أسطورة تغيير الجنس


أسطورة تغيير الجنس

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فلقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وجعل منه الذَّكَر والأنثى، وجعل لكل منهما وظيفة معينة يقوم بها، والذَّكَر كان هو الأصل الذي سبق خلقُه، حين نفخ الله تعالى الروح في جسم آدم عليه السلام، ثم خلق حوَّاءَ من ضلعه الأيسر؛ لتكون له رفيقة وصاحبة، وكلٌّ من الرجل والمرأة مكلَّف في هذه الحياة، ويواجه نفس المصير في الدار الآخرة؛ أي: سيمرُّ بمرحلة الموت والبعث، والحساب والجزاء، ثم القرار في مكانه من جنة أو نار، والنساء شقائق الرجال، ولهن حقوق وفروض وواجبات كما للرجال؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، وقال: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ [آل عمران: 195].

 

وقد شاءت إرادة الله تعالى أن يكون الرجل والمرأة مختلفَين لحِكَمٍ وفوائدَ كثيرة؛ منها أن هذا التنوع يجلب السعادة للإنسان، فكلٌّ من النوعين مجبول على محبة الآخر، والسكون إليه، والانجذاب له، وهذا في حد ذاته مهم لعملية التزاوج، واستمرار وجود البشر على وجه الأرض، ووجود أحدهما مهمٌّ للآخر نفسيًّا وجسديًّا وروحيًّا، فكلاهما يكمل الآخر؛ ولذا يشعر الكثير من الناس بداخله بشيء ينقصه، ويشعر بنوع من الجفاف العاطفي والروحي عند غياب الآخر لفترة طويلة، كما تجد أن أسعد يوم في حياة الإنسان – رجلًا كان أو امرأة – هو يوم زواجه، وهذا بالطبع في الأحوال الطبيعية التي لا يشوبها قَسْرٌ أو جَبْرٌ على الزواج، وحتى لو انتهى الزواج بالفشل، فإن بدايته تكون قامت على أمل السعادة، وإلا لما أقدم عليه إنسان بإرادته.

 

ووجود الجنسين مهم لإتمام عملية التزاوج التي يتكاثر بها البشر، وعلى رغم أن الأم هي من تحمل العبء الأكبر في هذه المسؤولية، فإن وجود الرجل مهم أيضًا؛ حيث يخفف عنها، ويساعدها، حتى تتمكن من الوصول بالطفل إلى برِّ الأمان، ثم بعد الولادة لا بد من أحدٍ يسعى في طلب الرزق؛ حتى تُسَدَّ الاحتياجات الضرورية لها وللرضيع، ووجود الأب مهم أيضًا في التربية وتأديب الأبناء؛ حتى ينشؤوا مستقيمين أكثر على طاعة الله، وقد لُوحظ الفرق بين الأطفال الذين نشؤوا بين أبوين من أقرانهم الذين نشؤوا بدون وجود الأب حولهم؛ حيث تجد سلوكهم عادة أفضل وأكثر استقامة، وهذا بالطبع لحنان الأم الزائد، وحزم الأب مع الصغار.

 

ومن إبداع خلق الله تعالى أنه جَعَلَ الجنين ينمو في رحم أمه، ويتطور ليخرج إنسانًا كاملًا، بعد أن كان ماءً من الذَّكَرِ مختلطًا ببويضة الأنثى في الرحم، وتلك معجزة ربانية تُبرهن على وجود الله وإدارته لهذا الكون بحكمة، وهذا أمر لا يقدر على عمله البشر أو غيرهم، ويعجزون عن الإتيان بمثله، والله تعالى يجعله يصير بكلمة كُن؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، ويخرج من ذلك طفل جميل مكتمل الخِلْقَة، ومتقن الصنع، ويكون ذكرًا أو أنثى، إلا في حالات نادرة يأتي فيها طفل مخنَّث، به أعضاء الذكورة والأنوثة.

