أحكام نوازل المصحف الإلكتروني (PDF)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فهذا بحث عن:
«أحكام نوازل المصحف الالكتروني»
وهو المبحث الثاني لباب المصحف الالكتروني والمشتمل على عدة مباحث:
المبحث الأول (التأصيل): حكم مس المصحف بغير طهارة.
المبحث الثاني: أحكام نوازل المصحف الالكتروني.
المطلب الأول: حكم مس شاشة المصحف الالكتروني بغير طهارة.
المطلب الثاني: الدخول بالمصحف الالكتروني إلى الخلاء.
المطلب الثالث: استعمال آيات القرآن في نغمات الجوال.
المطلب الرابع: وضع الآيات القرآنية خلفيات للجوال والحاسوب .
المطلب الخامس: الرقية عبر وسائل الاتصال الحديثة.
المطلب السادس: سماع تسجيل القرآن بغير تدبر لأجل الحفظ أو النوم.
المطلب السابع: قراءة القرآن من الجوال في الصلاة.
أحكام نوازل المصحف الالكتروني
المطلب الأول: مس شاشة المصحف الالكتروني بغير طهارة:
صورة المسألة أن يفتح زيد تطبيق المصحف في هاتفه الجوال ويقلب صفحات المصحف على الشاشة بإصبعه بدون حائل.
يفرق جمع من أهل العلم في أحكام المصحف بين ما كان أصله الثبوت كورق المصحف وما ليس كذلك كالكتابة على السبورة واللوح، ولذلك جوز غير واحد منهم مس الصبي للوح بخلاف المصحف، وعليه فلا تقاس شاشة الحاسوب أو الجوال على ورق المصحف، والأقرب أنه لا يجب التطهر لمس شاشة الجوال إذا عرضت الآيات القرآنية فليست مصحفاً ثابتاً بآيات القرآن وإنما أشبه بالمرآة التي تعكس الآيات ثم تختفي، ولا فرق في الأجر والثواب بين القراءة من المصحف الورقي والالكتروني.
المطلب الثاني: الدخول بشاشة المصحف الالكتروني إلى الخلاء
صورة المسألة أن يقوم إنسان بفتح شاشة الجوال على المصحف ويدخل به إلى الخلاء والشاشة مفتوحة.
إذا كانت الشاشة مفتوحة على المصحف فإنه لا يجوز الدخول بها إلى الخلاء، لا لأن الشاشة تأخذ أحكام المصحف الورقي ولكن لأن فيه إهانة لآيات الله التي تظهر على الشاشة، ومثله تشغيل صوت قراءة القرآن على الجوال داخل الخلاء، فقراءة القرآن عبر تسجيل صوتي ليس لها حكم القراءة المباشرة من كل وجه ولكن فيها شائبة إهانة فنهي عنها، وأما إذا كانت شاشة الجوال مغلقة لا تظهر فيها الآيات فيجوز إدخالها لعدم المحظور.
المطلب الثالث: حكم استعمال آيات القرآن في نغمات الجوال والمنبهات
صورة المسألة: أن يضع عمرو نغمة الاتصال لجواله قراءة سورة الفاتحة.
يكل عليه أن وضع الجوال في هذه الحال لا يخلو من إمكان الامتهان فقد يأتيه اتصال وهو في الخلاء أو في أماكن غير لائقة، وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، وفتوى اللجنة الدائمة، ودار الإفتاء المصرية بتحريم هذه النغمات[1].
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ما نصه: “لا يجوز استخدام آيات القرآن الكريم للتنبيه والانتظار في الهواتف الجوالة وما في حكمها؛ وذلك لما في هذا الاستعمال من تعريض القرآن للابتذال والامتهان بقطع التلاوة وإهمالها، ولأنه قد تتلى الآيات في مواطن لا تليق بها “[2].
المطلب الرابع: وضع الآيات القرآنية خلفيات للجوال والحاسوب
صورة ذلك أن يضع إنسان في خلفية جواله كتابة لآية قرآنية للتذكير بالآخرة أو برقابة الله ونحو ذلك.
يجوز كتابة الآية القرآنية ووضعها كخلفية في الجوال بضوابط:
• ألا تكون على شكل إنسان أو حيوان.
• أن تكون الخلفية خالية من المنكرات.
• أن يكون بقصد الاعتبار وليس الزينة حتى لا تخرج الآيات عن مقصودها.
• ألا يفتح شاشة جواله في الخلاء وأماكن النجاسات.
ومثل ذلك يقال في خلفية الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
المطلب الخامس: حكم الرقية عبر وسائل الاتصال الحديثة
صورة ذلك أن يقوم راقٍ بالاتصال برجل آخر فيقرأ عليه المعوذات وينفث على الهاتف.
أولاً: ينبغي أن يُعلم أن الأصل في الرقية أن الإنسان يرقي نفسه، هذا هو الأفضل لتحقيق حسن التوكل ومن ثماره دخول الجنة من غير حساب ولا عذاب.
لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قيلَ لِي: انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذا وهَكَذا، فَرَأَيْتُ سَوادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقِيلَ: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ، ومع هَؤُلاءِ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسابٍ. فَتَفَرَّقَ النّاسُ ولَمْ يُبَيَّنْ لهمْ، فَتَذاكَرَ أصْحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالوا: أمّا نَحْنُ فَوُلِدْنا في الشِّرْكِ، ولَكِنّا آمَنّا باللَّهِ ورَسولِهِ، ولَكِنْ هَؤُلاءِ هُمْ أبْناؤُنا، فَبَلَغَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: هُمُ الَّذِينَ لا يَتَطَيَّرُونَ، ولا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَكْتَوُونَ، وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون) [3]، فترك طلب الرقية من الآخرين من أسباب دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب.
