{ وعلم آدم الأسماء كلها… }


﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا

قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 31 – 33].

﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ ﴾ نبي الله أبا البشر عليه السلام ﴿ الأَسْمَاءَ ﴾ أسماء الأجناس كلها؛ كالماء والنبات والحيوان والإنسان ﴿ كُلَّهَا ﴾ تأكيد لمعنى الاستغراق.

 

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: والصحيح أنه علَّمه أسماء الأشياء كلها وذواتها وصفاتها وأفعالها حتى الفسوة والفُسية يعني أسماء الذوات والأفعال المكبَّر والمصغَّر؛ ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية في كتاب التفسير من صحيحه -فذكر ابن كثير إسناد البخاري- عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: “يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ… الحديث”، فدلَّ هذا على أنه علَّمه أسماء جميع المخلوقات؛ ولهذا قال: ﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ﴾ يعني المسميات؛ ا هـ.

 

وقد سرد الأقوال في هذه المسألة الحافظ ابن حجر في الفتح، فقال: واختلف في المراد بالأسماء: فقيل: أسماء ذريته، وقيل: أسماء الملائكة، وقيل: أسماء الأجناس دون أنواعها، وقيل: أسماء كل ما في الأرض، وقيل: أسماء كل شيء حتى القصعة.

 

وقال الإمام الشوكاني في فتح القدير: والأسماء هي العبارات، والمراد أسماء المسميات، قال بذلك أكثر العلماء، وهو المعنى الحقيقي للاسم والتأكيد بقوله: ﴿ كُلَّهَا ﴾ يفيد أنه علَّمه جميع الأسماء، ولم يخرج عن هذا شيء منها كائنًا ما كان؛ ا هـ.

 

وتعليم آدم الأسماء وإظهار فضيلته بقبوله لهذا التعليم دون الملائكة جعله الله حجةً على قوله لهم: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾؛ أي: ما لا تعلمون من جدارة هذا المخلوق بالخلافة في الأرض.

 

﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ ﴾ العرض: إظهار الشيء حتى تعرف جهته، فعرض المسميات أمامهم، ولما كان بينهم العقلاء غلب جانبهم لشرفهم، فأتى بضمير المذكر العاقل للمسميات في قوله: ﴿ عَرَضَهُمْ ﴾ وإلا لقال: “عرضها”.

 

﴿ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي ﴾: أخبروني، وهي للتحدي، أو أمر تعجيز بقرينة كون المأمور يعلم أن الآمر عالم بذلك ﴿ بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ فيما تعتقدون من أنني لم أخلق أعلم منكم، أو أراد ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في أنكم أفضل من هذا المخلوق إن كان قولهم: ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ ﴾ تعريضًا بأنهم أحقاء بذلك، أو أراد ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في عدم جدارة آدم بالخلافة كما دل عليه قولهم: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ﴾.

 

فالعلم بالأسماء عبارة عن القوة الناطقة الصالحة لاستفادة المعارف وإفادتها، أو عبارة عن معرفة حقائق الأشياء وخصائصها، أو عبارة عن معرفة أسماء الذوات والمعاني، وكل ذلك يستلزم ثبوت العالمية بالفعل أو بالقوة، وصاحب هذا الوصف هو الجدير بالاستخلاف في العالم؛ لأن وظيفة هذا الاستخلاف تدبير وإرشاد وهدى ووضع الأشياء مواضعها دون احتياج إلى التوقيف في غالب التصرفات، وكل ذلك محتاج إلى القوة الناطقة أو فروعها، والقوى الْمِلْكِيَّةِ على شرفها إنما تصلح لأعمال معينة قد سخرت لها لا تعدوها ولا تتصرَّف فيها بالتحليل والتركيب، وما يذكر من تنوُّع تصرُّفها وصواب أعمالها إنما هو من توجيه الله تعالى إياها وتلقينه المعبر عنه بالتسخير، وبذلك ظهر وجه ارتباط الأمر بالإنباء بهذا الشرط.

 

﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ ﴾ تنزيهًا لك وتقديسًا.. وافتتاح كلامهم بالتسبيح وقوف في مقام الأدب والتعظيم لذي العظمة المطلقة، فقدموا بين يدي الجواب تنزيه الله اعتذارًا عن مراجعتهم بقولهم: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ فهو افتتاح من قبيل براعة الاستهلال عن الاعتذار، وإشعارًا بأن ما صدر منهم قبل يمحوه هذا التنزيه لله تعالى.

 

﴿ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾ خبر مراد منه الاعتراف بالعجز لا الإخبار عن حالهم؛ لأنهم يوقنون أن الله يعلم ما تضمنه كلامهم.

 

أجابوا بنفي العلم بلفظ ﴿ لَا ﴾ التي بنيت معها النكرة، فاستغرق كل فرد من أنواع العلوم، ثم استثنوا من ذلك ما علمهم هو تعالى، فقالوا: ﴿ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾، وهذا غاية في ترك الدعوى والاستسلام التام للمعلم الأول الله تعالى. قال أبو عثمان المغربي: “ما بلاء الخلق إلا الدعاوى”.

