أبناؤنا في رمضان
أبناؤنا في رمضان
يُعدُّ شهر رمضان حقًا غنيمةً للمربين، قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 185-186].
مهمة التربية وبناء النفوس الصالحة ليست مهمة سهلة، بل تحتاج إلى جهد كبير ويقظة تربوية تجعل المربي لا يُفَوِّت موقفًا أو حدثًا أو مناسبة تمر به وبأبنائه، إلا أحسن استغلالها لمصلحة تربيتهم، فالكلمة تفعل في النفس وقت الحدث ما لا تفعله في غيره من الأوقات، وتؤدي إلى ترسيخ المعاني التربوية والعبادات المرتبطة بهذه المناسبة؛ حتى تعود هينة راسخة في نفس الطفل، يشِب عليها ولا يتركها طوال حياته.
1- ضرورة تدريب أبنائنا على أداء العبادات مبكرًا:
مرحلة الطفولة هي المرحلة الذهبية لتعليم الطفل والتأثير فيه، لذلك نجد الإسلام يوجه الآباء والأمهات إلى تدريب أطفالهم على امتثال الطاعات وأداء الفرائض في طفولتهم، كالصلاة والصيام والحجاب – للبنات – حتى إذا بلغوا سنَّ التميز، واظبوا عليها بسهولة ويسر؛ حيث ألِفوا وتعودوا على أدائها بانتظام، وأصبحت جزءًا من كيانهم.
وقد جاء عن المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم توجيه الصحابة والصحابيات إلى تدريب الصغار على عبادة الصيام، وإعداد الأمهات لِلِّعَبِ يلهونهم بها إذا بكوا جوعًا، فعن الربيع بنت معوذ قالت: “كنا نَصوم ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب بهم إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن [الصوف]، فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار”[1]؛ أي: أعطيناه هذا الصوف يتلهى به حتى يحين موعد الإفطار.
فنبدأ مع الطفل بالصوم الجزئي بأن يتعود الإمساك إلى منتصف النهار أو إلى العصر، حتى إذا قوي على ذلك واعتاده انتقل إلى مرحلة تالية، كذلك يمكن أن يصوم الطفل يومًا كاملًا، ثم يفطر أيامًا ليستريح ويزيد في عدد الأيام بعد ذلك تدريجيًّا، ومما يعين الطفل على الصيام أن يلتزم بوجبة السحور مع الكبار، على أن نشرح له – ببساطة – أهمية السحور من حيث اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما فيه من البركة، وأنه من الأسباب التي تُقوِّي أجسادنا على الصيام.
وإذا اجتاز الطفل فترة الصوم المحددة، كافأناه وشجعناه بزيادة مصروفه مثلًا، أو الثناء عليه، أو منحه الألقابَ الحسنة، ونحو ذلك.
2- غرس معاني العطاء والتكافل في نفوس أبنائنا:
عن ابن عباس قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلَرسول الله صلى عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة”[2].
شهر رمضان من أجمل المناسبات التي يتعلم فيها الطفل معنى التكافل، والشعور بالمسؤولية نحو الفقير والمسكين، وقلوب الصغار رقيقة لينة شديدة التأثر، فعندما يرى الأطفال آباءهم وهم يُخرجون صدقاتهم وزكاة فطرهم، ويشاركونهم هذا العمل، فسيتعلمون منهم حب الصدقة، والرحمة بالفقراء، ويدركون معنى التكافل وبُغض الأثرة والأنانية، ونُذكر الطفل بهذا المعنى ونؤكده عنده عندما يشعر بالجوع أو العطش، فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه جاءه سائل يريد صدقة، فقال لابنه: أعطه دينارًا، فجعله في يده، تدريبًا له على ذلك”[3].
3- ضرورة تربية أبنائنا على تعظيم شعائر الله:
قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
وتعظيم الشعائر لا يكون بالإقبال على الطاعات والاستزادة منها فقط، فهذا المعنى مبتور، ولا يكتمل تعظيم الشعائر إلا بتجنُّب ما حرَّم الله تعالى، وأن يرى المسلم أن ارتكاب المعصية في الأيام الفاضلة أشد قبحًا وأعظم جرمًا منه في غيرها.
ولا يخفى على أحد تلك الحرب المعلنة من الآلة الإعلامية، بهدف إفساد الشعائر لا تعظيمها في شهر رمضان المعظم، وتحويل الشهر الكريم من موسمٍ يزداد فيه المؤمن إيمانًا إلى أكبر سوق يروج فيه أهل الباطل (الفن) لبضاعتهم، الأمر الذي يختزل معنى تعظيم الشهر الكريم في أذهان الكثيرين في صورة أداء الطاعات دون أن يتلازم معها الانتهاء عن المحرمات، ولذلك لا نبالغ إذا قلنا أن المواد الإعلامية الفاسدة التي تبثها الشاشة الصغيرة داخل البيوت، تُعدُّ التحدي الأكبر الذي يواجهه المربي في رمضان من كل عام، فالمربي هو المسؤول الأول عن وقاية أبنائه من النار بمنع تعرُّضهم لأسباب دخلوها؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: “اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر، ينجيكم الله من النار”[4].
وليعلم المربي أن مواجهة هذه الفتنة لن تأتي أبدًا بإصدار الأوامر، أو نزع الأسلاك والكابلات، لكن تأتي أولًا: بالقدوة الحسنة التي تتمثل في موقف الوالدين الواضح من هذه البرامج، موقفًا حازمًا لا يعتريه تذبذب أو روغان، والتعليم بالرفق واللين والمجادلة بالتي هي أحسن ثم بالتفهيم.
ثانيًا: تربية الأبناء على مراقبة الله تعالى، وتذكيرهم بالآيات والأحاديث التي تدعم هذا الجانب، مثل قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36 ]، ومعناه التحذير من أن تسمع ما لا يحل لك، أو تنظر إلى ما لا يحل لك، أو تعتقد ما لا يحل لك، ويردد المربي على أسماعهم من الأحاديث ما يزكي معنى المراقبة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “احفَظ الله يحفظك”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “اتق الله حيثما كنت”، ونحو ذلك.
ثالثًا: لا بد من تصحيح وبناء فكر سليم لدى الأطفال تجاه الإعلام، وأنه ليس كل ما يُعرَض فيه يرضي الله تعالى، أو يصلح للمشاهدة، لذلك لا بد أن يكون تعامل المؤمن معه انتقائيًّا، فلا يشاهد إلا ما يرضي ربه ويزيد في حسناته.
4- تدريب الأبناء في شهر القرآن على تلاوة القرآن وتدبر القرآن.
5- تعويد الأبناء على اغتنام العشر الأواخر والاعتكاف وتحري ليلة القدر.