 

والرجل والمرأة جنسان مختلفان لنوع واحد وهو الإنسان، وشتان ما بين الاثنين، فهما قريبان في البُنية العامة، ولكن يختلفان جسديًّا وفكريًّا، وعاطفيًّا وحتى سلوكيًّا، وأهم اختلاف عضوي يفرقهما أن لكلٍّ منهما العضو التناسلي المخصص له، كما أن الرجل له صفات الرجولة، ويكون عادة كبيرًا وقويَّ البنية ومسترجل لما به من صفات الرجولة الأخرى، بينما المرأة تتميز بالصفات الأنثوية؛ مثل: طول الشعر، ونعومة البَشَرة، ورِقَّة الصوت، والجسم المخصر، وغيرها، وتكون عادة أقل طولًا وقوة من الرجل.

 

والجينات الوراثية تختلف أيضًا بين الرجل والمرأة؛ ولذا تختلف الصفات الجسدية بينهما، فتجد أمراضًا تَكْثُر في أحد الجنسين دون الآخر؛ فمثلًا من الأمراض التي تصيب الرجال أكثر من النساء: “أمراض القلب، والتوحد، وبعض أنواع السرطانات، والسُّكَّري، والإنفلونزا، وعمى الألوان”[1]، بينما النساء أكثر عرضة لأمراض “المسالك البولية، وهشاشة العظام، وارتفاع ضغط الدم، والألم العضلي الليفي”[2]، هذا غير أن سلوكيات المرأة وشخصيتها تختلف عن الرجل، فالنساء تميل للعاطفة ويكُنَّ “أكثر دفئًا وحساسيَة غالبًا، بينما يكون الرجال أكثر حزمًا”[3].

 

هذا غير ما أثبتته الدراسات بأن هناك فرقًا بين مُخَّيِ الرجل والمرأة، “ونُشرت مؤخرًا دراسة عن جامعة ستانفورد الأمريكية أكدت رصْدَ فرق في العمل الوظيفي للدماغ حسب الجنس… ومن الأكيد أن حجم الدماغ لدى الرجل أكبر بقليل من حجم الدماغ لدى المرأة، اعتبر بعض الباحثين قديمًا أن ذلك الفرق علامة على قدرة دماغية أكبر لدى الرجال، قبل أن يتضح أن حجم الدماغ يتماشى مع حجم الجسم ككل”[4]، ولا عجب في ذلك؛ فقد بيَّن الله تعالى أن الذكر يختلف عن الأنثى في قوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ المرأةَ خُلِقتْ من ضلعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلعِ أعلاه، فإنْ ذهبتَ تُقيمهُ، كسرتَهُ، وإنِ استمتعتَ به، استمتعتَ بها وفيها عِوَجٌ))[5].

 

والمتأمل لما ظهر اليوم فيما يُعرَف بتغيير الجنس، لا يجده إلا مجرد أسطورة، يضحكون بها على عقول العالم، وهو عمل يُناقض الفطرة، فلا يستطيع الرجل أن يصير امرأة، ولا تستطيع المرأة أن تكون رجلًا، وذلك حتى لو أجرَوا عمليات تغيير الأجهزة التناسلية، وتغيير الشكل الخارجي بالهرمونات وعمليات التجميل، فلن يُغيِّر ذلك شيئًا؛ إذ ما بداخل الإنسان هو ذلك الشخص الذي نشأ وكبِر بشخصية فطرته التي فطَرَهُ الله عليه، ومحاولة تغيير ذلك لا بد أن تفشل؛ لأنها محاولة لتنكيس الفطرة، كما أنها تطمِس معالم الجمال التي اختص الله بها كلًّا من الجنسين؛ فالمرأة جمالها في أنوثتها ورِقَّتها وشخصيتها يطغى على جمالها الجسدي ويكمله، كما أن الرجل جماله يظهر في رجولته وشخصيته وقوته التي تكسو جسده، وتغيير الشكل الخارجي لا يمكن أن يُغيِّر ذلك أو يمحوه، بل ينتج منه مخلوق غريب غير مفهوم الأطوار، وغير مريح النظر إليه، أو التعامل معه، بل يكون عادة منفرًا لأصحاب الفطرة السَّوِيَّة، فلا أحد يستسيغ أن يرى رجلًا بآثار لحيته يلبَس فستانًا، أو له ثديان، وكذلك تلك المرأة مهما غيَّرت من شكلها لتصبح رجلًا، فإن ما بداخلها أنثى لا تقوى على أن تكون رجلًا، أو تتصرف كذلك، فمخها لا يزال يعمل كمخ الأنثى، وكذلك الرجل المتحول لأنثى مخُّه لا يزال يعمل كمخ الرجل.