 

والواجب على من سُئِل عن علم أن يقول: إن لم يعلم: «الله أعلم، ولا أدري»، اقتداء بالملائكة والأنبياء والفضلاء من العلماء، لكن قد أخبر الصادق أن بموت العلماء يقبض العلم، فيبقى ناس جُهَّال يستفتون فيفتون برأيهم فيُضِلُّون ويُضَلُّون.

 

وأما ما ورد من الأخبار عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه والتابعين بعدهم في معنى الآية، فروى أبو حاتم البُسْتي في المسند الصحيح له عن ابن عمر أن رجلًا سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أيُّ البقاع شر؟ قال: “لا أدري حتى أسأل جبريل” فسأل جبريل، فقال: لا أدري حتى أسأل ميكائيل، فجاء فقال: “خيرُ البقاع المساجدُ، وشَرُّها الأسواقُ”.

 

وقال الصديق للجدة: ارجعي حتى أسأل الناس.

 

وكان علي يقول: وأبردها على الكبد، ثلاث مرات. قالوا: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: أن يسأل الرجل عما لا يعلم، فيقول: الله أعلم.

 

وسأل ابنَ عمر رجلٌ عن مسألة، فقال: لا علم لي بها، فلما أدبر الرجل، قال ابن عمر: نِعْمَ ما قال ابن عمر، سئل عما لا يعلم فقال: لا علم لي به! ذكره الدارمي في مسنده.

 

وفي صحيح مسلم عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل صاحب بهية، قال: كنت جالسًا عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد، فقال يحيى للقاسم: يا أبا محمد، إنه قبيح على مثلك، عظيم أن يسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج، أو علم ولا مخرج؟ فقال له القاسم: وعمَّ ذاك؟ قال: لأنك ابن إمامي هدى: ابن أبي بكر وعمر، قال يقول له القاسم: أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو آخذ عن غير ثقة، فسكت فما أجابه.

 

وقال مالك بن أنس: سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده “لا أدري” حتى يكون أصلًا في أيديهم، فإذا سُئِل أحدهم عمَّا لا يدري، قال: لا أدري.

 

وذكر الهيثم بن جميل قال: شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمانٍ وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري.

 

قلت: ومثله كثير عن الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين. وإنما يحمل على ترك ذلك الرياسة وعدم الإنصاف في العلم.

 

قال ابن عبدالبر: من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهَّم.

 

روى يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت ابن وهب يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: “ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف”.

 

قلت: هذا في زمن مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عَمَّ فينا الفساد وكثر فيه الطغام! وطلب فيه العلم للرياسة لا للدراية، بل للظهور في الدنيا وغلبة الأقران بالمراء والجدال الذي يقسي القلب ويورث الضغن، وذلك مما يحمل على عدم التقوى وترك الخوف من الله تعالى.

 

أين هذا مما روي عن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وقد قال: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية ولو كانت بنت ذي العصبة – يعني يزيد بن الحصين الحارثي – فمن زاد ألقيت زيادته في بيت المال، فقامت امرأة من صوب النساء طويلة فيها فطس فقالت: ما ذلك لك! قال: ولم؟ قالت لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [النساء: 20] فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ!

 

وروى وكيع عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي قال: سأل رجل عليًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عن مسألة فقال فيها، فقال الرجل: ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كذا وكذا، فقال عليٌّ: أصبتَ وأخطأتُ، وفوق كل ذي علم عليم.

 

وذكر أبو محمد قاسم بن أصبغ قال: لما رحلت إلى المشرق نزلتُ القيروان، فأخذتُ على بكر بن حماد حديث مسدد، ثم رحلت إلى بغداد ولقيت الناس، فلما انصرفت عدت إليه لتمام حديث مسدد، فقرأت عليه فيه يومًا حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أنه قدم عليه قوم من مضر من مجتابي النمار» فقال: إنما هو مجتابي الثمار، فقلت إنما هو مجتابي النمار، هكذا قرأته على كل من قرأته عليه بالأندلس والعراق، فقال لي: بدخولك العراق تعارضنا وتفخر علينا! أو نحو هذا. ثم قال لي: قم بنا إلى ذلك الشيخ – لشيخ كان في المسجد – فإن له بمثل هذا علمًا، فقمنا إليه فسألناه عن ذلك فقال: إنما هو مجتابي النمار، كما قلت. وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة، جيوبهم أمامهم. والنمار جمع نمرة. فقال بكر بن حماد وأخذ بأنفه: رغم أنفي للحق، رغم أنفي للحق. وانصرف.

 

وقال يزيد بن الوليد بن عبدالملك فأحسن:

إذا ما تحدثت في مجلس
تناهى حديثي إلى ما علمت
ولم أعد علمي إلى غيره
وكان إذا ما تناهى سكت

 

﴿ إِنَّكَ أَنْتَ ﴾ ضمير فصل، وتوسيطه من صيغ القصر فالمعنى قصر العلم والحكمة على الله تعالى، ﴿ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ ساقوه مساق التعليل؛ لقولهم: ﴿ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾؛ لأن المحيط علمه بكل شيء المحكم لكل خلق إذا لم يجعل لبعض مخلوقاته سبيلًا إلى علم شيء لم يكن لهم قِبل بعلمه؛ إذ الحصول بقدر القبول والاستعداد؛ أي: فلا مطمع لنا في تجاوز العلم إلى ما لم تهيئ لنا علمه بحسب فطرتنا.

