أمور تقدح في الصبر وتنافيه


أمور تقدح في الصبر وتنافيه

 

لَما كان الصبر حبسَ اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب وخَمْش الوجوه، ونحو ذلك – كان ما يقع من العبد عكس ما ذكر قادحًا في الصبر، منافيًا له، ومن هذه الأمور:

1- الشكوى إلى المخلوق:

فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله، فقد شكا من يرحمه ويلطف به ويعافيه، وبيده ضره ونفعه، إلى من لا يرحمه وليس بيده نفعه ولا ضره، وهذا من عدم المعرفة، وضعف الإيمان.

 

فالأنين والشكوى إلى الخلق وإن كان فيها راحة للمصاب، فإنها تدل على ضعف وخور، والصبر عليها دليلُ قوة وعزة، وهي إشاعة سر الله تعالى عند العبد، وهي تؤثر شماتة الأعداء، ورحمة الأصدقاء؛ قال بعضهم:

لا تشكون إلى صديق حالة
تأتيك في السراء والضراء
فلرحمة المتوجعين مرارة
في القلب مثل شماتة الأعداء

 

فليحذَر العاقل من أن يشكو ربه أرحم الراحمين إلى خلقه، فهذا من جهله بربه وجهله بالناس؛ يقول ابن القيم رحمه الله كما في” كتابه الفوائد ص 79″:” الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذه غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه، فإنه لو عرف رَبَّه لما شكاه، ولو عرف الناسَ لما شكا إليهم.

 

ورأى بعض السلف رجلًا يشكو إلى رجلٍ فاقته وضرورتَه، فقال: يا هذا، والله ما زدت على أن شكوتَ مَن يرحمك إلى من لا يرحمك.

 

في ذلك قيل:

وإذا اعترتْك بليةٌ فاصبِر لها
صبرَ الكريم فإنه بك أكرمُ
وإذا شكوت إلى ابنَ آدم إنما
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

 

والعارف إنما يشكو إلى الله وحده، وأعرفُ العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس، فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه، فهو ناظرٌ إلى قوله تعالى:﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾[الشورى: 30]، وقوله: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران:165].

 

فالمراتب الثلاثة: أخسُّها أن تشكو الله إلى خلقه، وأعلاها أن تشكو نفسك إليه عز وجل، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه؛ اهـ.

 

وأخرج الحاكم والبيهقي بسند صحيح عند أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“قال الله تعالى: إذا ابتليتُ عبدي المؤمن، فلم يشكني إلى عُوَّاده أطلقته من إساري، ثم أبدلته لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمه، ثم يستأنفُ العمل”، (صحيح الجامع:4301).

 

فيا له من ربٍّ رحيم، وسعت رحمته كل شيء سبحانه وتعالى.

 

وأخرج الإمام مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار قال: “إذا مرض العبدُ بعث اللهُ تعالى إليه ملكين، فقال: انظرا ماذا يقول لعُوَّادِه (زُوَّاره)، فإن هو إذا جاؤوه حمد الله، وأثنى عليه، رفَعَا ذلك إلى الله عز وجل وهو أعلم، فيقول: لعبدي عليَّ إن توفيتُه أن أُدخله الجنة، وإن أنا شفيتُه أن أبدل له لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمه، وأن أكفِّر عنه سيئاتهِ”؛(السلسلة الصحيحة:1 /1146).

 

وقال علي رضي الله عنه: “من إجلال الله ومعرفة حقه ألا تشكو وجعك، ولا تذكر مصيبتك”.

 

وقال شقيق البلخي: “من شكا مصيبة به إلى غير الله، لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبدًا”.

 

وقال بعض الحكماء: “كنوز البر كتمان المصائب”.

 

قال عبد العزيز بن أبي روَّاد: “ثلاثة من كنوز الجنة، كتمان المصيبة، وكتمان المرض، وكتمان الصدقة”.

 

– رُوي أنه كان في زمن حاتم الأصم رجل يُقال له مُعاذٌ الكبير، أصابته مصيبة، فجزع منها وأمر بإحضار النائحات، وكسر الأواني، فسمعه حاتم، فذهب إلى تعزيته مع تلامذته، وأمر تلميذًا له فقال: إذا جلست فاسألني عن قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾ (العاديات: 6)، فسأله فقال حاتم: ليس هذا موضع السؤال، فسأله ثانيًا وثالثًا، فقال: معناه أن الإنسان لكفور، عدَّادٌ للمصائب، نسَّاءٌ للنعم. مثل معاذٍ هذا، إن الله ـ تبارك وتعالي ـ متَّعه بالنعم خمسين سنة، فلم يجمع الناس عليها شاكرًا لله عز وجل، فلما أصابته مصيبة جمع الناس يشكو من الله تعالى، فقال معاذ: بلى، إن معاذ لكنود عدَّاد للمصائب، نسَّاء للنعم، فأمر بإخراج النائحات وتاب إلى الله عن ذلك.