 

وكم من أشخاص تحوَّلوا وندِموا أشدَّ الندم، وخرجوا في مقاطعَ يبكون على أنفسهم ويتحسرون عليها! ومنهم من لام الأطباء على ذلك، وكثير منهم تمنى الرجوع، ولكن بعد ماذا؟ فالمرأة التي تحوَّلت إلى رجل، وتخلصت من معالم أنوثتها وجمالها، وجسمها المُخصر، وثدْيَيها وشعرها، ومظهرها الجذاب، واستبدلت بها نمو اللحية والشارب، ومظاهر الرجولة، كيف لها أن ترجع كما كانت؟ لقد أهدرت جمالها ورَمَتْهُ؛ ظنًّا منها أنها يمكن أن تصير رجلًا، ثم وجدت أنها لن تقوى على ذلك ولا يُريحها ولا يسعدها، وفقدت أحبابها وصديقاتها وأهلها، وهرب منها أبناؤها وأخواتها، وهجرها زوجها ونفر منها، حتى اشتاقت لرجل يحبها، ويراها ويعاملها ويدللها كأنثى تفخر بجمالها وأنوثتها، فتندم بعد ألَّا ينفع الندم، وتجلس تبكي على اللبن المسكوب الذي لا يمكن جمعه، بعد أن أضاعت جمالها الذي هو أكبر رأس مالها في لعبة الحياة، والأسوأ في ذلك أنها أقدمت على ذلك بفعل يديها، فيزيد ذلك الندم شدةً وألمًا عليها؛ ومثال لذلك قصة “ستيلا أومالي التي خضعت لإجراء عملية تغيير للجنس من أنثى إلى ذكر، وتشعر بالندم الشديد الآن… وعندما شاهدت أومالي فيديو حفل زفاف فتاة، شعرت بالحزن بشكل لا يصدق”[6].

 

وكذلك الرجل الذي ألقى برجولته، والتفضيل والقوامة اللتين وهبهما الله إياه وراء ظهره، فطمس معالمها، وتخلص من لحيته وشاربه وعضوه الذكري، وزرع رحمًا وثديَينِ، ونمَّى فَخِذين كشكل جسم المرأة، ثم وجد بعد فترة أن كونه أنثى مملٌّ له، وليس طبعه، ولا يستسيغه أو يأنس به، وقد أضحك عليه العالم، وتهكَّموا به، وفَقَدَ شعبيته وجمهوره، أو على الأقل أصحابه وأحبابه، وأصبح محل انتقاد الناس، ولا يسلم من ألسنتهم بالليل والنهار، ولا من تنمُّرهم وسخريتهم واستهزائهم، وغالبًا ما يفقد عمله ومكانته، بعد أن يكون أضاع ماله في عمليات التحويل والتجميل، فأصبح فقيرًا مُعدِمًا، ووحيدًا منبوذًا لا يقرب منه أحد، كأنه مبروص أو مجزوم، ولا يساعده أحد بعد أن مقته الناس، وكرِهوا أفعاله، وصار شكله كالأنثى المسترجلة، عريضة الْمَنْكِبين، كبيرة اليدين والقدمين، طويلة القِوام لا خصر لها يُذكر، أو جمال يجذِب، وصوتها لا يصلح أن يكون لامرأة ولا رجل، وواضح عليها أو عليه تصنُّع الجمال بأصباغ التجميل والملابس النسوية، والألوان المبهرجة، ومع ذلك تبدو قبيحة، وتكاد تخلو من أي معالم للأنوثة، وحتى إن حصَّلت ذلك، فليس لها شخصية المرأة الأنيسة، بل تكون كالبواب الذي يقف على باب العمارة، ينتظر من ينظر إليه، أو يُلقي له بالًا، أو كحارس الغابة الوحيد الذي لا يتكلم معه أحدٌ أو يزوره.