 

والحكيم فعيل من أحكم إذا أتقن الصنع بأن حاطه من الخلل، وأصل مادة حكم في كلام العرب للمنع من الفساد والخلل، ومنه حَكَمَة الدابة للحديدة التي تُوضَع في فم الفرس لتمنعه من اختلال السير، وأحكم فلان فلانًا منعه، والحِكمة ضبط العلم وكماله.

 

فالحكيم هو المتقن للأمور كلها الذي يضع كل شيء في موضعه، ولا يفعل ولا يترك إلا لحكمة، من أحكم الشيء: أتقنه ومنعه من الخروج عما يريده.

 

أو الحكيم بمعنى ذي الحكمة كامل العلم، وتعقيب العليم بالحكيم من إتباع الوصف بأخص منه، فإن مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم؛ لأن الحكمة كمال في العلم فهو كقولهم: خَطِيبٌ مِصْقَعٌ وَشَاعِرٌ مُفْلِقٌ.

 

ولما نفوا العلم عن أنفسهم أثبتوه لله تعالى على أكمل أوصافه من المبالغة فيه، ثم أردفوا الوصف بالعلم، الوصف بالحكمة؛ لأنه سبق قوله: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾، فلما صدر من هذا المجعول خليفة، ما صدر من فضيلة العلم تبين لهم وجه الحكمة في جعله خليفة.

 

فانظر إلى حسن هذا الجواب كيف قدموا بين يديه تنزيه الله تعالى، ثم اعترفوا بالجهل، ثم نسبوا إلى الله العلم والحكمة، وناسب تقديم الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة؛ لأنه المتصل به في قوله: ﴿ وَعَلَّمَ ﴾، ﴿ أَنْبِئُونِي ﴾، ﴿ لَا عِلْمَ لَنَا ﴾، فالذي ظهرت به المزية لآدم والفضيلة هو «العلم»، فناسب ذكره متصلًا به، ولأن الحكمة إنما هي آثاره وناشئة عنه؛ ولذلك أكثر ما جاء في القرآن تقديم الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة.

 

﴿ قَالَ ﴾ لما دخل هذا القول في جملة المحاورة جردت الجملة من الفاء، ﴿ يَا آدَمُ ﴾ وابتداء خطاب آدم بندائه مع أنه غير بعيد عن سماع الأمر الإلهي للتنويه بشأن آدم وإظهار اسمه في الملأ الأعلى حتى ينال حسن السمعة مع ما فيه من التكريم عند الآمر؛ لأن شأن الآمر والمخاطِب إذا تلطَّف مع المخاطَب أن يذكر اسمه ولا يقتصر على ضمير الخطاب حتى لا يساوي بخطابه كل خطاب، ومنه ما جاء في حديث الشفاعة بعد ذكر سجود النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحمده الله بمحامد يلهمه إياها فيقول: “يا محمد، ارفع رأسك، سَلْ تُعْطَ، واشفَعْ تُشفَّع”، وهذه نكتة ذكر الاسم حتى في أثناء المخاطبة.

 

ونداء آدم باسمه العَلَم هي عادة الله مع أنبيائه، قال تعالى: ﴿ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ [هود: 46] ﴿ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ ﴾ [هود: 48] ﴿ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾ [الصافات: 104، 105] ﴿ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [القصص: 30] ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ ﴾ [المائدة: 110] ونادى محمدًا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى سائر الأنبياء بالوصف الشريف من الإرسال والإنباء فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ فانظر تفاوت ما بين هذا النداء وذاك النداء.

 

﴿ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ ﴾ استفهام تقريري ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ فالسموات ذات عدد؛ لقوله تعالى: ﴿ السَّمَاوَاتِ ﴾، و﴿ الْأَرْضِ ﴾ جاءت مفردة، والمراد بها الجنس؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 12]؛ أي: في العدد.

 

﴿ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 33] من نحو قولهم في أنفسهم: إن الله لن يخلق خلقًا أكرم عليه مِنَّا.

 

وقد أريد من هذه القصة إظهار مزية نوع الإنسان، وأن الله يخص أجناس مخلوقاته وأنواعها بما اقتضته حكمته من الخصائص والمزايا لئلا يخلو شيء منها عن فائدة من وجوده في هذا العالم، وإظهار فضيلة المعرفة وشرف العلم وفضل العالم على الجاهل، وفضيلة الاعتراف بالعجز والقصور، وأن الاعتراف بالحق من خصال الفضائل الملائكية، وجواز العتاب على من ادَّعى دعوى هو غير متأهِّل لها.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
صحيفة الأيام – ثقافة البناء والمعمار الحربي في كتاب: «اليمن من الداخل.. المكان شاهدا»
“مع أم ضد؟” كتاب يساعد الأهل على تربية أولادهم بمرحلة الطفولة