من أقوال السلف في النصر وأسبابه


من أقوال السلف في النصر وأسبابه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فالنصر من الله جل وعلا، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126] فمن رام النصر من المسلمين من غير الله جل وعلا خُذِل، وهُزِم، نسأل الله القوي العزيز أن ينصر المسلمين في كل مكان على عدوِّه، وعدوِّهم.

 

للسلف رحمهم الله أقوال عن النصر وأسبابه، يسَّر الله الكريم فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

 

النصر:

قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: النَّصرُ والنُّصرةُ العون.

 

قال الإمام القرطبي رحمه الله: النصر: العون، مأخوذ من قولهم: قد نصر الغيثُ الأرض، إذا أعان على نباتها من قحطها.

 

لا يسأل المسلم النصر إلا من الله عز وجل:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].

 

من فوائد الآية: أنه ينبغي للإنسان ألا يسأل النصر إلا من القادر عليه، وهو الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 214].

 

النصر لا يكون بكثرة العَدد ولا العُدد:

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: وما تنصرون على عدوكم أيها المؤمنون إلا أن ينصركم الله عليهم، لا بشدة بأسكم وقواكم، بل بنصر الله لكم؛ لأن ذلك بيده وإليه، ينصُر من يشاء من خلقه.

 

قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين رحمه الله: الاعتماد على نصر الله، لا على قوة، ولا سلاح، ولا كثرة، ولا عتاد، ولا شجاعة، ولا مرونة، ولا فراسة، إنما هو الثقة بالله وحده.

 

ونحن لا نقول: إن هذه الأشياء لا ينبغي استعمالها بل الله أمرنا بأن نستعمل من القوة ما نقدر عليه ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60] وثبت في الحديث تفسير القوة بالرمي، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن القوة الرمي)) لكن لا تتخذ هي السبب، ولا يعتقد العبد أنها هي الوسيلة للنصر، فالذين مثلًا يقولون: إن أعداء المسلمين يملكون قنابل، ويملكون الطائرات القاذفة، ويملكون من القوة ما لا يملكه المسلمون، وعندهم وعندهم، ويخافون أولئك الأعداء ويعظمونهم في نفوسهم، إنما هذا من الشيطان ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾ [آل عمران: 175] لكن لو كانوا صادقين في إيمانهم ومضوا مقبلين على ربهم، واثقين بنصره، فإنهم لن يخذلوا، ولن ينهزم لهم جيش إذا كانوا صادقين مستعملين ما معهم من القوة، ومع ذلك واثقين بأن النصر بالله تعالى لا بالقوة، بل بالله ثم بقوة الإيمان، ثم الأسلحة، والعتاد، والقوة فهذه مكملة لا أنها أساس في القوة، أو في النصر.

 

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قوله عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [آل عمران: 123]؛ أي: قليل عددكم، لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله، لا بكثرة العَدد والعُدد.

 

قال الإمام البغوي رحمه الله: النصر من الله تعالى، فاستعينوا به، وتوكَّلوا عليه.

 

قال العلامة السعدي رحمه الله: النصر بيد الله، ليس بكثرة عَدد، ولا عُدد.

 

قال العلامة العثيمين رحمه الله: قوله عز وجل: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾ [آل عمران: 160] عام، يعني: لا أحد يغلبكم مهما كانت قوته، ومهما كان عدده، وإنما قال الله عز وجل ذلك من أجل أن نعلِّق النصر بالله عز وجل لا بغيره… وقال: مهما عظمت الأسباب إذا لم يؤيد الله الإنسان بنصر فإنه لن ينتصر.

 

المظلوم ينتظر النصر:

قال شريح بن الحارث الكندي رحمه الله: إن الظالم ينتظر العقاب، وإن المظلوم ينتظر النصر.

 

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: مشهد النعمة…أن يشهد نعمة الله عليه أن جعله مظلومًا يرتقب النصر، ولم يجعله ظالمًا يرتقب المقت والأخذ.

 

قال العلامة ابن باز رحمه الله: الظلم منكر وحرام على الظالم، ومن أسباب غضب الله عليه، ومن أسباب العقوبات العاجلة والآجلة، والمظلوم حريٌّ بالنصر.

 

قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: من قواعد المِلَّة: “نصر المسلم أخاه المسلم ظالمًا أو مظلومًا”، ونُصرتُهُ مظلومًا…بتذكيره، بماله من الأجر الجزيل، والثواب العريض، وأن الله ناصره -بمشيئته- ولو بعد حين.

 

تأخير النصر في بعض المواضع، ومنعه لفترة معينة من الزمن:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: في تأخير النصر في بعض المواطن هضم للنفس، وكسر لشماختها.

 

قال العلامة العثيمين رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].

 

من فوائد الآية: حكمة الله؛ حيث يمنع النصر لفترة معينة من الزمن مع أنه قريب.