 

2- ومما ينافي الصبر الهلع:

وهو الجزع عند ورود المصيبة، والمنع عند ورود النعمة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾[المعارج: 19 – 21].

 

قال عبيد بن عمير رحمه الله: “ليس الجزعُ أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع القول السيئ والظن السيئ”.

 

وقال بعضهم: مات ابن لي نفيس، فقلتُ لأمه: اتقي الله واحتسبيه عند الله، واصبري، فقالت: مصيبتي به أعظم من أن أفسدها بالجزع.

 

– ومما ينافي الصبر ويدل على الجزع ما يفعله بعض الناس عند نزول المصيبة من شق الثياب، ولطم الخدود، وخمش الوجوه، ونتف الشعر، والضرب بإحدى اليدين على الأخرى، والدعاء بالويل، ورفع الصوت عند المصيبة، ولهذا برئ النبي صلى الله عليه وسلم ممن فعل ذلك.

 

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليس منا مَن لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية[1]“.

 

3- ومما يقدح في الصبر إظهار المصيبة والتحدث بها:

وقد قيل: من البر: كتمان المصائب، والأمراض، والصدقة، وقيل أيضًا: كتمان المصائب رأس الصبر.

 

4- ومن الأمور التي تنافى الصبر: الاستعجال:

فالنفس مولعةٌ بحب العاجل، والإنسان عجول بطبعه، حتى جعل القرآنُ العَجَلَ كأنه المادة التي خُلق الإنسان منها: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾(الأنبياء: 37)، فإذا أبطأ على الإنسان ما يريده نَفِد صبره وضاق صدره، ناسيًا أن لله في خلقه سننًا لا تتبدل، وأن لكل شيء أجلًا مسمًّى، وأن الله لا يعجل بعجلة أحد من الناس، ولكل ثمرة أوان تنضج فيه، فيحسُن عندئذ قطافُها، والاستعجال لا ينضجها قبل وقتها، فهو لا يملك ذلك، وهي لا تملكه، ولا الشجرة التي تحملها، إنها خاضعة للقوانين الكونية التي تحكمها، وتجري عليها بحساب ومقدار، ولهذا خاطب الله رسوله بقوله: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف: 35]؛ أي لا تستعجل للكفار العذاب، فإن لهم يومًا موعودًا.

 

وقد كان المشركون لجهلهم وسفههم، يستعجلون عذاب الله، غرورًا منهم وعنادًا، فيرد الله عليهم بما يسكتهم ويبكتهم: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 53].

 

﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج: 47].

 

5- ومن الأمور التي تنافى الصبر: الغضب:

فقد يدفع الغضب الإنسان إلى عدم الصبر، وربما وصل به الحال إلى اليأس وهذا ما حدث مع يونس عليه السلام عندما خرج من بلدته، وقد امتلأ قلبه غيظًا وغضبًا على قومه، ولم يصبر على دعوتهم، وفى هذا يقول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ[2]* لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [القلم: 48-50].

 

وصاحب الحوت المذكور هنا هو يونس عليه السلام، وقد لقِّب في سورة ” الأنبياء ” أيضًا “ذا النون”، وإنما أضيف إلى النون أو الحوت؛ لأنه التقمه ثم نبذه، وقد أشير إلى قصته في “سورة الأنبياء”، وفصِّلت بعض التفصيل في “سورة الصافات”.

 

وخلاصتها أنه أرسل إلى أهل قرية عرفت باسم “نينوى” بالعراق، فدعاهم إلى توحيد الله، فأعرضوا ونأوا بميامنهم عنه، ولم يجد من يستجيب لدعوته منهم، فسرعان ما فرغ صبره، وضاق صدره، فغادرهم ثائرًا مغاضبًا قبل أن يأذن الله له، ظنًّا منه أن أرض الله واسعة، ولن يضيق الله عليه، فإن يكفر به هؤلاء، فقد يجد في غيرهم المؤمنين الصالحين.

 

واندفع وراء غضبه على القوم، حتى انتهى إلى شاطئ البحر، فوجد سفينة مشحونة مملوءة بالركاب، فركب فيها، حتى إذا كانت في عرض البحر ثقلت وأوشكت أن تغرق، فاقترح ربانُها إلقاء واحد من ركابها في البحر، لتخف وينجو الباقي، فساهموا – أي اقترعوا – على ذلك، فكانت القرعة على يونس، وألقى في البحر، ليلتقمه حوت عظيم، لبث في بطنه أيامًا لا يعلمها إلا الله، وفي هذا الكرب والضيق والظلمات المتراكمة: ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، نادى يونس ربه: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فاستجاب الله له ونجاه من الغم، فلفظه الحوت على الساحل، ونُبذ بالعراء وهو سقيم، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين، وأرسله إلى قومه مرة أخرى، فآمنوا فمتعهم اللهُ إلى حين!

 

والشاهد هنا أن اللهيحذر خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم من الاستجابة إلى داعي الغضب، الذي قاد يونس إلى ما قصه الله عليه، وجر عليه من البلاء ما جرَّ، وإنما عليه أن يصبر لحكم ربه، ويثبت على دعوته، ويتحمل أعباء رسالته، ولا يندفع وراء انفعالاته، وإنما ينتظر أمر مولاه، ويترقب في النهاية نصر ربه.

 

6- ومن الأمور التي تنافى الصبر: شدة الحزن والضيق مما يلقاه أهل الصلاح عند نشر دعوتهم:
فليس أشد على الداعية المخلص لدعوته من الإعراض عنه، والإيذاء له، والافتراء عليه، والمكر به، وفي هذا يقول الله لرسوله: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127].

 

ثم يؤنِسه بأنه في معيته سبحانه ورعايته، فيقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

 

ولقد بلغ الضيق والحزن بالنبي صلى الله عليه وسلم من إعراض القوم وتعنتهم وافترائهم – مبلغًا جعل القرآن يخاطبه في لهجة حاسمة، فيقول: ﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [هود: 12].

 

وفى مواضع آخر يقول: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 3].

 

ويقول أيضًا:﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6].

 

ويقول أيضًا:﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر: 8].

 

وفى موضع آخر يقول: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 99].

 

فالإيمان والكفر والهدى والضلال، كلها واقعة في الوجود بمشيئة الله تعالى لهذا الكون، وأجرى بها أقداره، فينبغي مراعاة هذه السنن لا مغالبتها، فإنها غلَّابة، وهذا كله تعليم للدعاة إلى الله وتنبيه لهم إلى أن تقوم الساعة.

 

7- ومن الأمور التي تنافى الصبر: اليأس:

فهو من أعظم عوائق الصبر، فإن اليائس لا صبر له؛ لأن الذي يدفع الزارع إلى معاناة مشقة الزرع وسقيه وتعهده، هو أمله في الحصاد، فإذا غلب اليأس على قلبه، وأطفأ شعاع أمله، لم يبق له صبرٌ على استمرار العمل في أرضه وزرعه، وهكذا كلُّ عامل في ميدان عمله، وصاحب الدعوة والرسالة كذلك، ولهذا حرص القرآن على أن يدفع الوهم عن أنفس المؤمنين، فبذر الأمل في صدورهم: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140،139].

 

﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35].

 

ولَما أمر موسى قومه بالصبر إزاء طغيان فرعون وتهديده، أضاء أمامهم شعلة الأمل، فقال: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129،128].

 

ولَما شكا خباب بن الأرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يلقى من أذى المشركين، شكوى تحمِل معنى الضيق والتبرم، ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا بما لقيه المؤمنون في الأزمنة الماضية، ثم طرد عن قلبه اليأس، وزرع فيه الأمل الخصب؛ حيث أخبره أن الله سيتم هذا الأمر حتى يسير الراكب من أدنى الجزيرة إلى أقصاها لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، وما ذلك إلا لأن الأمل أكبر مِعوان على الصبر على طول الطريق ومشقاته، وأن اليأس من أعظم المعوقات عن الصبر.


[1] قال الحافظ في الفتح :3 /195″: قال المهلب: قوله: “ليس منا”؛ أي ليس متأسيًا بسنَّتِنا، ولا ممتثلًا لطريقتنا التي نحن عليها، كما قال صلى الله عليه وسلم: “ليس منا مَن غشنا”؛ لأن لطم الخدود، وشق الجيوب من أفعال الجاهلية، وقوله: “لطم الخدود” خص الخد بذلك؛ لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك، وقوله: ” وشق الجيوب” جمع جيب، وهو ما يفتح من الثوب من جهة العنق؛ ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه: إكمال فتحه إلى آخره، وهو من علامات التسخط، وقوله: “ودعا بدعوى الجاهلية”، وفي رواية مسلم: “بدعوى أهل الجاهلية”؛ أي: من النياحة ونحوها، وكذا الندبة كقولهم: “واجبلاه”، وكذا الدعاء بالويل والثبور؛ اهـ، وندبة الميت في هذا الزمان هي التعديد المعروف عند النساء تقول إحداهنَّ: “يا سبعي، يا جملي” مما هو مشهور، وهذا كله منهي عنه.

[2] مكظوم: أي مملوء غيظًا وغضبًا في قلبه على قومه.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
لا تشمت بأخيك
حاشية كتاب المكاسب – جزئين