محبة النبي صلى الله عليه وسلم اتباع لا ابتداع (خطبة)


محبة النبي صلى الله عليه وسلم اتِّباعٌ لا ابْتِداع

 

1- وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

2- علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

3- التحذير من البدع والْمُحْدَثات.

 

الهدف من الخطبة:

التذكير بوجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وعلامات هذه المحبة، وأنها ليست مجرد شعارات تُقال، أو احتفالات تُقام، وإنما اقتداءٌ والتزام، والتحذير من البدع والمحدثات.

 

مقدمة ومدخل للموضوع:

أيها المسلمون، عباد الله، إن من أعظم ما يتقرب به المسلم إلى الله تعالى محبةَ النبي صلى الله عليه وسلم، ومتابعتَه، ونشر سُنَّتِهِ والذَّبَّ عنها، فلا يتذوق العبد حلاوة الإيمان، إلا بتمام محبته صلى الله عليه وسلم.

 

ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذَفَ في النار)).

 

بل لا يصل العبد إلى كمال الإيمان إلا بتمام محبته صلى الله عليه وسلم.

 

ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده، ووالده، والناس أجمعين)).

 

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتفقَّد ويقيس ترمومتر إيمانه؛ فيقول: ((يا رسول الله، لَأَنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن، والله، لأنت أحب إليَّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر))؛ أي: الآن يتحقق الإيمان ويتم.

 

ومحبته صلى الله عليه وسلم من مؤهلات رفقته يوم القيامة.

فقد روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه، قال: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، متى قيام الساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا أعددتَ لها؟ قال: يا رسول الله، ما أعددتُ لها كبيرَ صلاةٍ ولا صوم، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع مَن أَحبَّ، وأنت مع من أحببتَ؛ يقول أنس: فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بهذا)).

 

وهذا ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبِّر عن هذا الحب الشديد له، فيأتيه ذات يوم وقد تغيَّر لونه يُعرف الحزن في وجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما غيَّر لونك؟ فقال: يا رسول الله، ما بي مرضٌ ولا وجع، غير أني إن لم أرَكَ، استوحشتُ وحشةً شديدةً حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرةَ فأخاف ألَّا أراك لأنك تُرفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة كنتُ في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69])).

 

ولذلك من الدعوات الطيبات التي نغفُل عنها: “اللهم إني أسألك مرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في الجنة”؛ لأن هناك من يُحشَر – والعياذ بالله – مع الساقطين والساقطات من الممثِّلين والمطربين والمطربات، فهذا هو السبب الثالث أننا نحبه صلى الله عليه وسلم، آمِلين أن نُحشَرَ معه، وأن ننال شفاعته، وأن نشرب من حوضه الشريف، وأن نكون معه بمنزلته في الجنة.

 

الوقفة الثانية: علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم:

 

أيها المسلمون، عباد الله، لقد تغير مفهوم محبة النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض ممن يدَّعي محبته، فبعد أن كانت هذه المحبة عند الصحابة رضوان الله عليهم تعني تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على كل شيء، وطاعته واتباعه في كل أمر، صار مفهومها عند مدَّعي المحبة هو تأليف صلوات وأذكار مبتدعة، وعمل موالد، وإنشاد القصائد والمدائح، وإقامة الحفلات والرقصات.

 

فإن المحب للنبي صلى الله عليه وسلم حقيقةً هو ذلك المعظِّم لسُنَّته، العامل بشريعته، المقتدي به في أقواله وأعماله صلى الله عليه وسلم.

 

فما هي علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم؟ حتى تتمايزَ الصفوف، ويُعلَم الصادق في محبته من الكاذب:

 

1- أولى هذه العلامات: الإيمان به وتصديقه فيما أخبر صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136].

 

وقال تعالى: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [التغابن: 8].

 

2- ومنها توقيره حيًّا وميتًا، وتوقير سُنَّته صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الفتح: 8، 9].

 

وأثنى الله تعالى عليهم: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

 

3- ومنها طاعته فيما أمر ونهى عنه وزجر، والاستجابة والامتثال لِشَرْعِهِ؛ فقد أوجب الله تعالى علينا طاعته صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [التغابن: 12].

 

وأخبر الله تعالى أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله تعالى، فهما قرينتان؛ فقال تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80].

 

4- ومنها متابعته وترسُّم خُطاه وتطبيق سنته؛ فهو الأسوة والقدوة الحسنة، والنموذج الكامل الجدير بالمتابعة:

قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

 

وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].

 

5- ومنها نشر سنته والذب عنها والغَيرة عليها، ولا يكون ذلك بالشعارات، وإنما بالأفعال والاقتداء والمتابعة.

 

ومن الصور المقترحة لنشر السُّنَّة:

استغلال مواقع التواصل ونشر الأحاديث.

 

تعليم الناس السنن المهجورة، انشر كل يوم سنة مَنْسِيَّة.

 

6- ومنها الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، والإكثار من ذلك:

فقد أمر الله تعالى بها في كتابه؛ حيث قال جل في علاه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

واعلم أنها قُرْبَةٌ جليلة، ولها فضائلُ عظيمة، فهي سبب لمغفرة الذنوب وزوال الهموم، وهي سبب لثناء الله تعالى على العبد، وهي سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم، ولها أوقات وأحوال يُستحَبُّ الإكثار منها؛ مثل: يوم الجمعة، وعقب الأذان، وقبل الدعاء وبعده، وعند ذكر أو سماع اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم.

