أشعر بالخزي بعد وفاة أبي
♦ الملخص:
فتاة توفي أبوها، وقامت أمها على رعاية شؤونها وشؤون إخوتها، لكن ذلك الأمر لم يستمر، فقد تزوجت أمها زواج مسيار، وتشك الفتاة في دخولها في علاقات غير شرعية؛ ما جعلها تشعر بالخزي، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ السؤال:
أنا فتاة نشأت في عائلة ملتزمة دينيًّا؛ فوالدتي مدرسة دين، ووالدي دكتور فقه، وكنا – كما أعتقد – أسرة مثالية سعيدة، أنا أكبر إخوتي، قدَّر الله أن تُوفِّي والدي منذ عشر سنوات، عندما كنت في سن السابعة عشرة، لا أنكر فضل أمي علينا؛ فقد تحملت مسؤولية الأم والأب؛ حيث كان إخوتي صغارًا ومراهقين، فكانت تهتم بهم، وتدير أمور المنزل المادية والتربوية والترفيهية وحدها، ولكن في السنوات الأخيرة تغيَّرت؛ حيث أصبحت مدمنةَ جوال، وكثيرة المراسلة، حتى إنها أصبحت تتهرب من أي مشكلة تحدث في البيت، وتلقي باللائمة علينا، ولم يكن ذلك أسلوبها، وأصبحت تتمادى مع الرجال، وتكلمهم، وتسمع منهم المديح، وليس هذا ما ربَّتنا عليه أمي، أيضًا لديها صديقة سوء، أغلب حديثها عن العلاقة الزوجية وما يحصل في الفراش، وأمي تتأثر بها كثيرًا، بعد وفاة والدي، تزوجت أمي زواج مسيارٍ، ولكنها لم تُعْلِمْ أحدًا بالأمر، وأعتقد أن لها عدة تجارب، لكن لا أستطيع التأكد، حتى إنني قبل أيام شاهدت لها محادثة جنسية مع أحد معارفنا، ولا أستطيع تخطِّي ما شاهدتُ، وإن سألتها عن كونها متزوجة، فسوف تنكر، ولكني من داخلي أتمنى أن تكون متزوجة على أن يكون الأمر شيئًا آخر، لا أعلم ما الذي عليَّ فعله، فقد صِرْتُ لا أشعر بالأمان، وأشعر بالخزي، أخشى ألَّا تكون أمي في علاقة زواج شرعي طويلة، وأن تكون ممن يتزوجْنَ ويطلقْنَ كل مدة، أو أن تكون مبتلاة والعياذ بالله، لا أستطيع أن أرى أمي كما كنت أراها، وأريد أن أعرف الحقيقة، فما الذي أفعله؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
1- تربيتم في بيت علم وأدب واستقامة؛ حيث كان والدكِ رحمه الله دكتورًا في الفقه، وأمكِ معلمة مواد دينية.
2- بعد وفاة والدكِ قبل عشر سنوات تحملت أمكِ تربيتكم والإنفاق عليكم.
3- في السنوات الأخيرة لحظت عليها شيئًا من التقصير في العناية بالبيت، والتهرب من تحمل الأخطاء، وتحميلكم إياها، مع إدمانها على الجوال، بالمكالمات والمراسلات.
4- لحظت أنها تتمادى في المكالمات مع الرجال ومراسلتهم، وسماع مديحهم لها.
5- ذكرتِ أن لأمكِ صديقةَ سوء جُلُّ كلامها عن الجنس، وما يتعلق به، وأن أمكِ تتأثر بها كثيرًا.
6- ذكرت أن أمكِ تزوجت مسيارًا سرًّا، وأنكِ تعتقدين أن ذلك تكرر كثيرًا.
7- اطلعتِ على مكالمة جنسية لها مع قريب لكم، ولا تدرين هل هو زوج سري لها، أم علاقة أخرى، وأنكِ لو سألتِها: هل هي متزوجة؟ فستنكر ذلك.
8- تقولين: إنكِ فقدتِ الأمان والثقة في أمكِ، وتريدين معرفة الحقيقة.
وأخيرًا تسألين: ماذا تفعلين؟
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: لا شكَّ أن فَقْدَ الزوج مصيبة عظيمة على الزوجة؛ فهي فقدت السكن والمودة، والرحمة والاستعفاف؛ ولذا ينبغي للأبناء والبنات أن يلاحظوا ذلك في تعاملهم مع أمهم؛ بالاجتهاد في تعويضها عن بعض ما فقدته، وفي حسن الخلق معها، والصبر على انفعالاتها غير الإرادية.
