مخترع المولد النبوي
مخترع المولد النبوي
• بمناسبة قرب اليوم الذي يحتفل الناس فيه بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم تجدَّد الجدل حول: مَن أحدثه؟ ومتى أُحدِث؟
وسأقصر الكلام حول هذه النقطة فقط.
فهناك من ينكر باستماتة أن يكون من أحدثه هم الفاطميون الملاحدة؛ الذين قال فيهم الإمام الغزالي رحمه الله عن مذهبهم: “ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض”؛ [فضائح الباطنية، ص: 37، طبعة دار الكتب الثقافية بالكويت].
وقال عنهم القاضي عياض رحمه الله: “قال أبو يوسف الرعيني: أجمع العلماء بالقيروان أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة”؛ [ترتيب المدارك 4/ 720].
وقال عنهم الذهبي رحمه الله: “وأما العُبَيْدِيُّون فأعداء الله ورسوله”؛ [سير أعلام النبلاء، ج: 15، ص: 373].
• ويحاول هذا المجادل أن ينسب إحداث المولد إلى أهل السنة، زاعمًا أن من أحدثه هو الأمير الأيوبي المظفر كوكبري.
فإليك هذه الحقائق، ثم احكم بنفسك من الذي أحدثه، وقيِّم كلام هذا المتحدث.
الحقيقة الأولى: تتعلق بالدولة العبيدية المسمَّاة؛ تغريرًا بالمسلمين، الدولة الفاطمية: تأسست هذه الدولة في المغرب العربي سنة 297 هجرية، واحتلت مصر سنة 362 هجرية، وسقطت على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله سنة 567 هجرية.
وقد فصل المؤرخ الشهير المقريزي رحمه الله في كتابه المواعظ والاعتبار، المسمَّى اختصارًا بـ”الخطط المقريزية”؛ حيث فصل عدد الموالد التي يقيمها العبيديون وطقوسهم فيها بإسهاب، وكان مما قال تحت عنوان: “ذِكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادًا ومواسمَ، تتسع بها أحوال الرعية، وتكثر نعمهم”: “وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم؛ هي: موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب، ومولد الحسن، ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر …”؛ [ج: 2، ص: 436، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1418 هجرية حسب ترقيم المكتبة الشاملة]، وذكر أيضًا بعض التفاصيل الأخرى في مواضع أخرى، يمكن الرجوع إليها في ذلك الكتاب.
وذكر القلقشندي في كتابه “صبح الأعشى” قريبًا مما ذكره المقريزي؛ فكان مما قال: “الجلوس الثالث: جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم”؛ [ج: 3، ص: 576، طبعة دار الكتب العلمية].
وقد لخص مفتي مصر الأسبق محمد بخيت المطيعي – وهو صوفي نقشبندي وليس وهابيًّا ولا سلفيًّا، بل ممن يقول بإقامة المولد، توفي رحمه الله سنة 1354 هجرية – لخَّص تاريخ المولد في كتابه “أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام”؛ فقال: “إن أول من أحدثها في القاهرة الخلفاء الفاطميون، المعز لدين الله، ولقد كان المعز يغدق فيها بالأموال والعطايا للفقراء، ويعلق الزينات، ويقيم الولائم العظيمة، والجند الكثير بالأعلام والأبواق، فاستولى بتلك الاحتفالات والشعائر على قلوب العامة”؛ [انظر: رسالة أحسن الكلام من صفحة 59 إلى 61]، هذا هو الدليل على أن الفاطميين هم من ابتدعوا المولد من تحرير هؤلاء المؤرخين.
وأما الأمير كوكبري الذي يُقال: إنه أول من احتفل بالمولد، فقد كان في إربل أميرًا لصلاح الدين الأيوبي رحمهما الله، والدولة الأيوبية إنما جاءت إثر سقوط الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين، فكيف يكون هو أول من أحدثه؟
نعم، قال السيوطي وغيره أن الأمير كوكبري هو أول من أحدثه، لكن ذلك مردود بما تقدم، ويمكن الجمع بين القولين بأن الأمير كوكبري هو أول من أقامه من أهل السنة، أو أول من أقامه بتلك الصفة التي ذكرها المؤرخون.
قال الشيخ المطيعي رحمه الله: “ومن ذلك تعلم أن مظفر الدين إنما أحدث المولد النبوي في مدينة إربل؛ فلا ينافي ما ذكرناه من أن أول من أحدثه بالقاهرة الخلفاء الفاطميون من قبل ذلك؛ فإن دولة الفاطميين انقرضت بموت العاضد بالله أبي محمد عبدالله بن الحافظ بن المستنصر، في يوم الاثنين، عاشر محرم سنة سبع وستين وخمسمائة، وما كانت الموالد تُعرَف في دولة الإسلام من قبل الفاطميين”؛ [ص: 70].