤمنين، لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أسنُّ منك؛ أي: أحق بمجلسك هذا ممن هو أكبر منك سنًّا، فقال عمر: تحَدَّث يا غلام، قال: نعم، نحن وفود التهنئة لا وفود المرزئة، قدمنا إليك من بلدنا، نحمد الله الذي منَّ بك علينا، لم يخرجنا إليك رغبة ولا رهبة، فأعجب عمر بفصاحة الغلام، وسداد رأيه، ثم نظر عمر في سن الغلام فإذا هو قد أتت عليه بضع عشرة سنة، فأنشد يقول:
تعلم فليس المرء يولد عالمًا وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه المحافل
|
اللهم ثبت قلوبنا على دينك، وارزقنا حبك وحب رسولك، اللهم بيِّض وجوهنا، وطهِّر قلوبنا، وثقِّل موازيننا، وجمِّل حياتنا، وأصلح آخرتنا.