{ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا… }
فوائد وأحكام من قوله تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا… ﴾
1- أن من الناس من يعجبك قوله بإظهاره بلسانه الإيمان والخير وحسن القصد ونحو ذلك، وحقيقته خلاف ذلك، وهم المنافقون؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ… ﴾ الآيات.
2- أن المنافق باستمراره على النفاق يشهد الله على ما في قلبه؛ لأن الله تعالى يعلم ما في قلبه من هذا النفاق؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ﴾.
3- علم الله عز وجل بما في القلوب والصدور؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 154].
4- أن المنافق يشهد الله على ما في قلبه بحلفه أن ما في قلبه موافقًا لقوله، أي: أن باطنه موافقًا لظاهره، وهو كاذب.
5- عدم الاغترار بمن يُظهرون بأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم خلاف ما يبطنون.
6- أن خصام المنافق أشد الخصام، وهو أشد الخصوم وأعندهم وأكذبهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾.
7- ذم الخصام والجدال بالباطل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾.
وفي الحديث: «أبغض الرجال الألد الخصم»[1].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾[الزخرف: 58]»[2].
وهذا بخلاف المجادلة بالتي هي أحسن؛ لإثبات الحق وإبطال الباطل، فإن هذا مأمور به، كما قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].
7- سعي المنافقين للإفساد في الأرض بما هم عليه من النفاق والكفر والمعاصي؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾، كما قال تعالى عن المنافقين: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12].
8- أن المعاصي والذنوب سبب لهلاك الحرث والنسل وخراب الديار؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ﴾.
9- جبن المنافقين، ومخادعتهم فلا يجرؤون على إظهار ما هم عليه في فساد إلا إذا غابوا عن الأنظار والأسماع؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ﴾.
10- صيانة الشرع وحفظه للأموال والأنفس ومقومات الحياة، وذمه، بل وتحريمه التعدي عليها.
11- نفي محبة الله عز وجل للفساد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾، وفي هذا إثبات بغضه وكراهيته عز وجل للفساد والمفسدين.
12- إثبات محبة الله عز وجل للصلاح؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾.
13- ذم الفساد في الأرض والتحذير منه؛ لأن الله تعالى لا يحبه، بل يكرهه ويبغضه.
14- أَنَفَةُ أهل النفاق والإفساد في الأرض وتعاظمهم من أن يقال لأحدهم: اتق الله، ومن قول الحق؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ﴾.
15- أن الأَنَفَةَ والكبر والتعاظم قد يحمل على رد الحق والوقوع في الإثم؛ لقوله تعالى: ﴿ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ﴾.
16- الوعيد لمن رد الحق وأَنِفَ من قبوله بالنار؛ لقوله تعالى: ﴿ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ﴾.
17- شدة حر النار وظلمتها وبعد قعرها؛ ولهذا سميت: «جهنم».
18- ذم النار وتقبيحها فإنها بئس المهاد والمستقر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾.
19- وجوب قبول الحق، والحذر من رده، أيًّا كان قائله؛ لأن الله عز وجل توعَّد على ذلك بالنار.
20- أن من الناس من هو موفق ساع في خلاصه، يبيع نفسه؛ طلبًا لرضوان الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾، بخلاف من قال الله فيهم: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ﴾ الآيات.
21- جمع القرآن الكريم بين الترغيب والترهيب، بذكر أهل الحق وأهل الباطل وما أعد لكل منهم؛ ليجمع المؤمن في طريقه إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، والرهبة والرغبة.
22- ثناء الله عز وجل وامتداحه لمن باع نفسه طلبًا لمرضاة الله عز وجل، وقدم رضى الله على النفس؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾.
23- لا بد لصحة العمل وقبوله من إخلاص النية؛ لقوله تعالى: ﴿ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾.
24- إثبات صفة الرضا لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾.
25- إثبات صفة الرأفة لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾.
رأفة الله عز وجل العامة بجميع العباد، ورأفته الخاصة بعباده المؤمنين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾، وهذا يشمل الرأفة العامة والخاصة، ويعم جميع العباد.
[1] أخرجه البخاري في المظالم والغصب قول الله تعالى: ﴿ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204] (2457)، ومسلم في العلم – الألد الخصم (2668)، والنسائي في آداب القضاة (5423)، والترمذي في التفسير (2976) من حديث عائشة رضي الله عنه.
[2]أخرجه الترمذي في تفسير القرآن (3253)، وابن ماجه في المقدمة (48)، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».