أحكام المهور والعشرة بين الزوجين (خطبة)
أحكام المهور والعشرة بين الزوجين
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ، أما بعدُ:
فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: «أحْكَامُ المُهورِ، والعشرةِ بين الزوجين».
المحور الأول: الشُّروطُ في النِّكَاحِ.
المحور الثاني: أحْكَامُ المُهُورِ في النِّكَاحِ.
المحور الثالث: أَحكَامُ العِشْرَةِ بينَ الزَّوجَينِ.
واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.
المحور الأول: الشُّروطُ في النِّكَاحِ:
إذَا اشْتَرَطَ وَلِيُّ الزَّوجةِ عَلَى الزَّوجِ قَبْلَ العَقدِ شَرْطًا مِنْ مَصْلَحَةِ الزَّوجَةِ وَجَبَ عَلَى الزَّوجِ أَنْ يَفِيَ بِهِ.
كَأَنْ يَشْتَرِطَ مَهْرًا مُعَيَّنًا، أَوْ نَفَقَةً واجِبَةً، أَوْ أَنْ لَا يَنْقُلَ الزَّوجَةَ مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا، أَوْ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا، أَوْ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ﭬ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ه: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ»[1].
أَيْ أَحَقُّ الشُّرُوطِ بِالْوَفَاءِ شُرُوطُ النِّكَاحِ[2].
فَإِنْ لَمْ يَفِ الزَّوْجُ بِالشَّرْطِ، فَلِلزَّوْجَةِ الخِيَارُ: إِمَّا المُضِيُّ مَعَهُ، وَإِمَّا فَسْخُ النِّكَاحِ.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»[3].
وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ وَلِيَّتَهُ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ وَلِيَّتَهُ وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا، سَوَاءٌ سَكَتَا عَنْهُ، أَوْ شَرَطَا نَفْيَهُ بَطَلَ النِّكَاحُ، ولَمْ يَصِحَّ[4].
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ»[5].
وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً مُطَلَّقَةً ثَلاثًا بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَهَا مَتَى أَحَلَّهَا للزَّوجِ الأَوَّلِ بَطَلَ النِّكَاحُ، ولَمْ يَصِحَّ.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُحَلِّلَ، وَالمُحَلَّلَ لَهُ»[6].
روَى ابنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ المُسْتَعَارِ؟»، قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «هُوَ المُحَلِّلُ»[7].
وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً لِمُدَّةٍ معْلُومَةٍ، كَشَهْرٍ، أَوْ سَنَةٍ بَطَلَ النِّكَاحُ، ولَمْ يَصِحَّ.
رَوَى مُسْلِمٌ عنْ سَبْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ ه نَهَى عَنْ نِكَاحِ المُتْعَةِ»[8].
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ﭭ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ في الاِسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»[9].
وإِذَا وَجَدَ أَحَدُ الزَّوجينِ في الآخَرِ عَيبًا يَمْنَعُهُ مِنَ الجِمَاعِ كَالبَرَصِ، أَوِ الجُذَامِ، أَوِ الجُنُونِ، فَلَهُ حَقُّ الفَسْخِ، وَأَخْذُ مَا دَفَعَهُ للمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لا يَعْلَمُ بالعَيبِ وَقْتَ العَقْدِ.
المحور الثاني: أحْكَامُ المُهُورِ في النِّكَاحِ:
اعلمُوا أَيُّهَا الإِخوةُ المُؤمنونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْقَدَ النِّكَاحُ بِمَهْرٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ه كَانَ يَتَزَوَّجُ، وَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِمَهْرٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ النِّكَاحُ مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ.
لِقِوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُن ﴾ [البقرة: 236].
وَلَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ فِي المَهْرِ إِذَا حَدَثَ شَيءٌ مِنْ هَذِهِ الأُمورِ الأَرْبَعَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوجُهَا:
الأول: إِنْ فَسَخَ الزَّوجُ النِّكَاحَ؛ لِأَجْلِ وجُودِ عَيْبٍ فِي زَوْجَتِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ جِمَاعِهَا.
الثاني: إِنْ أَسْلَمَتِ الزَّوْجَةُ، وَزَوْجُهَا كَافِرٌ.
الثالث: إِنِ ارْتَدَّتِ الزَّوْجَةُ، وَزَوْجُهَا مُسْلِمٌ.
الرابع: إِنْ طَلَبَتِ الزَّوْجَةُ الخُلْعَ[10].
رَوَى البُخَارِيُّ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﭭ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ، وَلَا خُلُقٍ إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الكُفْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟»، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا[11].
وَتَسْتَحِقُّ المرْأَةُ نِصْفَ المَهرِ فقَطْ إِذَا حَدَثَ شَيءٌ مِنْ هَذِهِ الأُمورِ الأَربَعَةِ:
الأول: إِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ، وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ كَافِرَةً غَيرَ كِتَابِيَّةٍ.
