ارفع سقف المطالب
ارفع سقف المطالب
﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، جاء الطلب بلفظ الهِبَةِ؛ لأن الهبة إحسانٌ محضٌ ليس في مقابلة شيء، وهو يناسب ما لا دخلَ فيه للوالد لكِبَرِ سنِّه، ولا للوالدة لكونها عاقرةً لا تلِدُ؛ [تفسير الألوسي].
ويقول الشيخ السعدي في تفسيره: “دعا زكريا عليه السلام ربَّه أن يرزقه ذريةً طيبة؛ أي: طاهرة الأخلاق، طيبة الآداب، لتكمل النعمة الدينية والدنيوية بهم، فاستجاب له دعاءه”.
وأنا وأنت يا عبدالله، فلنطلب ولنرفع سقف المطالب، لا تطلب أي شيء، فزكريا عليه السلام، كل أسباب طلبه ممتنعة في ميزان البشر، لكنه طلب ممن بيده الرزق، ممن لا يُعجزه شيء؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((في الجنة مائة درجةٍ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجةً، ومنها تفجَّر أنهارُ الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله، فسَلُوهُ الفردوسَ))، طَلَب وهو موقن بالإجابة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافلٍ لاهٍ))، والمؤمن لا يشُكُّ في قدرة الله تعالى؛ لأن الشكَّ في القدرة كُفْرٌ، لكن قد يظن أن الله لن يجيب دعاءه؛ لكونه لا يستحق الإجابة مثلًا، أو لم يستجمع شروط قبول الدعاء.
فينبغي أن يَدَعَ هذا الظن، وأن يُقبِلَ بقلبه على ربه، وأن يعظُم رجاؤه وتفاؤله؛ لأن الله عند ظن عبده به كما جاء في الحديث؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ، ذكرته في ملأ خيرٍ منهم))، مع الاجتهاد في تحقيق شرائط الإجابة، والامتناع عن موانعها، فقد يكون لسوء أعماله، ومعاصيه، وكثرة شرِّه، وقد يكون لأكله الحرامَ، وتعاطيه الحرام، وقد يكون أنه يدعو بقلب غافل مُعرِض، قد تكون لأسباب أخرى؛ كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من عبدٍ يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثم، ولا قطيعةُ رَحِمٍ، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته في الدنيا، وإما أن تُدَّخَرَ له في الآخرة، وإما أن يُصرَف عنه من الشر مثل ذلك، قيل: يا رسول الله، إذًا نُكْثِرُ؟ قال: الله أكْثَرُ)).
قال الإمام الشافعي:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاءُ سِهام الليل لا تخطي ولكن لها أمدٌ وللأمد انقضاءُ
|
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.