 

نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

الخطبة الثانية

مع الوقفة الثالثة: في التحذير من البدع والمحدثات:

أيها المسلمون، عباد الله، إن الله تعالى قد أوجب على كل مسلم ومسلمة اتباعَ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن سار على نهجه فقد اهتدى، ومن خالف سُنَّته فقد ضلَّ وغَوَى.

 

قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54].

 

فطريقه صلى الله عليه وسلم هو الصراط المستقيم، وسبيله هو النهج القويم.

 

قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

 

واتباعه صلى الله عليه وسلم هو الشرط الثاني من شرطَي قَبول العمل الصالح؛ فيجب على كل مسلم طاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألَّا يعبدَ الله إلا بما شرع، وهذا من معنى الإيمان بأنه رسول الله.

 

ولقد تكاثرت الأحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم في التحذير من البدع، والنهي عنها، وبيان خطرها الشديد؛ فإن البدع الْمُحْدَثَة في الدين لَهي من أعظم المعاصي، وأشنع الذنوب، وأغلظ السيئات، وأثقل الأوزار، والأدلة على ذلك كثيرة؛ فمنها:

 

1- أن الأمور الْمُحْدَثة في الدين محكومٌ عليها بأنها شرٌّ، وبدعة، وضلالة:

قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104].

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح زاجرًا أُمَّتَه، ومحذرًا من البدع والْمُحْدَثات: ((إياكم ومُحْدَثاتِ الأمور، فإن كلَّ مُحْدَثَةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة)).

 

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: ((أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهَدْيِ هَدْيُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)).

 

2- ومنها أن الأمور المحدثة في الدين ميلٌ وانحراف عن صراط الله المستقيم:

قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

 

عن مجاهد رحمه الله أنه قال في قوله: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ [الأنعام: 153]، قال: “البدع والشُّبُهات”.

 

قال سفيان الثوري رحمه الله: “البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن البدعة لا يُتاب منها، والمعصية يُتاب منها”.

 

3- ومنها أن الأمور المحدثة في الدين مردودة على صاحبها، لا يقبلها الله منه إذا اخترعها، أو فعلها، أو نشرها.

 

ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))، وفي رواية لمسلم: ((من عمِلَ عَمَلًا ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ)).

 

4- ومنها أن الأمور المحدثة في الدين وقوع في الفتنة، والعذاب الأليم:

عن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: “سمعت أنس بن مالك، وأتاه رجل، فقال: يا أبا عبدالله، مِن أين أُحْرِم؟ قال: من ذي الحُلَيْفَةِ، من حيث أَحْرَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد أن أُحرِم من المسجد من عند القبر، فقال: لا تفعل؛ فإني أخشى عليك الفتنة، فقال: وأي فتنة في هذه؟ إنما هي أميال أزيدها، قال: وأي فتنة أعظم من أنك ترى أنك سبقت إلى فضيلةٍ قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إني سمعت الله يقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]”.

 

5- ومنها أن الأمور المحدثة في الدين سببٌ للإبعاد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

فقد جعل الله تعالى الورودَ على حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة علامةً على صحة الاتباع، وبيانًا لحال من خالف الهَدْيَ النبوي، فلا يرد على الحوض إلا أهل السُّنَّة، أما أرباب البدع والانحرافات والأهواء، فهم أبعد الناس عن الورود، عافانا الله وإياكم من ذلك.

 

ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألَا لَيُذَادَنَّ رجالٌ عن حوضي كما يُذاد البعير الضالُّ أناديهم: ألَا هلمَّ، فيُقال: إنهم قد بدَّلوا بعدك، فأقول: سحقًا، سحقًا))، وفي رواية: ((فَلَيُذَادَنَّ رجال عن حوضي)).

 

وفي رواية: ((وليردَنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يُحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا لمن بدَّل بعدي)).

 

6- ومنها أن الأمور المحدثة في الدين متوعَّد عليها بالعذاب في النار:

عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ((إن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)).

 

وإن من هذه البدع والمحدثات: ما يفعله بعض الناس من إقامة الاحتفال بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فإنك إذا نظرت في تاريخ هذا العمل وبداية نشأته ووجوده، فإنك لا ترى له وجودًا إلا في القرن الرابع الهجري، وأما قبل ذلك في القرون المفضَّلة؛ قرن الصحابة والتابعين ومن تبِعهم من أتباع التابعين، كل هؤلاء لم يقع عندهم ولا في زمانهم شيء من هذه الاحتفالات.

 

بل كانوا أحرصَ ما يكون على المتابعة، وترسُّم خُطَى النبي صلى الله عليه وسلم، والحذر كل الحذر من مخالفة سنته.

 

فهذا ابن مسعود رضي الله عنه، يقول: “اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفِيتُم”.

 

وفي سنن أبي داود عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: “كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يَدَعْ للآخر مقالًا، فاتقوا الله يا معشر القُرَّاء، وخذوا طريق ما كان قبلكم”.

 

وقد ورد عن نافع: ((أن رجلًا عطس إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله، قال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حال))؛ [رواه الترمذي والحاكم، وحسنه الألباني].

 

فهذا الفعل إذا أردنا أن نحاكمه إلى السنة، فسنجد أنه لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، ولا أحد من صحابته ولا أئمة المذاهب الأربعة؛ ولذا فقد حكمنا عليه أنه من البدع والمحدثات، ومن فعله فهو آثِمٌ، ولا يُؤجَر عليه.

 

نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يتبعون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجنِّبنا البدع والمحدثات.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي (1)
خطبة معاملة غير المسلم