أسباب ضيق الرزق
أسباب ضيق الرزق
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتنزل الخيرات والرحمات، والصلاة والسلام على رسول الله البشير النذير، والسراج المنير، ورضي الله عن الصحابة والتابعين لهم إلى يوم الدين، أما بعد:
أسباب ضيق الرزق:
• إن طبيعة الحياة: مجبولة على البلاء، مقرونة بالتعب والنصب، تتفاوت في البلاء شدةً وضعفًا، تلك طبيعة الدنيا التي خلقنا الله فيها، فهي دار ابتلاء كما قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2].
• فالله يبتلي عباده لينظر أيهم أحسن عملًا، تلك طبيعتها -أخي الكريم- ما من أحد إلا وله نصيب من البلاء، وقد أحسن من قال واصفًا الدنيا:
• وهذا لا يعني أن نرضى بالألم، وأن نستسلم للضرر دون تغيير، لا أبدًا، بل غاية الأمر أن نعلم أن هذا بلاء، وعليك أن تتعامل معه على أنه محنة يريد الله بها أن يرى صبرك وثباتك، ثم يخلفك من بعدها منحًا لا تتوقعها.
• الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا -أخي الكريم- ضع هذه نصب عينيك، ليس هناك شيء يسمى: الله كتب عليَّ الشقاء أو الفقر! فلا يجب أن أعمل ولا يجب أن أتعب، هذا كلام لا يستقيم! واستمع إلى هذا الحديث الذي روى الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي عن أبي خزامة أو أبي خزامة عن أبيه، قال: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، فهل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: «هي من قدر الله»؛ (رواه أحمد (421/ 3)، والترمذي (2066)، وابن ماجه (3437) والحاكم (199/ 4).
• فالأسباب من قدر الله، ويجب فعلها والعمل بها، ولا يخيب الله عبدًا فعل ما عليه، ومن أجود ما قاله محمد إقبال: إن المسلم البصير الفقيه في دينه، هو الذي يدفع قدر الله بقدر الله، ويفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، والمؤمن الضعيف يحتجُّ بقضاء الله وقدره، والمؤمن القوي يرى أنه قدر الله الذي لا يغلب، وقضاؤه الذي لا يُرَدُّ.
• يقول أحد الحكماء: (من أراد النجاح في هذا العالم فعليه أن يتغلب على أسس الفقر الستة: النوم، التراخي، الخوف، الغضب، الكسل، والمماطلة).
• النجاح لا يأتي إلا على جسر من الفشل، فلا تيأس من المحاولات وإن كثرت، فكل منها ستضيف إليك رصيدًا من الخبرة.
إن المعالي إذا ما رُمْت تطلبها فاعبر إليها على جسر من التعب |
• هناك أسباب ذكرها أهل العلم في أسباب زيادة الرزق نريدك أن تكثر منها أيها المسلم مع الأخذ بالأسباب الحسِّية فهي سنة الله في خلقه.
وما أصدقَ قول الشَّاعر:
• هذا ما يسميه العلماء بقانون السببية، وهي سنة الله لا تتغير ولا تتبدل.
1- الاستغفار: قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10- 12].
قال المفسرون: هذه الآية دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار.
• وقد جاء رجل إلى الحسن البصري فشكا إليه الجدب؛ أي: قلة المطر، فقال: استغفر الله، ثم جاءه آخر فشكا الفقر فقال: استغفر الله، ثم جاءه آخر فقال: ادعُ الله أن يرزقني ولدًا؟ فقال: استغفر الله، فقال أصحاب الحسن: ما هذا؟ سألوك في مسائل شتى، وأجبتهم بجواب واحد، وهو الاستغفار، فقال رحمه الله: ما قلت من عندي شيئًا، إن الله تعالى يقول: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾.
• التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أنكم كنتم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّلِه، لرزقتم كما ترزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا))؛ أخرجه الترمذي (2344)، وابن ماجه (4164)، وأحمد (205) واللفظ له.