 

إذا نصر الإنسان فلا يغتر، ولا يُعجب بعمله:

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ينبغي للإنسان إذا نصره الله ويسَّر له أسباب النصر ألا يغترَّ بنفسه، وألا يعجب بعمله بل يسأل الله المغفرة، مغفرة الذنوب حتى لا يشمخ ويتعالى، ويترفع.

 

من أسباب النصر على الأعداء:

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: الله يحب من صبر لأمره، وعلى جهاد عدوه، فيعطيه النصر والظفر على عدوه.

 

قال الغزالي علق النصرة على الصبر، فقال تعالى: ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 125].

 

قال العلامة البغوي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ ﴾ [محمد: 7]؛ أي: دينه ورسوله، ﴿ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7] على عدوِّكم.

 

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه، غلَبَ وحصل له النصر.

 

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 45-46] أمر المجاهدين فيها بخمسة أشياء، ما اجتمعت في فئة قط إلا نُصِرت، وإن قلَّت وكثُر عدوُّها:

أحدها: الثبات.

 

الثاني: كثرة ذكر الله.

 

الثالث: طاعته وطاعة رسوله.

 

الرابع: اتفاق الكلمة، وعدم التنازع الذي يوجب الفشل والوهن، وهو جُند يقوِّي به المتنازعون عدوَّهم عليهم، فإنهم في اجتماعهم كالحُزْمة من السهام، لا يستطيع أحد كسرها، فإذا فرقها وصار كل منهم وحده، كسرها كلها.

 

الخامس: ملاك ذلك كله وقوامه وأساسه، وهو الصبر.

 

فهذه خمسة أشياء تبتني عليها قبة النصر، ومتى زالت أو بعضها، زال من النصر ما نقص منها، وإذا اجتمعت قوَّى بعضها بعضًا، وصار لها أثر عظيم في النصر، ولما اجتمعت في الصحابة لم تقُم لهم أمة من الأمم، وفتحوا الدنيا، ودانت لهم العباد والبلاد.

 

وقال رحمه الله: قد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحًا يفتح به…ومفتاح النصر والظفر: الصبر.

 

وقال رحمه الله: فإن الله سبحانه جعل الصبر جوادًا لا يكبو، وصارمًا لا ينبو، وجندًا غالبًا لا يهزم، وحصنًا حصينًا لا يهدم، ولا يثلم، فهو والنصر أخوان شقيقان، فالنصر مع الصبر.

 

قال الخليفة المنصور لابنه المهدي، رحمهما الله: يا بني، استدم النعمة بالشكر، والقدرة بالعفو، والطاعة بالتأليف، والنصر بالتواضع والرحمة للناس، ولا تنس نصيبك من الدنيا ونصيبك من رحمة الله.

 

قال الإمام السمعاني رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7] معناه: إن تنصروا نبي الله أو دين الله ينصركم…. ويقال: ينصركم بتغليبكم على عدوِّكم، وإعلائكم عليهم.

 

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة، وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء.

 

قال الإمام جمال الدين القاسمي رحمه الله: من أقوى الدلائل على أن ثمرة التوكل عليه تعالى والصبر والتقوى هو النصر والمعونة والتأيد.

 

قال العلامة السعدي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7] هذا أمر منه تعالى للمؤمنين، أن ينصروا الله، بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، وأن يقصدوا بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم، وثبت أقدامهم؛ أي: يربط على قلوبهم بالصبر، والطمأنينة، والثبات، ويصبر أجسادهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد.

 

وقال رحمه الله: التوحيد…من فضائله...أن الله تكفل لأهله بالفتح والنصر في الدنيا.

 

قال العلامة ابن باز رحمه الله: النصيحة لكل مؤمن ولكل مسلم بل لجميع المكلفين في الدنيا أن يلزموا هذا الدين ويستقيموا عليه حتى الموت، فهو طريق النجاة، وهو طريق السعادة، وهو طريق النصر.

 

وقال رحمه الله: التقوى هي سبب السعادة والنجاة وتفريج الكروب والعز والنصر.

 

قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: من أعظم أسباب الفوز والنصر الزهد في المناصب والولايات، والكف عن زخرفها.

 

قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: معية الله الخاصة لعباده المؤمنين -مثل الرسل وأهل الصلاح وأهل العلم- هذه المعية الخاصة معناها التوفيق والتأييد والإعانة والنصرة على أعدائهم.

 

قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: من حِكَم ربط الصبر بالنصر…ربط القلوب بالله عز وجل بحيث إذا يئست، وضاقت الطرق في وجه العبد يسَّر الله له السبيل.

 

وختامًا جاء في كتاب “المختصر في التفسير” هذه الفائدة: “في النهاية النصر للحق مهما علا الباطل وطغى”.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
إضاءات بحثية في أدب الحكايات الخيالية.. أحدث إصدارات الهيئة السورية … – صدى البلد
كتاب المغرب يستعدون لعقد “مؤتمر استثنائي”