آداب الزيارة وشروطها


آداب الزيارة وشروطها



بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد:

فإن الأدبَ مفتاح الأخلاق، والأدب يشمل التواضع والحياء والاحترام، وهو طريق الإحسان، فهو فرع من فروع الاحترام، ورأس الحياء، ومنبع التواضع، والمسلم دون أدب، كالكلب دون رباط، فالأدب هو الذي يربط المسلم بالإسلام، وهذا الأدب مصدرُهُ هو القرآن والسُّنَّة، ولكل شيء آداب؛ فالصلاة لها آداب، والمسجد له آداب، والحج له آداب، والصوم له آداب، ومن هذه الآداب أدبُ الزيارة، وقبل التحدث عن هذه الآداب نتحدث عن أنواعها؛ ومنها: زيارة طاعة، وزيارة معصية، والثالثة زيارة قضاء حاجة، أو للضرورة، وآخرها زيارة سياحة، فالأُولى كأداء عمرة أو حجَّة، أو زيارة مريض، أو صلة الرحم، أو طلب العلم الشرعي النافع، أو نشر دعوة التوحيد؛ إلخ، فهذه فيها أجر وثواب عند رب العالمين، إذا كانت ممزوجةً بالإخلاص لله عز وجل، وأما زيارة المعصية؛ مثل: الذهاب لشرب الخمور والزنا، أو زيارة السحرة والمشعوذين، أو زيارة الطواف حول الأضرحة والمزارات، والتقرب إليها من باب الوسائط بين الخالق والمخلوق؛ إلخ، فهذه فيها إثمٌ وهي حرام، ويختلف الوِزْرُ فيها حسب درجة الذنب، ومنها ما يصل للشرك الأكبر، وأما زيارة الضرورة كقضاء حاجة، فهي مثل العلاج سواء داخل الوطن أو خارجه، أو البحث عن عمل، والعمل خارج البلد، أو زيارة مسؤول لرفع شكوى، أو غيرها؛ إلخ، فهذه حسب نوع الزيارة، فقد يكون فيها أجرٌ أو إثمٌ، أو تكون من دونهما؛ أي: مباحة، حسب ما يحدث في هذه الزيارة، وأخيرًا زيارة سياحة، وهذه مباحة، بشرط ألَّا تختلط بالحرام، فإن اختلط فيها الحرام؛ مثل: سماع الغناء والرقص والاختلاط؛ إلخ، فتصبح حرامًا حينئذٍ، فالأمور المباحة لا أجرَ فيها ولا إثمَ عليها.

 

وموضوعنا هو زيارة الأهل والأصحاب، وهل هناك شروطٌ في هذه الزيارة؟ وكيف يكون الأدب في الزيارة إن شاء الله؟ فقمة الأدب بعمومه هو تاج الإنسانية، ومنها – أولًا – احترام أوقات الزيارة، فلا يذهب وهم نائمون، ولا يحضر لعُرس من دون دعوة، ولا يصطحب معه أحد إلى العرس، وهو غير مدعوٍّ وألَّا تُطيل البقاء عند المريض؛ إلخ، والزيارة قد تنقسم إلى خمسة أنواع، ومنها زيارة محبة دون موعد، أو زيارة مريض، أو زيارة عيد، أو الذهاب إلى عرس بدعوة من صاحب هذا العرس، أو حضور جنازة، فتختلف حالة الزيارة من حالة لأخرى، وحسب الظروف فيها، فالزيارة التي تكون من دون موعد، فهذه شرطها ألَّا تُحرج صاحب الدار بأن يلزم نفسه ما لا يقدر عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((… ولا يحل له أن يثويَ عنده حتى يحرجه))؛ [متفق عليه]، وفي رواية عند مسلم قال: ((لا يحل لمسلم أن يُقيم عند أخيه حتى يُؤثِمَه، قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمه؟ قال: يُقيم عنده ولا شيء يَقريه به)).

 