فربط النبي صلى الله عليه وسلم التوكُّل الحق بالسعي على الرزق:
2- المتابعة بين الحج والعمرة: فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة))؛ أخرجه الترمذي (810) واللفظ له، والنسائي (2631)، وأحمد (3669) باختلاف يسير.
3- صلة الأرحام: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن سرَّه أن يبسط الله عليه في رزقه، أو ينسأ في أثره، فليَصِل رحمه))؛ أخرجه مسلم (2557) باختلاف يسير.
4- الصدقة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: ((يا بْنَ آدَمَ، أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)) وقالَ: ((يَمِينُ اللهِ مَلأَى (وقالَ ابنُ نُمَيْرٍ مَلآنُ) سَحَّاءُ لا يَغِيضُها شيءٌ اللَّيْلَ والنَّهارَ))؛ أخرجه البخاري (4684، 7411)، ومسلم (993).
5- المداومة على الدعاء: الدعاء سهم صائب متى ما انطلق من قلب صادق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء ومن قوله: ((اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر))؛ أخرجه النسائي (1347)، وأحمد (20397).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعوَّذُوا باللهِ من الفقرِ والقِلَّةِ والذِّلَّةِ وأن تَظْلِمَ أو تُظْلَمَ))؛ أخرجه أبو داود (1544) باختلاف يسير، والنسائي (5461)، وابن ماجه (3842)، وأحمد (10986) واللفظ لهم.
6- من أسباب الرزق كذلك: التبكير إلى طلب الرزق، فعن صخر الغامدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم بارك لأُمَّتي في بكورها))؛ أخرجه ابن ماجه (2238)، وابن حبان في ((المجروحين)) (1/ 190)، والطبراني (12/ 375) (13390).
وأخيرًا: افعل ما عليك فعله، واستعن بالله واصبر، وكن على يقين بأن الفرج قريب، وثِّق علاقتك بالله أكثر وأكثر، واعلم أن طلبك عند الله هيِّن.
أسباب ضيق الرزق:
إنَّ الله – تعالى- قد قسَّم الرزق بين عباده، وحدَّد لهم نصيبهم من الرزق، وكتب لهم رزقهم وفقًا لعلمه وحكمته، وأمرهم بالسعي في طلب هذا الرزق والأخذ بأسبابه، وأمرهم أيضًا بالرِّضا وبالإيمان بأنَّ ما لم يكن لهم لن يأتيهم مهما عملوا، وما كان لهم محالٌ أن يذهب لغيرهم، فالعبد يسعى في الأرض، ويعمل ما هو واجبٌ عليه؛ طلبًا لرزقه المقسوم الذي جعل له أسبابًا تزيده، وأسبابًا أخرى تُضيِّقه وتجعله قليلًا وليس فيه بركة.
ومن تلك الأسباب:
1- قلة التوكُّل على الله.
2- الذنوب والمعاصي.
3- كسب المال الحرام.
4- عدم أداء الحقوق المالية.
5- قطع الأرحام.
6- قلة السعي على الرزق.
وقفة مهمة:
• فإن ضيق الرزق وسعته وتأخُّر الزواج وغير ذلك من الأمور، إنما تجري بقضاء الله وقدره، قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال تعالى: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8]، وقد روى الطبراني في الكبير: عن أبي الدرداء: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله))، ورده الهيثمي في (المجمع) (4/ 72)، وقال: رواه البزار والطبراني في (الكبير)، انظر صَحِيح الْجَامِع (1630).
• وقد قدر الله سبحانه هذه الأقدار وكتبها قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ويجريها سبحانه على عباده بحكمته البالغة ورحمته الواسعة، فهو سبحانه أرحم الراحمين، وأعلم بمصالحنا من أنفسنا، قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].
• قال ابن القيم في الفوائد: والعبد- لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه- لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئًا، وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان عليًّا؛ اهـ.
ولا يطالب العبد في هذا المقام إلا بأمرين:
الأول: أن يبذل الأسباب المشروعة لتحصيل الرزق الحلال.
