احفظ الله يحفظك


احفظ الله يحفظك

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتَّبع هدْيَه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فنبيُّنا -عليه الصلاة والسلام- كان يحرص على الوصية لأصحابه بأمور الدين:

ومن ذلك: وصيته -عليه الصلاة والسلام- لابن عباسٍ رضي الله عنهما؛ إذ قال له: «يا غلام، إني أعلِّمك كلماتٍ احفظ الله يحفظك، احفظك الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعْلَم أن الأمة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحُف».

 

هذه الوصية العظيمة بدأها النبي بقوله: «يا غلام، إني أُعلِّمك كلماتٍ» فحثَّه بقوله: «كلمات» على حفظها؛ لعظيم بركتها وفائدتها.

 

ثم قال له: «احفظ الله» وهذا أمرٌ بحفظ حدود الله – تبارك وتعالى- وطاعته وامتثال أوامره.

 

ومن أعظم ما يحفظه المسلم بعد توحيد الله -تبارك وتعالى-: أداء الصلاة، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج: 34]، فالصلاة يحفظها المسلم بأدائها في وقتها ممتثلًا لأمر الله –جل وعلا-: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، ومتبعًا فيها هدي النبي عليه الصلاة والسلام.

 

وكذلك مما أمرنا الله -تبارك وتعالى- بحفظه: حفظ الأيمان قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: 89]، فيحفظ المسلم يمينه من الحلف كاذبًا أو الحلف بغير الله -تبارك وتعالى- أو أن يكثر من الحلف وإن كان صادقًا، وخاصةً في أمر التجارة، أو أن يحلف بالطلاق، وهذا من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يجتنبها فيحفظ يمينه كما أمره الله -تبارك وتعالى-.

 

ومما جاء في القرآن في حفظ الأمور التي أرشدنا إليها الله -تبارك وتعالى-: حفظ البصر، وحفظ الفرج، قال -سبحانه وتعالى- في هذا الأمر العظيم: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ [النور: 30]، فأمر سبحانه المؤمنين بغضِّ البصر، فالمسلم يغضُّ بصره عن النظر إلى المُحرَّمات، ويحفظ فرجه عن الشهوات المُحرَّمة.

 

ثم قال له -عليه الصلاة والسلام-: «احفظ الله يحفظْك» فإذا حفظت أمر الله حفظك الله -تبارك وتعالى- وكان معك يؤيدك ويعينك وينصرك في أمورك كلها، قال -سبحانه وتعالى- في قصة الغار عند هجرة النبي -عليه الصلاة والسلام-: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].

 

والله – تبارك وتعالى- مع عباده المتقين قال – جل وعلا -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، فالمسلم يحفظ أمر الله لينال حفظ الله تبارك وتعالى.

 

ثم قال له -عليه الصلاة والسلام-: «وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله»، وهذا موافقٌ لما جاء في سورة الفاتحة التي يقرؤها المسلم في كل صلاة من قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وإذا سألت فاسأل الله، إذا دعوت وطلبت فاطلب من الله -تبارك وتعالى- فلا تدعو مع الله أحدًا.

 

والمسلم يحرص على سؤال ربه، واللجوء إليه -جل وعلا- ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، فالدعاء يكون لله ويكون الجواب منه -سبحانه وتعالى- بتحقيق ما يريده المسلم وما يطلبه من ربه عز وجل.

 

والمسلم لا يسأل إلا الله، إلا فيما يقدر عليه الناس من أمور الدنيا من مساعدةٍ في شيءٍ من حاجيات الإنسان، فلا بأس أن يسأل الناس، ولكن الأكمل ألَّا يسأل أحدًا إلا الله؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أوصى عددًا من الصحابة رضي الله عنهم ألَّا يسألوا الناس شيئًا حتى إن أحدهم كان يسقط سوطه من على راحلته فينزل ويأخذه ولا يطلب من أحدٍ أن يساعده في هذا الأمر، وهذا امتثالٌ منه لوصية النبي عليه الصلاة والسلام.

 

ثم قال له: «وإذا استعنتَ فاستعن بالله» اطلب العون من الله -تبارك وتعالى- والجأ إليه وحده سبحانه كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز» فالمسلم يطلب العون من ربه -تبارك وتعالى- في أموره كلها؛ لأن طلب العون من غير الله -تبارك وتعالى- فيه خذلانٌ للإنسان وخاصة في الأمور التي تكون بين العبد وبين ربه، فيطلب العون منه -سبحانه وتعالى- ويلجأ إليه -تبارك وتعالى- في كل ما يهمه من أمور الدنيا والآخرة.

 

ثم قال له -عليه الصلاة والسلام-: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لم يضرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك» فكل ما يصيب العبد في هذه الحياة الدنيا مقدرٌ ومكتوبٌ عليه.

 

قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾ [التوبة: 51] فالخلق لا يقدرون على العطاء والمنع، والأمر بيد الله تبارك وتعالى.

 

ومع هذا فإن المسلم مأمورٌ بفعل الأسباب، فإذا أراد التوفيق في أمرٍ من الأمور؛ فإنه يسأل الله ذلك ويبذل الأسباب، فإذا أراد مثلًا النجاح في أمرٍ من الأمور أو في تجارة من التجارات فعليه أن يسأل عن هذه التجارة وما هي متطلباتها، وماذا تحتاج، ويبذل هذه الأسباب التي هي بمقدرته، متوكلًا على الله -تبارك وتعالى- سائلًا إياه التوفيق -عز وجل-.

 

ثم قال له -عليه الصلاة والسلام-: «رُفِعت الأقلام وجفَّت الصحف» وهذا تأكيد من النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن الأمر مقدرٌ ومكتوب، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ [الحديد: 22]؛ أي كل هذه الأحداث التي تحدث في الدنيا مقدرةٌ ومكتوبةٌ قبل أن تُوجَد وقبل أن تُخلَق.

 

والله -تبارك وتعالى- كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فالأمر مقدَّر من الله -تبارك وتعالى- فالمسلم يُوقِن بهذا الأمر ويجتهد في العمل الصالح، ويسأل الله -تبارك وتعالى- التوفيق لما يُحبُّه ويرضاه.

 

هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
قائد حرس المنشآت يبحث تعزيز التعاون مع مطابع الكتاب المدرسي
كتاب وأقلام – الرأي – صحيفة الجزيرة