 

والأسوأ في الأمر أن تجد هؤلاء المتحوِّلات يظهرن بملابس فاضحة جدًّا وشبه عارية، ويكُنَّ مستعدات لكشف صدورهن دون ساتر يُذكر، وليس لهن عادة الحياء الفطري الذي عند النساء في ذلك، وربما ذلك لأن الواحدة منهن كانت في الأصل رجلًا، ولا مشكلة عنده من إظهار صدره بالكامل، ولكن المشكلة هنا أن شكلها تغيَّر، وأصبح يشبه النساء، ويثير الفتنة والفضيحة وسط العامة، وهنَّ لا يُبالِينَ بمن حولهن ولا بالتستر.

 

ومن يحوِّل جنسه، فإنه يُغيِّر خلق الله المنهيَّ عن تغييره في النصوص؛ مثل قوله تعالى: ﴿ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 117 – 119]، فلا يحل لإنسان أن يُغيِّر خِلْقَتَهِ التي قدَّرها الله له، ومن يفعل ذلك، يفعله لعدم رضاه بأقدار الله تعالى عليه، ويُستثنى من ذلك من لديه سببٌ شرعي؛ كأن يكون قد وُلِد أخنث؛ أي غير متبين الجنس، ولديه أعضاء الجنسين، فمثله يفضَّل أن ينتظر لبعد البلوغ؛ ليتضح الجنس الأكثر قرابة له؛ ومن الأدلة أيضًا ما رُوِيَ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ((لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ الواشِماتِ، والمستَوشِماتِ، والمتنمِّصاتِ، والمتفلِّجاتِ للحُسنِ، المغيِّراتِ لخَلْقِ اللَّهِ))[7]، فهذا الحديث أشار إلى النهي عن الوشم والنمص، وتفليج الأسنان، وهي أفعال صغيرة نسبيًّا، ومع ذلك تُوجِب اللعن والطرد من رحمة الله، فما بالك أن يجري الإنسان عملية لتغيير جنسه، وهو أكثر شيء يميِّزه؟ إن هذا لَأشدُّ وأكبر إجرامًا، وفيه اعتراض على حكم الله، وعدم الرضا بقضائه، والتمادي في عصيانه، كما أنه قد يقود إلى أضرار جسيمة على المتحوِّل وعلى المجتمع معًا، وفيه قطع للنسل والذرية، والمتحوِّل يخضع لعمليات جراحية مكلِّفة ومؤلمة وقد تودي بحياته، وقد جاء من مقاصد الشريعة وجوب الحفاظ على النفس والنسل، بالإضافة إلى مقت المسلمين وتجريمهم لهذا الفعل؛ لِما فيه من إفساد للمجتمع، فالمتحوِّل كيف سيُعامَل بعد تحوُّله؟ فإن كان رجلًا وتحوَّل لامرأة أين سيكون مكانه؟ ومع من سيجلس ويصاحب؟ وما نوع المدارس التي سيدرس فيها، والمستشفيات التي سيتعالج فيها، ومقاعد الباص التي سيجلس عليها؟ وما نوع المراحيض التي سيستعملها؟! هل سيغزو حمامات النساء ويزاحمهم في استراحاتهم، وهو في داخله رجل متنكِّر؟ أو أنه سيكلِّف الدولة والمؤسسات بناء مراحيض خاصة لنوعه؟ أو سيستمر باستعمال مراحيض الرجال، وهو على شكل امرأة حتى يتم اغتصابه كل يوم؟ أو ربما الأفضل للمجتمع أن يُمنع أمثاله من استعمال المراحيض العامة تمامًا؟ إن هذا سيجُرُّ من البلبلة والخَسار والكُلفة للمجتمع الكثير، كما أنه يقود لوقوع مشاكل أخلاقية كثيرة، وفساد كبير؛ حيث تخيل أن رجلًا متنكرًا يكون بين النساء؟ فهل التحويل ذلك سيُغيِّر فطرته، ويمحو ميله الطبيعي للنساء؟ وكذلك العكس في حالة المرأة المتحوِّلة للرجل، هل سيُلغي التحويل ميلها الفطري للرجال؟ إن هذا لَمنكر عظيم، وتلفيق للحقائق، وتنكيسٌ للفطرة، وكذلك المرأة المتحولة لرجل، أين سيكون مكانها؟ بين الرجال وهي لا تزال بداخلها تلك المخلوقة الضعيفة نسبيًّا، الرقيقة المشاعر، والمليئة بالعاطفة، فكيف لها أن تجلس بين الرجال، وتؤاكلهم، وتنام معهم؟ وهل ستتأقلم مع خشونتهم وطباعهم وسلوكياتهم؟ وهل ستستطيع مواكبتهم في ألعابهم وأحاديثهم وعاداتهم؟ وهل تنكُّرها في جسم رجلٍ ذلك سيُغيِّر ما بداخلها؟ فكيف للناس تجاهلُ كل ذلك، وتقبُّل هذه العاهات بينهم؟ إن هذا أمر مقزِّز وغير مقبول، ولا يجلب إلا الخلط والبلبلة والنفور في المجتمع، كما أنه قد يزيد التكلفة على الدولة بتحمُّل أعباء إيواء هذين النوعين الجديدين من الجنس، في الخدمات والمرافق العامة وغيرها.