والثاني: أن يرضي بما قسمه الله له، فإن قضاء الله لعبده المؤمن دائمًا هو الخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له))؛ أخرجه أحمد (23930) مطولًا باختلاف يسير، وأخرجه مسلم (2999) بنحوه.
ولعلَّ أمرًا يكرهه الإنسان ويحزن لحدوثه وهو في الحقيقة محض الخير له، قال الله سبحانه: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].
• يقول ابن القيم: فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، والمحبوب قد يأتي بالمكروه، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة، لعدم علمه بالعواقب، فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد؛ انتهى.
• ولا شك أن المعاصي جميعًا- سواء كانت في حق الله أو في حقوق العباد- من أسباب ضيق الرزق نكد والعيش، جاء في المسند وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الرَّجُلَ ليُحرَمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ يُصيبُه، ولا يَرُدُّ القَدَرَ إلَّا الدُّعاءُ، ولا يَزيدُ في العُمُرِ إلَّا البِرُّ..))؛ أخرجه ابن ماجه (4022)، وأحمد (22386) واللفظ له.
• يقول ابن القيم في كتابه الجواب الكافي: ومن عقوباتها- المعاصي- أنها تمحق بركة العمر وبركة الرزق وبركة العلم وبركة العمل وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محيت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
وقال تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وفي الحديث: ((إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها))، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته، وإن الله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
تنبيه مهم:
• على أن السعادة في هذه الدنيا ليست بوفرة المال، وإنما هي بالإيمان والقناعة والرضا، وأن الدنيا أهون من أن يضيق الإنسان ذرعًا لقلتها في يده، ففي صحيح مسلم عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَرَّ بالسوق والناس كنفيه، فمَرَّ بجَدْيٍ أسَكَّ ميت فتناوله، فأخذ بأذنه، فقال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟! أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا فيه؛ لأنه أسَكُّ، فكيف وهو ميت؟ فقال: والله للدنيا أهونُ على الله من هذا عليكم))؛ أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق (حديث رقم: 7418).
• فما أحقر هذه الدنيا التي شغلتنا عن الآخرة، وألهتنا عن الاستعداد للقاء الله سبحانه.
أسباب السعة في الأرزاق:
الدعاء:
• من بين أهم الوسائل التي يتواصل بها العبد مع ربه سبحانه: الدعاء، فمن خلاله يمكن أن يدعو اللهَ بقضاء حاجة، أو الشفاء من مرضٍ، أو تيسير أمرٍ، أو تفريج هَمٍّ، أو طلب رزقٍ، وما إلى ذلك، فهناك أدعية كثيرة هي سببٌ لجلب الرزق بإذن الله سبحانه، فقد جاءتْ فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله خادمًا، فقال لها: ((قُولي: اللهم ربَّ السماوات السبع وربَّ العرش العظيم، ربنا ورب كل شيءٍ، أنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، مُنزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيءٌ، اقضِ عنا الدَّين، وأغْننا من الفقر))؛ أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم 2713، عن أبي هريرة.
التسبيح:
• يُسَن للمسلم التسبيحُ في كل وقت وفي أي مكان؛ إذ يمكن أن يَملأ ميزانه حسناتٍ في لحظات يُسبح الله فيها عز وجل، ويمكن أيضًا أن ينفعه الله تعالى بهذا التسبيح ويرزقه؛ فعن عبدالله بن عمرو قال: “كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من أهل البادية عليه جُبَّة سِيجان مَزرورة بالديباج، فقال: ألا إن صاحبكم هذا قد وضَع كل فارسٍ ابنِ فارس! قال: يريد أن يضع كلَّ فارسٍ ابن فارس، ويرفع كل راعٍ ابن راعٍ، قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جُبَّته، وقال: ((ألا أرى عليك لباسَ مَن لا يعقل؟! ثم قال: ((إن نبي الله نوحًا صلى الله عليه وسلم لَما حضرتْه الوفاة، قال لابنه: إني قاصٌّ عليك الوصية: آمرك باثنتين، وأنْهاك عن اثنتين: آمُرك بلا إله إلا الله؛ فإن السماوات السبع، والأرضين السبع، لو وضِعتْ في كِفَّة، ووضِعتْ لا إله إلا الله في كِفَّة، رجَحتْ بهنَّ لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع، والأرضين السبع، كنَّ حَلقةً مُبهمةً، قصمتْهنَّ لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يُرزق الخلق))؛ أخرجه أحمد (6583)، والطبراني (13/ 660) (14585) باختلاف يسير، والبزار كما في ((كشف الأستار)) للهيثمي (2998) مختصرًا.
