أنا متـرجم إذا أنا مبدع!
أنا مُتـرجم إذًا أنا مُبدع!
إن الترجمة هي عملية نقل خطاب شفوي أو كتابي من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، ويحتوي هذا الخطاب في مضمونه أفكارًا ومعانيَ وثقافةً، وعلومًا ورسائلَ للمتلقي.
ترتبط الترجمة الأدبية بالنصوص الأدبية، كان الأمرُ في إطار الشعر أو النثر، وتتميَّز هذه النصوص بالطابع الفني؛ أي: إِنَّ جمالَ الأسلوب وعُمق المعنى والأثرِ المكافئ عوامل أساسية لا غِنى عنها.
تتعلق الترجمة المتخصصة بالنصوص ذات الطابع التخصصي المُحدَّدة المجالات والمعارف؛ منها: العُلوم القانونية والاقتصادية والطبيةوالتقنية، ومثيلاتها، ونتبعُ فيها الأسلوب المباشر في التواصل، ورسالةُ النص واضحة، ونُلَبِّي بها حاجة مُريد الترجمة.
أمَّا الإبداع فهي اللَّمْسَةُ الفنية التي يَتْرُكُهَا المترجم على النص، سواء كان أدبيًّا أو تخصصيًّا، لأن لكُلِّ منا طريقته في التعامل مع النصوص والتفاعل مع مضامينها واقتناصِ أفكارها، إلا أننا في الأدب يبلغُ الاسترسالُ مدًى بعيدًا، ويُمكننا أن نُشِيرَ إلى الحِسِّ الترجميِّ الذي نصوغُهُ كالآتي: مهارةٌ موجودةٌ لدى المترجم في انتقاء الألفاظ، ويَصْقُلُ المترجم ويُنَمِّي هذه المهارة، ويُسَيِّرُهَا حسب النص الذي بين يديه.
نعودُ الآن للعنوان الذي اِخترناه: “أنا مُترجم إذًا أنا مُبدع”، فهناك من المنظِّرين من يرى كفاءة الترجمة موهبةً بالفطرة تُوجد لدى المترجم، ونُبَيِّنُ أنَّها قراءةٌ للعالم المُحيط به، وأمبرتو إيكو Amberto Eco يُوضِّح أننا نُتَرْجِمُ عَوَالِمَ اللغة ولا نقتصرُ على النصوص في حدِّ ذاتها، فيقومُ المترجم بصورة آلية بنَشاط الترجمة، وترجمتُهُ هادفةٌ إلى أبعد الحدود، ومهارته يُحسِّنها بالتمكُّن من اللغة، ودراسة مُختلف النظريات والمقاربات، والأدوات والآليات والتقنيات الترجميَّة.
المُنَظِّرَتانِ ماريان لوديرير Marianne Lederer ودانيكا سيليسكوفيتش Danica Seleskovitch تُؤسِّسان فِكْرَهُمَا على المعنى، فنتعرَّف في البداية إلى النص ثمَّ نغوصُ في مضمونه، ثمَّ نستحوذُ على معناه ثمَّ نُعيد صِياغة النص، أمَّا المرحلة الأخيرة التي نُضيفها فهي أن يُوظِّف المترجم الإبداعَ الذي من خلاله تتَّضح لَمْسَتُهُ، ويُصبح النصُّ في غاية الإتقان.
يقولُ فريدريك شلايرماخر Friedrich Schleiermacher المُنتمي لمدرسة الرُّومانسيين الألمان: إن المترجم كاتبٌ ثانٍ للنص، يتقمَّص رِداءه؛ فإمَّا أن يُحدث عليه تغييرًا ويُوصله على أفضل حالٍ للقارئ، أو يَتْرُكَ النص على حاله ويُمهِّد لِلِقَاءِ القارئ به، ففكرةُ الإبداع مُرتبطة أساسًا بمَهارة الكتابة، ويتقمَّص المترجم شخصية الكاتب، فيطلقُ ملكاته وقُدراته في التحرير.
تهدفُ الترجمة للإثراء، واعتبارُ المترجم مُبدعًا فيها تنميةٌ لهذا الجانب، فالترجمة ابتكارٌ وبحثٌ عن الحُلول للإشكالات الترجميَّة واللسانيَّة، والإبداعُ ضروريٌّ فيها، والمترجم مبدعٌ وكاتبٌ ولسانيٌّ.