 

وفوق كل ذلك تجد أكثر المتحوِّلين غريبي الأطوار والمظهر، وربما أكثرهم قبيحًا، بعد أن يكون قد خرَّب شكله بيده، وطمس فيه كل ما يمُتُّ للجمال بصلة، وكأنه مسخٌ اختياري ذهب إليه برجليه، وصار يشبه القردة والخنازير، ومع ذلك فإن القردة والخنازير أفضل منه؛ لأنهم لم يخربوا خلقة الله التي فطرهم عليها، فهم أكثر قبولًا عند الناس، ولا يتأذى الإنسان برؤيتهم، كما يتأذى برؤية ذلك المتحول، الذي بدَّل وغيَّر وظلم نفسه في الدنيا والآخرة؛ وصار كمن قال الله تعالى فيهم: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 60]؛ ولذلك كثيرًا ما يُعرَّض المتحوِّلون للتنمُّر والازدراء، وقد جاء في موقع الطبي: “يتعرض المتحولون جنسيًّا لِما يُعرَف بتوتر الأقليات الجنسية، ولذا قد يكونون عُرضة للإساءة العاطفية والنفسية، والعنف الجسدي والجنسي، والعدوى المنقولة جنسيًّا، وإدمان العقاقير المخدِّرة، ومشكلات الصحة العقلية؛ كالاكتئاب، والقلق، والأفكار الانتحارية”[8]، ولذا يكون المتحوِّل عادة شخصًا وحيدًا، بلا أصدقاء، وينفر منه الناس، فهو مخلوق غريب على كوكب الأرض، ودخيل على البشرية، غيرُ مُرحَّبٍ به، ولا يروقه أحدٌ، ولا يُسَرُّ إنسان برؤيته، ولا يرغب في الزواج منه أيُّ شخص؛ رجلًا كان أو امرأة، وربما الرحيل أفضل له وللجميع حتى يُحمى المجتمع منه ومن شروره؛ ولذلك تجد أمثاله عادة يقضي وقته بين دهاليز اليوتيوب بالليل والنهار؛ ليبحث عن أصدقاء ومتابعين، ويحاول أن يخدع نفسه ومتابعيه بأنه شخص مقبول، ولا بأس به، بينما ينشر سمومه بين الناس وأفكاره السوداء كسواد قلبه، ويكون عادة بعيدًا كل البعد عن الإسلام، فلا صلاة له ولا دين ولا تقوى، ويظهر بمظهر غير لائق، في أشد صور التبرج والخلاعة، والملابس الفاضحة، وكلامه وحركاته مملوءة بالمياعة والفسق، فهو نسِيَ الله منذ أن غيَّر جنسه، فنَسِيَه الله وتركه لنفسه، يُهلِكها كيف يشاء، وهذا الكلام يمكن فهمه عند فتح أيٍّ من قنوات هؤلاء المتحولين، والتأمل في حاله، ولا نزال نسأل الله له ولأمثاله الهداية؛ حتى لا يُضِلَّ غيره، وينتشر سُمُّه في بدن الأمة، وربما ندم على ما فعل ويريد التوبة، ويترك عنه تكبره على خالقه، وعلى ما اختاره له من جنس، وما قدَّر له من حياة، ولعل بعضهم تاب ويقبل الله منه، ومع ذلك يصعب عليه الرجوع عن تغيير جنسه؛ حيث تخلص من أعضائه الأصلية، وخرب خلقته الأصلية، ومحاولة إرجاعها سيكلفه الكثير، ولن يعود كما كان، فيصير عليه العيش بما آل إليه ضنكًا، حتى ولو ندِم عليه.

 

وعملية تغيير الجنس هي رحلة طويلة وشاقَّة، وتستلزم أدوية وزيارات كثيرة للطبيب؛ ما يجعلها باهظة الثمن، ويبدو هذا الأمر كله وكأنه مُدبَّرٌ من قِبل شركات التأمين، والحقل الصحي، والرأسمالية؛ لكسب المال بعمل كل تلك العمليات الباهظة الثمن، وبيع كل هرمونات التحول، وغيرها من التكاليف الصحية التي يتحملها المتحولون، ولا ننسى أن المتحول يحتاج الاستمرار على أخذ الأدوية والهرمونات التي تُبقي على شكله الجديد مدى الحياة؛ حيث يجب على المتحول لأنثى أن يخفض معدل هرمون الـ(testosterone) الذَّكَري، ويرفع معدل هرمون الـ(estrogen) الأنثوي في جسمه باستمرار، والعكس للمتحولة لرجل، وهذا يُفرح شركات الأدوية والصيدليات التي ستحصل منه على دخل إضافي ثابت؛ ولذا تجد هؤلاء وغيرهم يروِّجون لهذه الأكذوبة من خلال الإعلام والقنوات الإذاعية، ومواقع التواصل؛ ليضحكوا على عقول الناس، ويجعلوهم يقبلون هذه الـمهزلة، ويصدقونها ويُهرعون إليها، وكأنهم يُساقون للموت، ولكن بأرجلهم وكامل إرادتهم، وصاروا ينشرون هذا الفكر المنحرف حتى بين الأطفال، الذين لا إدراك لهم بمعنى الجنس الفطري، وماهيته، ويجعلونهم يرفضونه وهم قُصر قبل أن يصلوا حتى مرحلة المراهقة، أو يصيروا رجالًا ونساءً، وقد فرضت بعض الحكومات الغربية إعطاء الطفل حريته ليقرر جنسه حتى يتبعهم برأسه الجاهل لصغر سنه، ويغرونه بالتشجيع الكاذب وإقناعه أنه على صواب، وأنه يحتاج تغيير جنسه، فلا يقبل نصح أبويه، ولا سلطة لهم عليه ليمنعوه عن تدمير نفسه، وإن حاولوا أخذته السُّلطات منهم بحجة إساءة معاملته، فيكسِب المستفيدون من ذلك الجولةَ على حساب ذلك الطفل البريء وأسرته المكلومة، ثم يكبَر ليندم أشد الندم، ويدفع الثمن غاليًا دون ذنب له، سوى متابعته للمروِّجين دون فَهمٍ ولا عقل؛ إذ كيف لطفل صغير التمييزُ بين ما يصلح له وما يضره؟ وبالإضافة إلى جلب المال، فإن المروِّجون له يكسبون من ذلك إضعاف الناس؛ ليسهُلَ التحكم بهم، واللعب بهم وبعقولهم، وهذا كله يبدو أن له صلة بالماسونية، فمثل تلك الشرور والفواحش عادة تأتي منهم، وهم لا رقيب لهم ولا حسيب يُوقفهم فيما يقومون به من تضليل الناس، والتحكم بهم، وسرقة أموالهم، وبرمجة عقولهم بالإعلام المخادع، ولا يحسَب هؤلاء أن الله غافل عنهم وعن فسادهم في الأرض، بل هو يُنظِرهم ليتمادَوا في كفرهم وشرهم، ثم يأخذهم أخذَ عزيز مقتدر، وحتى إن لم يَلقَوا عقابهم في هذه الحياة الدنيا، فإن الآخرة تنتظرهم حين تُفتح لهم أبواب جهنم، ويُقالُ لهم: ادخلوها داخرين ذليلين؛ قال تعالى: ﴿ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [غافر: 76]، وقال: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 12].