ثانياً: الرقية عمل بنية، ومباشرة النفث على المريض لا يتحقق في الرقية عبر وسائل الاتصال الحديثة، فلذلك وغيره ذهب جمع من المعاصرين إلى النهي عن الرقية عن بعد وأنها من المحدثات التي لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولم ترد عن السلف، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)[4].
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: “الرقية لا بد أن تكون على المريض مباشرة، ولا تكون بواسطة مكبر الصوت، ولا بواسطة الهاتف؛ لأن هذا يخالف ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- وأتباعهم بإحسان في الرقية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
ويمكن أن يستعاض عن ذلك بأحد أمرين:
الأول: الدعاء، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة:186].
وروى مسلم في صحيحه عن صفوان بن عبد الله أنه وجد أم الدرداء رضي الله عنها فقالت: أَتُرِيدُ الحَجَّ العامَ، فَقُلتُ: نَعَمْ، قالَتْ: فادْعُ اللَّهَ لَنابخَيْرٍ، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ: (دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ ُمسْتَجابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعا لأَخِيهِ بخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ وَلَكَ بمِثْلٍ)[5].
قال النووي رحمه الله: “ وَفِي هَذَا فَضْل الدُّعَاء لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِظَهْرِ الْغَيْب , وَلَوْ دَعَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَة , وَلَوْ دَعَا لِجُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالظَّاهِر حُصُولهَا أَيْضًا , وَكَانَ بَعْض السَّلَف إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو لِنَفْسِهِ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِتِلْكَ الدَّعْوَة ; لِأَنَّهَا تُسْتَجَاب , وَيَحْصُل لَهُ مِثْلهَا “[6].
والثاني: بالرقية في الماء وإرسالها إلى المرقي له فهذا من التحصين الجائز في حال غيابه.
وإذا خشي على صاحبه أو أهل بيته من العين أو السحر فيحثهم على الأذكار الشرعية كأذكار الصباح والمساء والأذكار دبر الصلوات وعند النوم والمعوذات والإكثار من قراءة القرآن.
المطلب السادس: سماع تسجيل القرآن بغير تدبر لأجل الحفظ أو النوم
صورة ذلك أن يقوم إنسان بتشغيل تسجيل القرآن في سماعات أذنيه وهو منشغل في عمله عن تدبره وهدفه من ذلك أن يحفظ هذه السورة، وكذلك من يشغل مقطع لسورة البقرة قبل النوم لأنه يحب أن يسمعها عند النوم.
أولاً: فيما يتعلق بمراجعة المحفوظ فلا يخلو من أمرين:
♦ إذا كان انشغاله عن الاستماع لا يشغله زيادة الحفظ فلا بأس بسماع التسجيل؛ كمن قرأ القرآن للمراجعة بغير تدبر، وإن كان الأفضل التدبر ولا شك، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص:29].
♦ وأما إن كان العمل يشغله حتى عن زيادة الحفظ وكأن هذه المقطع لا وجود له كمن يلقى محاضرة أمام الناس وجهاز التسجيل يعمل فهذا يمنع منه لعدم تحقق مقصوده من التدبر أو الحفظ وفيه شائبة إعراض.
ثانياً: إن كان تشغيله لأجل النوم فهذا يرجى فيه خير للمستمع من تدبر الآيات قبل النوم، فلا بأس به وإن استمر التشغيل بعد النوم، وينبغي أن يكون مقصوده التدبر لا مجرد استجلاب النوم.
المطلب السابع: قراءة القرآن من الجوال في الصلاة
صورة ذلك أن يقوم إنسان الليل وهو حامل الجوال يقرأ من تطبيق المصحف.
الأصل في حمل المصلي للمصحف الجواز عند الحاجة وإن كان تركه أولى؛ فعامة حال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته وأصحابه رضي الله عنهم عدم حمل شيء، ولكن إن احتاج إلى حمل شيء جاز لما جاء في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بنْتَ زَيْنَبَ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَها، وإذَا قَامَ حَمَلَهَا) ولمسلم: (وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي المَسْجِدِ)[7].
وقد جاءت آثار عن الصحابة بإباحة ذلك منها:
♦ ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه قال: حدثنا ابن علية عن أيوب قال: سمعت القاسم يقول: (كان يؤم عائشة رضي الله عنها عبد يقرأ في المصحف) [صحيح][8].
♦ وما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن سعد في الطبقات والبيهقي في سننه من طرق عن عيسى بن طهمان قال حدثني ثابت البناني قال: (كان أنس رضي الله عنه يصلي وغلامه يمسك المصحف خلفه فإذا تعايا في آية فتح عليه) [إسناده صحيح][9].
ويقاس حمل الجوال لقراءة القرآن على حمل المصحف، فلا بأس بحمله عند الحاجة، والله أعلم.
[1] ينظر: مجلة الدعوة، العدد 1795 (ص 42).
[2] قرارات مجمع الفقه الإسلامي في دورته التاسعة عشرة بتاريخ 29 / 10 / 1428 هـ، 10 / 11 / 2007 م.
[3] البخاري (6521)، ومسلم (220).
[4] البخاري (2697)، ومسلم (1718).
[6] شرح النووي (49/17).
[7] البخاري (516)، ومسلم (543).
[8] ابن أبي شيبة (7293).
[9] ابن أبي شيبة (7414)، وابن سعد (7496)، والبيهقي (5999).