الثاني: إِنِ ارْتَدَّ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِزَوْجَتِهِ المُسْلِمَةِ.
الثالث: إِنْ فَسَخَتِ المَرْأَةُ النِّكَاحَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَجْلِ وجودِ عَيْبٍ فِي زَوْجِهَا يَمْنَعُهُ مِنْ جِمَاعِها.
الرابع: إِنْ طَلَّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا.
قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾ [البقرة: 237].
وَتَسْتَحِقُّ المرْأَةُ المَهرَ كَامِلًا إِذَا حَدَثَ شَيءٌ مِنْ هَذَينِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوجُهَا:
الأول: إِنْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَمَاتَ عَنْهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ، فَقَالَ: «لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَعَلَيْهَا العِدَّةُ، وَلَهَا المِيرَاثُ»، فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ رضي الله عنه: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِهِ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ»[12].
الثاني: إِنْ جَامَعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا، فَالمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا»[13].
المحور الثالث: أَحكَامُ العِشْرَةِ بينَ الزَّوجَينِ:
اعلَمُوا أَيُّهَا الإخوةُ المؤمنونَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ طَاعَةُ زَوْجِهَا إِلَّا إِذَا أَمَرَهَا بِمَعْصِيَةِ اللهِ.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ، لأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا»[14].
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»[15].
وَإِذَا أَمَرَهَا بِمَعْصِيَةِ اللهِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُطِيعَهُ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»[16].
وَعَلَى الزَّوجِ أَنْ يُعَامِلَ زَوجَتهُ بِالمَعْرُوفِ.
لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].
أَيْ وَخَالِقُوا أَيُّهَا الرِّجَالُ نِسَاءَكُمْ، وَصَاحِبُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ بِمَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنَ المُصَاحَبَةِ، وَذَلِكَ إِمْسَاكُهُنَّ بِأَدَاءِ حُقُوقِهِنَّ الَّتِي فَرَضَ اللهُ جَلَّ ثناؤُهُ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ إِلَيْهِنَّ، أَوْ تَسْرِيحٍ مِنْكُمْ لَهُنَّ بِإِحْسَانٍ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228].
وَالمَعْرُوفُ: هُوَ مَا تَعَارَفَ عَلَيْهِ النَّاسُ مَا لَمْ يُخَالِفُ الشَّرْعَ.
وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الزَّوجَةِ أَنْ تُعَاشِرَ زَوْجَهَا بِالمَعْرُوفِ[17].
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاء خَيْرًا»[18].
ففِي هَذَا الحَدِيثِ:مُلَاطَفَةُ النِّسَاءِ، وَالإِحْسَانُ إِلَيْهِنَّ، وَالصَّبْرُ عَلَى عِوَجِ أَخْلَاقِهِنَّ، وَاحْتِمَالُ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ، وَكَرَاهَةُ طَلَاقِهِنَّ بِلَا سَبَبٍ، وَأَنَّهُ لَا يُطْمَعُ بِاسْتِقَامَتِهَا[19].
وَيَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ مَعَ زَوْجَتِهِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ:
الأول: يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ فِي دُبُرِهَا.
رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ﭬ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ»[20].
وَرَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى حَائِضًا، أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»[21].
وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا»[22].
وَقَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: «اتَّفَقَ العُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ المَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا حَائِضًا كَانَتْ، أَوْ طَاهِرًا»[23].
الثاني: يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ نُفَسَاءُ.
لِقِوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].
ورَوَى مُسْلِمٌ عنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ»[24].
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: «كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا»[25].
والنِّفَاسُ كَالحَيْضِ، فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ[26].
الثالث: يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ صَائِمَةٌ صِيَامَ فَرْضٍ، كَرَمَضَانَ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»[27].
الرابع: يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «الرَّفَثُ: التَّعْرِيضُ بِذِكْرِ الجِمَاعِ، وَهُوَ أَدْنَى الرَّفَثِ»[28].
أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، أما بعد:
فإنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجَةِ مَعَ زَوْجِهَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:
الأول: يَحْرُمُ عَلَى المَرْأَةِ أنْ تَمْتَنِعَ مِنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»[29].
وَمَعْنَى الحَدِيثِ: أَنَّ اللَّعْنَةَ تَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَزُولَ المَعْصِيَةُ بِطُلُوعِ الفَجْرِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا، أَوْ بِتَوْبَتِهَا وَرُجُوعِهَا إِلَى الفِرَاشِ[30].
وَلَيْسَ الحَيْضُ بِعُذْرٍ فِي الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّ لَلزَّوجِ حَقًّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا في غَيرِ الفَرْجِ.