 

ونحن كأُمَّةٍ مسلمة تخشى على دينها وأبنائها، علينا حماية مجتمعاتنا من شرور المتحولين، وتحذير الناس منه لا سيما الشباب، وحبذا أن يُدرَّس هذا الموضوع في المدارس لتعليم النشء مضارَّه وعواقبه، وأنه أمر مخالف لديننا، يخرب حياتهم، ولا خير فيه ولا سعادة، ولا يجلب لهم سوى التعاسة والشقاء والندم، وليبدأ ذلك في المدارس الابتدائية قبل دخول التلاميذ مرحلة المراهقة؛ لتوعيتهم قبلها وتحذيرهم منها، فإذا وصلوا تلك المرحلة يكونون مدركين لما يُكاد لهم ومتحصنين منه، ويا ليت الناس يتعاونون في تبني هذه الفكرة ويطالبون بتطبيقها، ويوحدون كلمتهم حتى يصل طلبهم لمسامع المسؤولين، ويشرعوا في حلِّه، وهذا أقل احتياط يمكن فعلُه، وكذلك ينبغي إجراء دراسات محكمة للوصول لحلول أخرى لهذه المشكلة العويصة، التي أصبحت تهجُم على شبابنا ومجتمعاتنا الإسلامية.

 

وفي الختام أسأل الله تعالى أن يحمي أبناءنا وبناتِنا من هذه الأفكار الدخيلة، ويحفظهم من كل سوء، ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 

المصادر والمراجع:

– القرآن الكريم.

– تخريج الأحاديث من موقع الدرر السنية.


[1] أمراض تصيب الرجال أكثر من النساء، ياسمين ياسين، موقع الطبي، 9/ 3/ 2020م.

[2] أربعة أمراض أكثر شيوعًا بين النساء، الجزيرة نت.

[3] 5 فروق خفية يكشفها العلم بين الرجال والنساء، ليلى علي، 4/ 1/ 2021م، الجزيرة نت.

[4] “ناقصات عقل”؟ ما قول العلم في الفرق بين دماغ المرأة والرجل؟ مجلة فرانس أربعة وعشرين الإلكترونية، نُشرت في: 08/ 03/ 2024م.

[5] ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (2/ 179)، وصححه.

[6] ندم بين متحولين جنسيًّا، الجزيرة نت، بتصرف يسير.

[7] صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1631)، وأخرجه ابن ماجه (1989) واللفظ له، وأخرجه البخاري (4886)، ومسلم (2125) باختلاف يسير.

[8] المشكلات الصحية للأشخاص المتحولين جنسيًّا، نمط الحياة الصحية، موقع الطبي، بتصرف يسير.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
أركان الإيمان (خطبة)
السنة وحي (خطبة)