ومن عبارات التسبيح التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم: “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله وأكبر”، و”سبحان الله وبحمده”، و”سبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم”، و”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”.
التوكُّل على الله:
• من عقيدة المسلم الصحيحة أن الله هو المعطي والمانع، ولا يستطيع أي مخلوق أن يَنزع من أي إنسان ما كتَبه الله له، فيكفي الإنسانَ أن يأتي بالأسباب المشروعة، ويتوكل على الله فيما يريد، ويكون موقنًا أنه الوحيد سبحانه القادر على رزقه وإغنائه؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله، لرزَقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا، وتَروح بطانًا))؛ أخرجه الترمذي (2344)، وابن ماجه (4164)، وأحمد (205) واللفظ له.
فالتوكُّل سببٌ عظيمٌ لجلب الرزق!
صلاة الضحى:
• معلوم أن هذه السُّنة الحميدة من المستحَبات التي رغَّب فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها فضلٌ كبيرٌ، ومَن دأَب عليها وعلى غيرها من السنن بعلمٍ، فذلك من علامات الإيمان الراسخ، وهي من الأسباب الجالبة للرزق بشتى أنواعه؛ ففي الحديث القدسي: ((ابن آدم، اركَعْ لي أربع ركعات مِن أول النهار، أَكْفِك آخرَه))؛ أخرجه الترمذي (475).
حفظ القرآن وطلب العلم:
• إن طلب العلم بابٌ عظيمٌ، وأصحابه لهم مكانة رفيعة عند الله سبحانه القائل: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، وقال أيضًا: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، فمَن رفَعه الله فقد آتاه الخير ورزقه إياه؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقوامًا، ويضَع به آخرين))؛ أخرجه مسلم في صحيحه (الصفحة أو الرقم: 817).
فأبشِر أيها المسلم بالتفقُّه في الدين، واطلب العلم؛ لتنفَع نفسَك ومَن حولك، ويأتيك الخير من حيث لا تدري، وتنال عُلو المنزلة في الدنيا والآخرة.
صلة الرحم:
• من أسباب بسط الرزق وسَعتِه صلةُ الأرحام؛ فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه، ويُنسَأ له في أثرِه، فليَصِل رحمَه))؛ أخرجه مسلم (2557) باختلاف يسير.
فهذه شهادة على جلب الرزق بهذه الطاعة، وليَحرِص المسلم على فِعلها وعدم قطعها، حتى وإن لزِم أن يَصبِر على ما يَلقاه من الأذى مِن ذوي أرحامه.
الصدقة:
• إنها باب عظيم من أبواب الخير، وصورة من صور تكافُل الناس فيما بينهم، بالإنفاق قليلًا أو كثيرًا على الفقراء والمُعوزين من الأمة، وهي مِفتاح جالب للرزق؛ لكون الصدقة لا تنقص من مال صاحبها، وإنما يُنميه له الله ويُرْبِيه، ويبارك فيه؛ قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276]، فالصدقة تجارة رابحة لا شكَّ، وعمل صالح يزيد في الأجر والفضل؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].
وفي الحديث ((يا بْنَ آدَمَ، أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ))، وقالَ: ((يَمِينُ اللهِ ملأى (وقالَ ابنُ نُمَيْرٍ: مَلآنُ)، سَحّاءُ لا يَغِيضُها شيءٌ اللَّيْلَ والنَّهارَ))؛ أخرجه البخاري (4684، 7411)، ومسلم (993).
