أسباب الوقوع في الذنوب
أسباب الوقوع في الذنوب
1 – الابتلاء بالخير والشر:
قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الانبياء35].
وقال سبحانه: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت 1 – 3].
وقال سبحانه: ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف 168].
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (لا بُد من الابتلاء بما يؤذى الإنسان، فلا خلاص لأحد مما يؤذيه البتة. ولهذا ذكر الله تعالى في غير موضع من كتابه أنه لا بد أن يُبتلى الناس. والابتلاء يكون بالسّراءِ والضرّاء، ولا بد أن يُبتلى الإنسان بما يسّره وما يسوؤه، فهو محتاج إلى أن يكون صابرًا شكورًا.
سأل رجل الشافعي فقال: يا أبا عبد الله، أيما أفضل للرجل، أن يُمَكن أو يُبتلى؟ فقال الشافعي: لا يُمكّن حتى يُبتلى، فإن الله ابتلى نوحًا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فلما صبروا مكّنهم فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة. (مدارج السالكين لابن القيم 2/ 283).
2 – ضعف الإيمان واليقين بالله وعدم الخوف منه سبحانه:
إن ضعف إيمان العبد بخالقه ورازقه ومدبر أمره، الذي لا يخفى عليه من خلقه خافية، أمر عظيم خطير، حيث أن عدم الخوف من الله تعالى وعدم خشيته ومراقبته تجعل الانسان يستخف بوعد الله ووعيده. فأما وعد الله في الدنيا فبالنصر والسعادة والسيادة. وأما في الآخرة فجنته التي عرضها السموات والأرض. أعدها الله لمن اتقاه. وأما وعيده في الدنيا فبالشقاء والذل والمهانة وعدم الطمأنينة وأما في الآخرة فبالأنكال والأغلال والسلاسل يُسحبون إلى النار وبئس القرار.
لهذا كان لزامًا على كل عبد مؤمن موفق أن يتقي الله ويخشاه حق خشيته فيأتمر بأمره وينتهي عن نواهيه.
ولقد كان أخوف الناس وأشدهم خشية لله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: «والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له»؛ (رواه مسلم).
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال: « عُرضت عليّ الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر. ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا »، قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشدّ منه. قال: غَطوا رؤوسهم ولهم خنين.
(الخنين: صوت البكاء).
وعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع الا وملَك واضع جبهته لله ساجدًا، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا وما تلذذتم بالنساء على الفُرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله”، قال أبو ذر: لَوَدِدتُ أني كنتُ شجرة تُعضَد.
(رواه الترمذي وابن ماجه وعنده حسن).
وكذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس خشية لله وأخوفهم منه.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو نادى مناد من السماء أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلًا واحدًا لخفت، أن أكون أنا هو).
وروى عنه أنه لما طُعن قال: (لو أن لي طِلاعَ الأرض ذهبًا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه، فقال لي: ضع رأسي. قال: فوضعته على الأرض، فقال: ويلي وَوَيل أمي إن لم يرحمني ربي)؛ (شرح السنة للبغوي 14/ 373).
3 – الجهل بالله تعالى:
لقد ذمَّ الله تعالى الجهل وأهله وبين قبح أثره ووخيم عاقبته.
فقال تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة 50].
وقال سبحانه: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف 199].
وصف سبحانه عباد الرحمن بقوله تعالى: ﴿ وَإذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان 63].
وتتحدث السنة المطهرة عن الجهل، فيقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسُئلوا فأفتَوا بغير عِلم فضلّوا وأضلوا”؛ (رواه البخاري).
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله -:
والجهلُ داءٌ قاتل وشفاؤه أمرانِ في التركيبِ متفقانِ نصٌ من القرآنِ أو من سُنَّةٍ وطبيب فذاك العالمُ الربانِي |
ولما كان الجهل داءًا دويًّا، ومرضًا مستحكمًا قويًا كان دواؤه الذي هو العلم أصعب شيء على النفس وأشقه، وكلما كانت الغاية غالية، اقتضت همة عالية ونفس سامية، لذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حماية الأمة من الضلال والإضلال إنما هو بالعلم، وقد امتدح الله سبحانه وتعالى العلم وأهله العاملين به وأثنى عليهم بقوله: ﴿ إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر 28].
وقوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إلَهَ إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران 18].
فالواجب على كل مسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى ويخشاه في أي مكان وفي أي زمان كما أن عليه أن يخرج من عداد الجاهلين بالله وبأسمائه وصفاته إلى عِداد العالمين به، وبما يجب له سبحانه من إخلاص العبادة. وما يجوز وما يستحيل في حقه سبحانه، وهذا هو التوحيد الذي هو حق الله على العبيد.
4 – حب الدنيا والركون إلى الشهوات:
قال الله تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران 14].
عدّد الله سبحانه وتعالى في هذه الآية جملة من الشهوات التي يرغبها ويحبها البشر ويطمأنون إليها، ثم بيَّن سبحانه أن ذلك كله متاع زائل عاجل، وعند الله أفضل المرجع والمنقلب والثواب، فالواجب على الإنسان أن يكون على حذر من الدنيا، وأن يتذكر ما ذهب من عُمرِه، هل كان في طاعة الله أم في معصيته، وأن يتذكر ما جاء في القرآن الكريم من عِبر وعظات وآيات محكمات تزهِّد في الدنيا. وتُرغِّب في طلب الآخرة. قال الله عز وجل: ﴿ إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس 24].
وقال سبحانه: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران 185].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان 33].
وقال تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت 64].
ولقد حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم من الافتتان بالدنيا والركون إلى شهواتها فقال صلى الله عليه وسلم: ((فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككلم كما أهلكتهم”؛ (رواه البخاري ومسلم).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس. قال: “ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يُحبك الناس”؛ (حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره).
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأُمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومِن قِلَّة نحن يومئذ؟
قال: “بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليَنزِعَن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليَقذِفَن في قلوبكم الوهن” فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: “حب الدنيا وكراهية الموت”؛ (رواه أبو داود، وذكره الألباني في الصحيحة 958).
5 – الغفلة وعدم الاعتبار:
لقد غرَّت الأماني أكثر خلق الله فتركوا سبيل الهدى وأعرضوا عن دار التهاني والقرار، فوقعوا في شرَكِ الردى، وظنوا أن يتركوا سدى، وغفلوا عن قوله تعالى: ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [القلم 45].
وقوله تعالى: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر 3].
وقوله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ (المؤمنون: 55-56).
إن الواجب على الإنسان ألا يغفل عن هذه الآيات البينات وأن يعتبر ويتعظ مما آل إليه حال كثير من الشعوب والبلاد.
قال تعالى: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [ق: 36].
(نقبوا: ساروا).
قال الشاعر: