أمن حياتك مع الحبيب صلى الله عليه وسلم (خطبة)
أمّن حياتك مع الحبيب صلى الله عليه وسلم
الحمد لله اللطيف الرؤوف المنان الغني القوي السلطان الحليم الكريم، الرحيم الرحمن، الأول فلا شيء قبله، والآخر فلا شيء بعده والظاهر فلا شيء فوقه الباطن فلا شيء دونه المحيط علماً بما يكون وما كان يُعِز ويُذِل ويُفْقِر ويُغْنِي ويفعل ما يشاء بحكمته كل يومٍ هو في شأن أرسى الأرض بالجبال في نواحيها وأرسل السحاب الثقال بماء يحييها وقضى بالفناء على جميع ساكنيها ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي المحسنين بالإحسان.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الديَّان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الإنس والجان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما توالت الأزمان وسلم تسليما.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق تقاته واعلموا أن من اتقى الله وقاه. قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
وبعد..
فإن تأمين الحياة والمستقبل هو الشغل الشاغل للبشرية كلها، وهو الهم القائم في قلوب الناس صغاراً وكباراً، أغنياء وفقراء، أقوياء وضعفاء.
يخرج الواحد من باب داره في الصباح وكل همه تأمين حياته وحياة أولاده. ومن هنا جاءت شركات التأمين التي يدفع لها المشترك فيها مبلغاً من المال شهرياً، ومن ثم تؤمّن الشركة الفرد عند الحوادث، ولو قدّر له الموت يُدفع لعائلته مبلغاً من المال. وهناك تأمينٌ صحي عند المرض يُعالَج المريض على حساب الشركة.
كل هذا التأمين قاصر وضعيف ومداه محدود، لكن هناك تأمين أقوى وأعظم وأطول أمداً. إنه تأمين يضعه بين أيدينا الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم -.
1- تأمين طوال اليوم: صلاة الفجر جماعة: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فانظر ـ يا ابن آدم ـ لا يطلبنك الله من ذمته بشيء» [أخرجه مسلم في المساجد (657) عن جندب بن عبد الله (رضي الله عنه) بنحوه ليس فيه: ((في جماعة)).]. «في ذمة الله» أي: في حفظه وتسديده في خاصة نفسه وولده وأهله وماله.
2- تامين لدخول الجنة: ففي الحديث عن أبي أُمامة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من قرأ آية الكرسي دُبُر كل صلاةٍ مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» [أخرجه الترمذي وغيره وهو في صحيح الجامع].
3- تأمين في الصباح والمساء: روى البخاري في صحيحه عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم – قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار موقنًا فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة».
4- تأمين ضد مخاطر الحياة وشرورها: عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات إلا لم يضره شيء» [أخرجه أحمد (1/62، 66، 72)، والبخاري في الأدب المفرد (660) والألباني في صحيح الترغيب (655)].
5- تأمين الأموال والممتلكات: احرص علي أداء الزكاة، والصدقات تحفظ أموالك وتنميها، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا» [رواه البخاري عن أبي هريرة].
6- تأمين مستقبل الأولاد: التقوى هي خير ضمانة تحفظ بها ولدك ومستقبل أبنائك من بعدك، قال تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]. وصلاح الوالد في نفسه، فإنه سبب لحفظ الله عز وجل لأبنائه من بعده، يقول الله سبحانه: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82]، يقول ابن عباس رضي الله عنهما «حفظهما الله بصلاح والدهما ولم يذكر الله للولدين صلاحا». [مختصر ابن كثير مجلد 2 ص 432]. وقال عمَرُ بن عبد العزيز رحمه الله: «ما مِن مؤمنٍ يموت إلاّ حفِظه الله في عَقِبِه وعقِب عقبه»، وقال ابن المنكدر: «إنّ الله ليحفظ بالرجل الصّالح ولده وولدَ ولدِه والدّوَيرات التي حولَه، فما يزالون في حفظ من الله وسِتر» [انظر: جامع العلوم والحكم (1/467)].
7- تأمين ضد المصائب والأزمات: جاء في الكلم الطيب للإمام ابن القيم عن طلق بن حبيب قال « جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال يا أبا الدرداء قد احترق بيتك فقال: ما احترق لم يكن الله ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من قالها أول نهاره لم تُصبه مصيبة حتى يُمسي ومن قالها آخر نهاره لم تصبه مصيبة حتى يصبح: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله أحاط بكل شيء علما اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابةٍ أنت آخذٌ بناصيتها إن ربي على صراطٍ مستقيم» ثم قال: انهضوا بنا فقام وقاموا معه فانتهوا إلى داره وقد احترق ما حولها ولم يصبها شيء. [رواه ابن السني وإسناده ضعيف].
8- تأمين المكان: صح في الخبر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتي يرتحل من منزله ذلك» [أخرجه مسلم في الذكر (2708) من حديث خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها ].