ثانيًا: فقد الزوج يكون أحيانًا فتنة لبعض الزوجات، خاصة مع وجود جليسة سوء تحرك شهوتها الكامنة، وتؤججها بكلام معسول، وبمقاطع جنسية فاضحة؛ ولذا فمن العلاج بذل الجهد في قطع العلاقة بين أمكم وجليسة السوء، واستبدلوا بها جليسات صالحات، وقد تستخيرين في مصارحة أحد أخوالكِ أو خالاتكِ بشيء بسيط مما لحظتِه، وبأثر جليسة السوء عليها؛ لعلهم يتدبرون قطع دابر شرها.
ثالثًا: كون أمكِ تتزوج زواجَ مسيار إن كان هذا الزواج مكتمل الشروط للزواج الصحيح، فلا بأس به، خاصة في مثل حالة أمكِ، وهو خير لها من الزنا، والغالب أن العلاقة الزوجية في زواج المسيار لا تطول؛ لفقده لأبسط أسس الزواج؛ وهي السكن والمودة والرحمة، ولأنه مبني على الشهوة فقط، ولكن بعض النساء تلجأ له في ظروف خاصة بها؛ رغبة في الاستعفاف به عن الزنا.
رابعًا: الأصل الشرعي هو حسن الظن، وليس سوء الظن؛ ولذا أحسني الظن بوالدتكِ، حتى يتبين لكِ شيء واضح مثل الشمس، وهنا لكل حادث حديث.
خامسًا: كون أمكم تنشغل عن تربيتكم، وتتنصل من الأخطاء التي تحصل بالبيت؛ لعل ذلك كله بسبب تشتت ذهنها في علاقاتها العاطفية المُتغيرة، بسبب ما قد يكون حصل من تعدد زواج المسيار، فيكون لديها رغبة في احتواء الزوج الجديد، وإشباع غريزته حتى يحبها ويتمسك بها، وأيضًا حتى تستعف هي به.
سادسًا: لاحظوا في وضع أمكم ملحظًا؛ لعله يعينكم على الصبر على تغيرها وتهربها من مسؤولياتها، مع أن هذا التهرب خطأ يُلام عليه الإنسان عقلًا وشرعًا، وهذا الملحظ هو أن الحب العاطفي إذا تغلل في القلب بحقٍّ أو بباطل، شتَّت ذهنه حتى عن أهم شيء؛ وهو تحقيق العبادة على الوجه الصحيح، فيصبح المحب أسيرًا جدًّا لعاشقه ومعشوقه ينام ويستيقظ، وعقله وقلبه مشغول به جدًّا وبرضاه؛ ولذا لا يقبل أن يشغله شيء عنه، ويتهرب من مسؤولياته.
سابعًا: أحسنوا الظن بأمكم؛ لأنها تربت على الخير والصلاح؛ فهي معلمة دين، وزوجها كان أستاذ فقه، وما حصل لها قدروا على أسوأ الأحوال أنه فتنة شهوة؛ ولذا فانظروا لها على أنها مريضة مسكينة، تحتاج للعطف والشفقة لإنقاذها، فالجؤوا لأعظم شيء؛ وهو الإلحاح بالدعاء لها، والله سبحانه كريم جواد لا يخيب من لجأ له بصدق؛ قال سبحانه: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62].
ثامنًا: لعل من المستحسن تذكيرها بطريق مباشر أو غير مباشر منكِ أو من غيركِ بخطورة الفتن، خاصة فتن الشهوات والشبهات، وبالموت، وعذاب القبر ونعيمه، وبالجنة والنار.
ويكون ذلك بنصيحة مباشرة أو بمقاطع يوتيوب أو رسائل واتس أو قصص وعظية مؤثرة، وهكذا.
ومن ذلك تذكيرها بالحديث الآتي: أخرجَ مُسلم في كتابِ الإيمان من حديث حُذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربها، نُكت فيه نُكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نُكت فيه نُكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين: على أبيضَ مثلِ الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُربادًّا كالكوز مجخِّيًا، لا يعرف مَعروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه.
تاسعًا: أعود وأكرر وأؤكد على ضرورة العمل على قطع العلاقة بينها وبين جليسة السوء؛ فيبدو أنها أثرت عليها بشكل كبير، وحرَّفت فطرتها، وقد يكون هناك جليسات سوء غيرها، فتُقطع علاقتها بهن نهائيًّا، ويتم تعريفها على غيرهن من الصالحات.
حفظ الله والدتكم، وأعاذها من الفتن، ومن صاحبات السوء، وسددكم، ووفقكم لكل خير.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.