وحديث ((ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا))؛ أخرجه البخاري (1442)، ومسلم (1010) عن أبي هريرة.
الزواج:
• الزواج نعمة عظيمة، ومنافعه جَمَّة؛ سواء على مستوى الفرد، أو على الأمة جمعاء، وربُّ العزة وعد بإغناء الفقير بتزويجه، فقال عز من قائل: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32].
الولد:
• يُبين لنا الله تعالى أن كل مولود يُولَد برزقه، ونهانا عن الإحجام عن الإنجاب خشية الفقر، حتى ولو كان الوالد فقيرًا؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾ [الإسراء: 31]، وقال أيضًا: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ [الأنعام: 151]، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا كما قال الله عز وجل، ولا يجوز بأي حال الإعراضُ عن الإنجاب لهذا السبب؛ إذ كل مولود يأتي برزقه بفضلٍ مِن الله، وقد يكون سببًا لوالديه في السعادة الدنيوية والأخروية، والحق كما قال سبحانه: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].
وعلى المسلم أن يسعى ويبذل السبب لقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].
وعليه أن يلحَّ على الله بالدعوات، وهي كثيرة نذكر منها:
أدعية مباركة:
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت فاطمةُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ تسألُهُ خادمًا، فقالَ لَها: ((ما عندي ما أعطيكِ))، فرجَعت، فأتاها بعدَ ذلِكَ، فقالَ: ((الَّذي سألتِ أحبُّ إليكِ أو ما هوَ خيرٌ منهُ؟))، فقالَ لَها عليٌّ: قولي لَا بل ما هوَ خيرٌ منهُ، فقالَت: فقالَ: قولي: ((اللَّهمَّ ربَّ السَّماواتِ السَّبعِ وربَّ العرشِ العظيمِ ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ مُنْزِلَ التَّوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ العظيمِ، أنتَ الأوَّلُ فليسَ قبلَكَ شيءٌ، وأنتَ الآخرُ فليسَ بعدَكَ شيءٌ، وأنتَ الظَّاهرُ فليسَ فوقَكَ شيءٌ، وأنتَ الباطنُ فليسَ دونَكَ شيءٌ، اقضِ عنَّا الدَّينَ، وأغنِنا منَ الفقرِ))؛ أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم 2713.
• وفي الحديثِ: بيانُ فَضلِ الدُّعاءِ وأهمِّيَّتِه في رفعِ وتفريجِ الكرُباتِ.
• وفيه: بيانُ آدابِ الدُّعاءِ بالبدءِ بالتَّوسُّلِ بأسماءِ اللهِ وصفاتِه، ثمَّ طلَبِ الحاجةِ.
• عن عليٍّ رضي الله عنه قال: إنَّ مُكاتبًا جاءه فقال: إني قد عجزتُ عن مُكاتبتي، فأعني، قال: ألا أُعلِّمك كلمات علَّمنيهنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صيرٍ دَيْنًا أدَّاه الله عنك؟ قال: قل: ((اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمَّن سواك))؛ أخرجه الترمذي: أبواب الدَّعوات، برقم (3563)، وحسَّنه الألباني.
• عن أنس بن مالكٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهُمَّ إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدَّين، وغلبة الرِّجال))؛ أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسِّير، باب مَن غزا بصبيٍّ للخدمة، برقم (2679).
والله أعلم.
خـتـامـــًا:
• أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].
كما أسأله سُبحانه أن ينفع به عموم الثقلين الكرام، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم استرنا بسترك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فرِّج هَمَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفنا يا ذا الجلال والإكرام.
وفي النهاية ندعو أنفسنا والقارئ الكريمَ إلى السعي لتحقيق أسباب الفلاح، واجتناب أسباب الهلاك، وذلك بطلب العلم، وعقد العزم على السير في طريق الإسلام والإيمان، الذي يوصل إلى السعادة وجنة الرحمن، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، وعلى آله وصحبه وأتباعه الكرام، إلى يوم البعث والقيام.
كتبه الشيخ الدكتور: أبو الحسن علي بن محمد عبده المطري غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين.