(احتساب سبعين نية لصوم رمضان) من كتاب (بذل الجنان في احتساب سبعين نية لصوم رمضان: ج1)


(احتساب سبعين نية لصوم رمضان)

من كتاب (بذل الجنان في احتساب سبعين نية لصوم رمضان: ج1)

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله ومن تبِعهم بإحسان؛ أما بعد:

فإنَّ أفضلَ ما يلقى العبد به ربَّه عز وجل أن تكون أعماله خالصة لله تعالى، وعلى هَدْيِ نبينا محمدٍ، ومن ثَمَّ، فإن مما يُعين العبدَ على الطاعة أن يتيقَّنَ أنَّ له من الأجور العظام يوم القيامة، فيهون عليه ما يبذل؛ فقد قيل: “من عرف ما يبذل، هان عليه ما يطلب”، وأي طلب أعظم من رضوان الله وجنانه؟! فبين يديك – أخي الكريم – ما يسَّر الله جمعه مختصرًا دون تفاصيل كلام أهل العلم في شروح الأحاديث؛ لتكون تلك النيات وجبة سريعة تتناسب مع مختلف الأعمار، إن شاء الله.

 

مدار حياتك على النية:

لقد بيَّن الله عز وجل في كتابه أن مدار الحياة كلها على القلب؛ فقال: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، وقد أكَّد هذا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن في الجسد مضغةً إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب))[1]، وقد بيَّن ربنا أن أساس قبول الأعمال يتوقف على أمرين؛ بقوله تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]؛ قال الفضيل عن تلك الآية: “لا يُقبَل من العمل إلا ما كان أخلصه وأصوبه”؛ فأخلصه أن يكون خالصًا لله تعالى دون غيره، وأصوبه أن يكون موافقًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكلنا يحفظ حديث: ((إنما الأعمال بالنيات))، فنسأل الله بما دعا به بعض السلف أن يجعل نياتنا كلها صالحة، وأن يجعلها لوجهه خالصة، وألَّا يجعل لأحدٍ غيره شيئًا.

 

الأجر على قدر المشقة:

إن من أسماء الله تعالى الكريمَ؛ فلن يضيِّع عبوديتك وإخلاصك وصبرك له بكرمه لك، وإحسانه سبحانه إليك في جزاء صيامك، كما أنك مُمْسِكٌ عن المحرَّمات في صيامك، محتسبًا ما تلاقيه من مشقة وتعب، كل هذا يُعظِم الله لك به الأجرَ، ويُجزِلُ لك المثوبة، كما أن نبينا صلى الله عليه وسلم بيَّن تلك القاعدة؛ فعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها: ((إن لكِ من الأجر على قدر نَصَبكِ ونفقتكِ))[2]، فالاحتساب في العبادات وما يلاقيه المسلم من مشقة أو جهد أو صبر لن يُضيِّعه الله؛ فلْتَكُنْ نياتنا خالصة لله تعالى، وهذه النيات كالآتي:

1- الصوم وقاية من الأمراض الظاهرة والباطنة:

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصوم جُنَّة))[3]؛ فهو وقاية من الذنوب والمعاصي، وفرصة إيمانية لتطهير القلب من أمراضه، وسبيل للمحافظة على الطاعات من صيام وقيام وقرآن، وصدقات تفطير الصائمين، والتواضع… كما أن الصيام وسيلة نافعة لعلاج كثير من الأمراض؛ كالسُّكَّري (السكر) والسِّمنة المفرطة، إلى جانب أن الصيام فرصة للزوجين بإنجاب الولد؛ فالهرمونات تكون نشِطة في أوقات الصيام أكثر من غيرها حسب دراسات علمية أُجريت.

 

2- صوم رمضان ركنٌ من أركان الإسلام:

لقد بيَّن لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أركانَ الإسلام الظاهرة، التي لا فِكاك للمسلم عنها، فهي أركانه وأعمدته؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم في بيانها عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((بُنِيَ الإسلام على خمس:… وصوم رمضان))[4]، فعبادة صوم رمضان من مُتمِّمات أركان الإسلام وأسسه التي بها يُعرف المسلم بإسلامه دون غيره؛ إذ من شروط صحة الصيام أن تكون مسلمًا، فلو صام غيرُ المسلم معنا لم يُقبَل منه.

 

3- الصوم سنن الصالحين قبلنا:

لقد طيَّب الله خاطر المؤمنين بوصفهم بأنهم على خطى الأنبياء والصالحين قبلهم، إن احتسبوا صيامهم؛ فبيَّن سبحانه وتعالى أنه فرض الصيام على الأمم السابقة، فالله بيَّن لنا التخفيف والرفق بنا، فلم يفرضه علينا وحدنا؛ فقال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183]، فالمسلم الذي يمتثل أمرَ ربِّه، ويصوم رمضان محتسبًا تَعَبَه ونصبه، وفَعَلَ ما يُرضي الله في صيامه بالبعد عن الغِيبة والنميمة، وغيرها من الكبائر والصغائر، فالمسلم الذي يتعبد بالصيام يتصف بصفة من صفات الأمم السابقة، بفعل ما أُمِرَ به.

 

4- يُحشر الصائم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين:

يا له من فضل! ويا له من شرف! حينما تحتسب صيامك، فيحشرك الله مع أفضل من تعبَّدوا الله، وفي أعلى منزلة في الجنة؛ فقد بيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرو بن مرة الجهني قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديتُ الزكاة، وصُمْتُ رمضان وقُمته، فممَّن أنا؟ قال: من الصديقين والشهداء))[5]، فاحتساب نيتك في الصيام سبيل لأنْ تَلْحَقَ بهذا الرَّكْبِ الذي أنعم الله عليه، وأنت في كل ركعة تسأل الله ذلك في سورة الفاتحة: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7]، وهم في سورة النساء: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]، فيا لها من صحبة! نسأل الله أن يكتبنا ممن صام احتسابًا، فيلحقنا بهم وفي زُمْرَتِهم.

 

5- غفران ما تقدَّم من ذنوبك:

إن من أسماء الله الحسنى التي نتعبد بها الله عز وجل في حياتنا اسمه (الغفار)، فهو كثير المغفرة، ومن تلك الأعمال الصالحة التي بها يغفر الله لنا عبادةُ الصيام، لكن النبي صلى الله عليه وسلم علَّق تلك المغفرة على احتسابك لصيامك؛ فقال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))[6]، فاحتسِبْ صبرك على الطاعة، وصبرك عن المعاصي حتى يُغفَر ذنبك؛ فلن يضيِّع الله جهدك.

 

6- رفعة درجتك في الجنة:

لا شكَّ أن الإنسان الذي يطيل الله عمره، فيشهد صوم رمضان وقيامه، أفضل ممن مات قبل شهود الصيام، وفي ذلك بيَّن رسولنا صلى الله عليه وسلم للصحابة؛ كما في حديث طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه ((أن رجلين من بَلِيٍّ قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعًا، فكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستُشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم تُوفِّيَ، قال طلحة: فرأيت في المنام: بينا أنا عند باب الجنة، إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة، فأُذِن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج، فأذن للذي استُشهد، ثم رجع إليَّ، فقال: ارجع، فإنك لم يَأْنِ لك بعد، فأصبح طلحة يحدِّث به الناس، فعجِبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدَّثوه الحديث، فقال: من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا، ثم استُشهد، ودخل هذا الآخر الجنةَ قبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى، قال: وأدرك رمضان فصام، وصلى كذا وكذا من سجدة في السَّنة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض))[7]؛ ومن هذا يتضح أن المسلم الذي عاش عمرًا أطول من غيره قد عمَّر بصيامه وقيامه وطاعته لله، فهو أسبق من غيره وأعلى منزلة في الجنة إن تقبَّله الله منه، فدخول الجنة برحمة الله، والدرجات فيها بحسب الأعمال؛ فكثرة الأعمال علوٌّ في الدرجات، فنسأل الله أن يطيل أعمارنا ويحسن أعمالنا.

 

7- من أسباب دخول الجنة:

شهر رمضان فرصة كبرى لأن تكون من أهل الجنة، فأبواب الجنة تتهيأ للصائمين؛ كما في حديث أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كانت أول ليلة من رمضان، صُفِّدت الشياطين، ومَرَدَةُ الجنِّ، وغُلِّقت أبواب النار، فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة، فلم يُغلق منها باب…))[8]، فهذه فرصة لكل مسلم أن يدعو الله بما شاء فأبواب الجنة مفتوحة، فليسأل ربه جناته، وليجتهد في الطاعات على اختلاف أنواعها؛ فقد بيَّن ابن القيم تلك المفاضلةَ بأن الصائم الذاكر خير من الصائم فقط، والصائم الذاكر المتصدق أفضل من غيره، وهكذا، كلما نوَّعت الطاعات، كان أفضل لك عند ربك من غيرك.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وفي القادم إن شاء الله تكملة الكتاب، فلا تنسَوني وأهلي وذريتي بدعوة صالحة، لعل الله يجعلها سببًا فيما أعده.


[2] حديث صحيح على شرط الشيخين: مستدرك الحاكم: 1/ 644.

[3] حديث صحيح بطرقه وشواهده: سنن ابن ماجه، حققه: شعيب الأرنؤوط: 5/ 16.

[4] صحيح البخاري: 1/ 11.

[5] صحيح على شرط الشيخين: صحيح ابن حبان، حققه: شعيب الأرنؤوط.

[6] صحيح البخاري: تعليق: محمد زهير بن ناصر الناصر: (1 / 16 – رقم 38).

[7] حسن لغيره: مسند أحمد، حققه: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، وآخرون.

[8] صحيح: سنن ابن ماجة: شعيب الأرنؤوط: 2/ 599.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Victory City by Salman Rushdie review – a lavish fairytale – The Guardian
من رأى وحده هلال رمضان ورد قوله أو رأى وحده هلال شوال وجب عليه الصيام