أحكام زكاة الفطر


سلسلة مقالات: أحكام زكاة الفطر

المقال الأول

أولًا: المقصود بزكاة الفطر

زكاة الفطر في الاصطلاح:

هي صدقة تجب بالفطر من رمضان، وسُمِّيت بصدقة الفطر؛ لأنها تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان.

 

وهذا من جهة أنه أضاف الصدقة إلى الفطر، والإضافة تقتضي الاختصاص؛ أي: الصدقة المختصة بالفطر.

 

ثانيًا: الأصل في وجوب زكاة الفطر:

الكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب فقول الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14، 15].

 

قُال ابن كثير: رُوينَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِإِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ (قد أسنده البيهقي في الكبرى (7815) وسنده صحيح).

 

وقد روى ابن خزيمة أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئلَ عن قَولِه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ قال: “هِىَ زَكاةُ الفِطرِ”.

 

قال الذهبي: في إسناده “كثير بن عبد الله”، قال الشافعي وأبو داود: ركن من أركان الكذب، وضرب أحمد على حديثه، وقال الدارقطني وغيره: متروك؛ (ميزان الاعتدال (3 /407)).

 

وأمَّا السنة:

عَنِ ابْنِ عُمَرَ “أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ ‌زَكَاةَ ‌الْفِطْرِ ‌مِنْ ‌رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ…”؛ رواه الجماعة.

 

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صارخًا ببطن مكة ينادي: “إن صدقة الفطر حقٌّ واجبٌ على كل مسلم”؛ أخرجه الحاكم (1492)، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ».

 

قال ابن عبد البر: معنى قوله: “فرض” عند أهل العلم أوجب، وما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأمر الله أوجبه، وما كان لينطق عن الهوى؛ (الاستذكار (3 /265)).

 

أمَّا الإجماع:

قال ابن المنذر: “وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض، وأنها تجب على المرء إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الذين لا أموال لهم…”؛ (الإجماع (ص/47))، وممن نقل هذا الإجماع: زين الدين العراقي في طرح التثريب (46/4)، وابن رشد في بداية المجتهد (3 /133).

 

قال النووي: “قول ابن اللبان- أي: بعدم وجوبها – شاذ منكر، بل غلط صريح…”؛ (الروضة (1 /465)).

 

تنبيه:

عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: “أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، ‌فَلَمَّا ‌نَزَلَتِ ‌الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهَا”؛ رواه أحمد (23840)، وصحَّحه الألباني في صحيح ابن ماجه (1493).

 

لا يستدل به على نسخ فرضية زكاة الفطر الأمور:

1- نزول فرض لا يوجب سقوط الآخر، والزيادة في جنس العبادة لا توجب نسخ الأصل المزيد عليه.

 

2- قد سبق الأمر بزكاة الفطر، والأصل بقاؤه.

 

3- قد أجمع أهل العلم على وجوب زكاة الفطر، وإن اختلفوا في تسميتها فرضًا.

 

4- ما ورد من تعديل الكيل لمدين من حنطة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا مع بقاء فرضها، فكان هذا مخالفًا لما قاله قيس في ذلك؛ [وانظر معالم السنن (430/1) والسنن الكبرى للبيهقي (269/4) وشرح مشكل الآثار (51/6)].

 

الحكمة من وجوب زكاة الفطر:

لا شك أن مشروعية زكاة الفطر لها حِكَم كثيرة، من أبرزها وأهمها ما ورد في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، أنه قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ ‌طُهْرَةً ‌لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ…»؛ أخرجه أبوداود (1609)، وحسَّنه النووي في المجموع (126/6)، وابن قدامة في المغني (284/4)، وصحَّحه الحاكم على شرط البخاري.

 

1- فهي طُهْرةٌ للصائم من اللغو والرفث، حيث تجبر ما قد وقع من خلل صوم المسلم في رمضان.

 

2- وطعمةٌ للمساكين: فهي إغناء لهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال للسرور عليهم.

 

قال وكيع بن الجرَّاح:

صدقة الفطر لرمضان كسجدتَي السهو للصلاة لجبر النقصان؛ ا هـ.

 

قال ابن الملقن: فإن قلت: فقد وجبت على من لا إثم عليه ولا ذنب؛ كالصغير، والصالح المحقق الصلاح، والكافر الذي أسلم قبل غروب الشمس بلحظة.

 

قلنا: التعليل بالتطهير لغالب الناس، كما أن القصر في السفر جُوِّز للمشقة، فلو وجد من لا مشقة عليه فله القصر.

 

وكذلك يقال: إنه إذا تخلَّفت هذه العلة في حقِّه، ثبتت العلة الأخرى، وهي “طعمة للمساكين”؛ [الإعلام (5/ 119)، وفتح ذي الجلال والإكرام (3/ 95)].

 

وصلى الله على النبي وسلم.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
الزكاة.. وأخطاؤها
Data and Goliath: The Hidden Battles to Collect Your Data and Control Your World – American University