من آداب طالب العلم (3)
من آداب طالب العلم رقم (3)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فلا زال الكلام على آداب طالب العلم وما ينبغي أن يتحلى به، فمن ذلك:
1- الإعراض عن مجالس اللغو: واللغو نوعان، لغو ليس فيه فائدة ولا مضرة، والنوع الثاني لغو فيه مضرة.
أما الأول فلا ينبغي للعاقل أن يذهب وقته فيه لأنه خسارة.
وأما الثاني: فإنه يحرم عليه أن يمضي وقته فيه لأنه منكر محرَّم، فلا يجوز للمسلم أن يجلس في المجالس التي تشتمل على المحرم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: 140].
فلو رأينا طالب علم يجلس مجالس اللهو واللغو والمنكر، فجنايته على نفسه واضحة وعظيمة، وتكون جناية على العلم وأهله؛ لأن الناس قد يقولون: هؤلاء طلبة العلم، وهذه نتيجة العلم، وما أشبه ذلك، فيكون قد جنى على نفسه وغيره.
2- التصون من اللغط والهيشات: والمقصود بالهيشات يعني هيشات الأسواق؛ كما جاء في الحديث التحذير منها؛ لأنها تشتمل على لغط وسب وشتم.
وبعض طلبة العلم يقول: أنا أقعد في الأسواق من أجل النظر لما يفعل الناس وما يكون بينهم، فيقال: إن هناك فرقًا بين الاختيار والممارسة، يعني لو ذكر لك أن في السوق الفلاني كذا وكذا، فهنا لا حرج عليك أن تذهب وتختبر بنفسك، لكن لو كان جلوسك في هذا السوق مستمرًّا تمارسه كل عصر، لكان هذا خطأً منك؛ لأنه إهانة لك ولطلبة العلم عمومًا وللعلم الشرعي.
3- على طالب العلم: أن يتحلى بالرفق في أقواله وأعماله، فإن الخطاب اللين يتألف به النفوس النافرة؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»[1].
4- التحلي بالتأمل: فعليه أن يتأمل عند التكلم بماذا يتكلم، وما عائدته، وعند السؤال والجواب هل جوابه واضح لا لبس فيه أو مبهم، والمقصود التأني وألا يتكلم حتى يعرف ماذا يتكلم به، وما هي النتيجة.
قال الشاعر:
قَدْ يُدرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ
وقَدْ يكونُ معَ المُستعجِلِ الزَّلَلُ
5- الثبات والتثبت: هذا أهم ما يكون في هذه الآداب، وهو التثبت فيما ينقل من الأخبار، والتثبت فيما يصدر منك من الأحكام، فالأخبار إذا نقلت فلا بد أن يتثبت منها هل صحت عمن نُقلت عنه أو لا؟ ثم إذا صحت فلا تحكم بل تثبت في الحكم فربما يكون الخبر مثبتًا على أصل تجهله أنت، فتحكم أنه خطأ والواقع أنه ليس خطأ.
ويلزم من الثبات والتثبت الصبر والمصابرة، وألا يمل ولا يضجر، وألا يأخذ من كل كتاب نتفة أو من كل فن قطعة ثم يترك؛ لأن هذا يضر الطالب ويقطع عليه الأيام بلا فائدة، إذا لم يثبت على شيء تجده مرة في الآجرومية، ومرة في متن القطر، ومرة في الألفية.
وكذلك في المصطلح، مرة في النخبة، ومرة في ألفية العراقي، ويتخبط في الفقه، مرة في زاد المستقنع، ومرة في عمدة الفقه، ومرة في المغني.
هذا في الغالب لا يحصِّل علمًا، ولو حصَّل علمًا، فإنما يحصل مسائل لا أصولًا، وتحصيل المسائل كالذي يلتقط الجراد واحدة بعد الأخرى، لكن التأصيل والرسوخ والثبات هذا هو المهم، فكن ثابتًا بالسنة للكتب التي تقرأ أو تراجع، وكذلك بالنسبة للشيوخ الذين تتلقى عنهم، فلا ينبغي لطالب العلم أن يكون ذواقًا كل أسبوع أو شهر عند شيخ، لا بأس أن يجعل طالب العلم له شيخًا في الفقه وشيخًا في التفسير، وشيخًا في النحو، المهم هو الاستمرار وعدم التنقل والتذوق الذي لا فائدة منه [2].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله عليه وعلى نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.