قال أحد العلماء: نزلتُ منزلاً فنسيتُ ذلك الورد فلدغتني عقرب، ففكَّرتُ في نفسي فإذا أنا قد أهملتُ هذا الذكر فأصابني ما أصابني.
9- تأمين صحي: هل تعلم أن الضغوط اليومية والهموم تؤثر علي صحة الإنسان وتجعل مقاومته ضعيفة للأمراض، أمَّا إذا كان الإنسان يملك قلبًا هادئًا مطمئنا اكتسى جسمه بالصحة والعافية، يقول المولى عز وجل: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28] فأكثر من ذكر الله يطمئن قلبك ويقوى جسمك وتكمل صحتك فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «داوُوا مرضَاكم بالصّدقة» [السنن الكبرى (3/382)]، وقال- صلى الله عليه وسلم -: «صنائعُ المعروف تقِي مصارعَ السوء والآفاتِ والهَلَكات» [أخرجه الحاكم عن أنس ا، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3795)].
10- تأمين النوم من الجاثوم (الكوابيس): حتى لا تُصاب بالقلق والأرق والأحلام المزعجة احرص علي قراءة أذكار النوم وأهمها قراءة آية الكرسي جاء في الحديث قوله – صلى الله عليه وسلم -: « من قرأ آية الكرسي حين يأوي إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح» [أخرجه البخاري في بدء الخلق (3275) عن أبي هريرة في قصته مع الشيطان الذي أراد أن يسرق من زكاة رمضان، فأرشده إلى أن يقرأ آية الكرسي كل ليلة، وفي آخره قال – صلى الله عليه وسلم -: «صدقك وهو كذوب»]. و صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه » [رواه البخاري (الفتح 9/ 55)]، ومن المعاني الواردة في قوله (كفتاه) أي من الشيطان.
وورد أن خالد بن الوليد كان يفزع في نومه ويروع، فحكى إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقال: «إذا اضطجعت فقل: بسم الله، أعوذ بكلمات الله التامات من شر غضبه وعقابه وشر عباده، ومن شر همزات الشياطين وأن يحضرون» [رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه والحاكم وصححه].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله:
لا زال حديثنا عن تأمين الحياة مع النبي المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ومع التأمين الحادي عشر:
11- تأمين البيوت: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -«لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة». [أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (780) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. وفي حديثٍ عظيم رواه البخاري ومسلم يجهله الكثيرون منا، يقول – صلى الله عليه وسلم – فيه: «إذا كان جُنحُ الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم، وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، وأوكئوا قِربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تَعرُضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم».
12- تأمين ضد الشياطين: جاء في السنن من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من قال حين يخرج من بيته: «بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. يُقال له: هُديت ووقيت وكُفيت فيقول الشيطان لشيطانٍ آخر: كيف لك برجل قد هُدي ووقي وكُفي؟ » [أخرجه أبو داود في الأدب (5095)، والترمذي في الدعوات (3426)].
13- التأمين ضد الأعطال العارضة: روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالي له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحًا مقيما»، فإذا حرصت على الطاعات وأعمال الخير وصلة الرحم والنوافل وجعلتها من برنامجك اليومي فإن الله سيكتبها لك كاملة إذا انقطعت عنها لمرض أو سفر.
14- التأمين على الدعاء: إذا أحببت أن يُستجاب دعاؤك فأدع لأخيك المسلم بمثل ما تريد، فقد روى الإمام مسلم من حديث أم الدرداء وأبي الدرداء رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -قال: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملَك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل».
15- تأمين ضد الهموم والديون: جاء في سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال « دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال له: يا أبا أمامة مالي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ فقال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله قال أفلا أُعلمك شيئا إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله قال – صلى الله عليه وسلم -: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال»، قال: ففعلت فأذهب الله همي وقضى عني ديني».
16- تأمين ضد الدجّال: ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه والحاكم في مستدركه وصححه الألباني قال – صلى الله عليه وسلم -: «من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال»، وفي لفظ: «من حفظ عشر آيات من أوائل سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال». وفي لفظ: «من حفظ عشر آيات من أواخر سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال».
17- تأمين الأولاد وتحصينهم: وكما يحصن المرء نفسه فإنه يُسّن له أن يُحصّن أبناءه ويعوّذهم، وخير ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم – يُعوّذ الحسن والحسين ويقول: «إن أباكما كان يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطانٍ وهامّة ومن كل عينٍ لامة». ومن علاج العين قبل وقوعها وهو من قبيل العائن وهو التبريك وهو قول: ” تبارك الله “وكذلك قول: “ما شاء الله لا قوة إلا بالله“.
أسأل الله العلي العظيم العفو الكريم أن يحفظنا بحفظه، و يتولانا برعايته، ويكلأنا بعنايته، وينظر إلينا بعين رحمته، ويؤمنا في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.