ومن أفضل ما قيل في أدب الزيارة هو قول أحدهم: “أدخلُ بيوت الناس أعمى، وأخرج منها أبكم”؛ أي: لا تترصد بعيوبه، ولا تتحدث بأسرار بيته عند العامة من الناس، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تسألوا الناس شيئًا))؛ [رواه مسلم]؛ مثل: أن تسأله: من أين لك هذا؟ وكم سعره؟ ومن أحضره؟ وهذا ليس من باب الحرام، ولكنه من باب الأدب؛ قال الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي رحمه الله: “ولا ينظر في منزل قومٍ وهم لا يشعرون، ولا يسمع حديثهم”؛ [ص: 119]، إرشاد السالك له، وهو يقصد من باب التجسس عليهم، وأما عند حضور الطعام؛ فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: ((ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا قطُّ، إنِ اشتهاه أكله، وإن كرِهه تركه))؛ [رواه البخاري]، وهذه سُنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم في بيوتنا أو بيوت غيرنا، فلا نتحدث بالذم عن طعام من رحَّب بك في بيته، أو تضحك على أثاثه، وتستهزئ ببيته، كما يفعل البعض هداهم الله؛ وقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “إن صاحب المنزل إذا قدم الطعام إلى الضيف، ووضعه بين يديه جاز الإقدام على الأكل، وإن لم يأذن له لفظًا”؛ [الطرق الحكمية، ص: 28]، وهذه قاعدة مهمة؛ لأن هناك مَن يحضره الطعام، وينتظر الإذن من صاحب الدار، ورأس هذا الأدب هو الاستئذان بالزيارة والدخول، وقد دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُسلِّم عليه بتحية الإسلام فقال له: ((ارجع، فقُل: السلام عليكم، أأدخل؟))؛ [رواه أبو داود والترمذي]؛ ولهذا يُقال: “رحِم الله امرأً عرف قدره”، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((… ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعُد في بيته على تكرُمته، إلا بإذنه))؛ [رواه مسلم]؛ أي: كالمبيت وغيره، وإن طرق الباب يطرُقه ثلاث مرات، فإن فتح له، وإلا عاد أدراجه؛ وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الاستئذان ثلاث، فإن أُذِن لك فادخُل، وإلا فارجع))؛ [الموطَّأ]، وهو قياس للهاتف عند الاتصال بشخص ما؛ وقد قال تعالى: ﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ [النور: 28]، وأما عن زيارة المريض؛ فقد قال الإمام أحمد رحمه الله: “القعود عند المريض بقدر ما يجلِس الإمام بين الخطبتين”؛ [النوادر والنتف للأصبهاني، ص: 69]، وهذا حسب نوع المرض؛ فهناك أمراض أصحابها لا يستطيعون التحدث، أو كثرة الحركة بسببها، فالإطالة عندهم تعتبر إحراجًا لهم، وتزيدهم ألمًا على الألم الذي هم فيه؛ وقد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا دخلتم على مريض، فنفِّسوا له في أجَلِهِ، فإن ذلك لا يرُدُّ شيئًا، ويُطيِّب نفسه))؛ [رواه الترمذي، وابن ماجه، وهو ضعيف]؛ أي: الدعاء له بإطالة العمر والشفاء، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: ((إذا جاء الرجل يعود مريضًا، فيقول: اللهم اشفِ عبدك؛ ينكأ لك عدوًّا، أو يمشي لك إلى صلاة))؛ [رواه أبو داود وأحمد]؛ قال أهل العلم أي: “يجرح أو يقتل”، وأما عن زيارة العيد، فهذه لا تحتاج دعوة، وأما زيارة العرس فمن شروطه الدعوة للوليمة؛ وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من دُعِيَ إلى عُرسٍ أو نحوه، فَلْيُجِبْ))؛ [رواه مسلم]، وفي رواية للبخاري قال: ((أجيبوا هذه الدعوة إذا دُعيتم لها))، وفي رواية أخرى للبخاري: ((إذا دُعِيَ أحدكم إلى الوليمة فليأتِها))، وعلى المدعوِّ ألَّا يصطحب معه شخص آخر إن لم يكن مدعوًّا للعرس، وقد تبِع رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه لدعوة؛ فقال صلى الله عليه وسلم لصاحب الوليمة: ((إن هذا قد تبِعنا، فإن شئت أن تأذَن له، فَأْذَنْ له، وإن شئت أن يرجع رجع))؛ [رواه البخاري]، وهذا من باب الاستئذان؛ لكي لا يقع صاحب الوليمة في حرج، وأما الأعراس التي فيها معصية الله وسخطه، فهذه لا يجوز الحضور فيها.

 

وأما عن حضور جنازة فمن الواجب ألَّا تأكل طعامًا أو شرابًا فيها، إلا إن كنتَ من أصحاب الدار؛ لأن الطعام الذي يُطبَخ لها هو بدعة، وأهل العلم أفتَوا بحرمته، فمن المستحسن أن تقدِّم العزاء على أتم وجه، سواء باتباع الجنازة والصلاة عليها، ثم الانصراف، دون تناول من ذاك الطعام، كما عليك أن يظهر منك القليل من الحزن؛ لأننا أصبحنا نسمع الضحك في الجنائز، والله المستعان، وأما عن أدب الزيارة بعمومها، وكذلك أدب الجلوس خصوصًا؛ فهو كما قال عطاء: “من المروءة أن يكون بين الرجل وجليسه قدر ذراع”؛ [النوادر والنتف للأصبهاني، ص: 173]، وكذلك الدعاء لصاحب الدار بالخير والبركة، وصلاح الأمور، وقد طُلِب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لما نزل ضيفًا؛ فقال: ((اللهم بارك لهم في ما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم))؛ [رواه مسلم]، وقال أيضًا: ((اللهم أطعِمْ من أطعمني، واسقِ من سقاني))؛ [رواه مسلم]، وأما عن زيارة الجار وإكرامه من باب الأولوية؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلت: يا رسول الله، إن لي جارتين، فإلى أيهما أُهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابًا))؛ [رواه البخاري]، فقد ثبت في السنة بعض أجور هذه الزيارة، فإذا زار المؤمن أخًا له تقول له الملائكة: ((طِبتَ وطاب ممشاك، وتبوَّأت من الجنة منزلًا))؛ [رواه أحمد وغيره]، وجاء في بعض الإسرائيليات أن الذئب قال ليعقوب عليه السلام: سمعت الأنبياء قبلك يقولون: “من زار حميمًا أو قريبًا، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة”؛ [النوادر والنتف للأصبهاني، ص: 134]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يُبسَط له في رزقه، ويُنسأ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه))؛ [رواه الشيخان]، ومعنى “أثره”؛ أي: أجله يزداد، وأما عن إكرام الضيف، مهما كانت قرابته أو صداقته؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((… ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه؛ جائزته يوم وليلة، وضيافته ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فهو صدقة))؛ [متفق عليه]، وقد نُسِب للإمام ابن سيرين رحمه الله أنه قال: “لا تكرم أخاك بما يكره”؛ مثل: شخص لا يشرب القهوة فلا تحضرها له؛ لأنه قد يشربها مرغمًا عنه، وهكذا.

 

إلى هنا ينتهي هذا المقال، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.







Source link

أترك تعليقا

مشاركة
تعدد سبل الخيرات واحتساب النية الصالحة
إضاءة: من مساوئ الأخلاق “الظلم”