الثاني: يَحْرُمُ عَلَى المَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ تَطَوُّعَا وَزَوْجُهَا مَوْجُودٌ فِي البَلَدِ إِلَّا إِذَا أَذِنَ لَهَا.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﭬ، عَنِ النَّبِيِّ ه: «لَا تَصُومُ المَرْأَةُ وَبَعْلُهَا[31] شَاهِدٌ[32] إِلَّا بِإِذْنِهِ»[33].
وَفِي لَفْظٍ: «غَيْرَ رَمَضَانَ»[34].
الثالث: يَحْرُمُ عَلَى المَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ لِغَيْرِ شِدَّةٍ تُلْجِئُهَا إِلَى ذَلِكَ.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عن ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ»[35].
أَيْ مَمْنُوعٌ عَنْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ، وَذَلِكَ عَلَى نَهْجِ الوَعِيدِ، وَالمُبَالَغَةِ فِي التَّهْدِيدِ[36].
الدعـاء…
اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء.
اللهم إنا نعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، ونعوذ بك من الخيانة فإنها بئستِ البِطانة.
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربُّنا ونحن عبيدك، ظلَّمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا، فاغفر لنا ذنوبنا جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، واصرِف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، إنا بك وإليك، تباركتَ وتعاليتَ، نستغفرك ونتوب إليك.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.
[1] متفق عليه: رواه البخاري (2721)، ومسلم (1418).
[2] انظر: «فتح الباري» (9/ 217).
[3] صحيح: رواه أبوداود (3596)، والترمذي (1352)، وقال: «حسن صحيح»، وصححه الألباني.
[4] انظر: «كشاف القناع» (11/ 268).
[5] متفق عليه: رواه البخاري (5112)، ومسلم (1415).
[6] صحيح: رواه أبو داود (1811)، والترمذي (1119)، وابن ماجه (1935)، وصححه الألباني.
[7] حسن: رواه ابن ماجه (1936)، وحسنه الألباني.
[8] صحيح: رواه مسلم (1406).
[9] صحيح: رواه مسلم (1406).
[10]الخُلْعُ: هُوَ أَنْ تَطْلُبَ المَرْأَةُ مُفَارَقَةَ زَوْجِهَا فيُفَارِقَهَا عَلَى عِوَضٍ تَبْذُلُهُ لَهُ.
[11] صحيح: رواه البخاري (5276).
[12] صحيح: رواه أبو داود (2116)، والترمذي (1145)، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي (3354)، وابن ماجه (1891)، وصححه الألباني.
[13] صحيح: رواه أبو داود (2085)، والترمذي (1102)، وحسنه، وابن ماجه (1879)، وصححه الألباني.
[14] صحيح: رواه أبو داود (4142)، والترمذي (1159)، وابن ماجه (1853)، وصححه الألباني.
[15] متفق عليه: رواه البخاري (3237)، ومسلم (1436).
[16] متفق عليه: رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840).
[17] انظر: «تفسير الطبري» (8/ 121).
[18] متفق عليه: رواه البخاري (3331)، ومسلم (1468).
[19] انظر: «شرح صحيح مسلم» (10/ 57).
[20] صحيح: رواه الترمذي (1164)، والنسائي في «الكبرى» (8933)، وابن ماجه (1924)، وصححه الألباني.
[21] صحيح: رواه أبو داود (3906)، والترمذي (135)، وابن ماجه (639)، وصححه الألباني.
[22] صحيح: رواه النسائي في «الكبرى» (9002)، وابن ماجه (1923)، وصححه الألباني.
[23] انظر: «شرح صحيح مسلم» (10/ 6).
[24] صحيح: رواه مسلم (302).
[25] متفق عليه: رواه البخاري (302)، ومسلم (293).
[26] انظر: «الكافي» (2/ 222).
[27] متفق عليه: رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840).
[28] انظر: «تفسير الطبري» (3/ 458).
[29] متفق عليه: رواه البخاري (3237)، ومسلم (1436).
[30] انظر: «شرح صحيح مسلم» (10/ 7-8).
[31] بَعْلُهَا: أَيْ زَوْجُهَا. [انظر: «عمدة القاري» (20/ 184)].
[32] شَاهِدٌ: أَيْ حَاضِرٌ، يَعْنِي مُقِيمٌ فِي البَلَدِ، إِذْ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَهَا الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ بهَا. [انظر: «عمدة القاري» (20/ 184)].
[33] متفق عليه: رواه البخاري (5192)، ومسلم (1026).
[34] صحيح: رواه أبو داود (2460)، وابن ماجه (1761)، وصححه الألباني.
[35] صحيح: رواه أبو داود (2228)، والترمذي (1187)، وحسنه، وابن ماجه (2055)، وصححه الألباني.
[36] انظر: «فيض القدير»، للمناوي (3/ 138).