استخدام اللون الأصفر في البناء واللباس
استخدام اللون الأصفر في البناء واللباس
تحاورتُ مع أخٍ فاضلٍ في ذمِّ استخدام اللون الأصفر في البناء واللباس، وكعادتي في الكتابة بعد كل حوار، فقد جمعتُ ما ورد في هذا الموضوع وهي خلاصة ما ورد في النصوص الشرعية في ذلك، وهذا المبحث من مُلَح العلم، ولا يعدو أن يكون تفضيل لون على لون، ومن الله أستمدُّ العون.
أولًا: ذم البناء والدهان بالأصفر:
روى البخاري في صحيحه- معلَّقًا – (1 / 171) عن أبي سعيدٍ الخُدْري رضي الله عنهم أجمعين، أنه قال: «كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مبنيًّا بلبن، وسقفها من جريد النخل، فأمر عمر رضي الله عنه ببنائه وتوسعته، وقال: أكِنَّ الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس».
ثانيًا: تفضيل اللون الأبيض في البناء:
في سنن أبي داود بإسناد صحيح أن عثمان لما نخرت سواري المسجد بالسوس جعل بدلها الحجارة المنقوشة والقصة (وهي الجس في لغة أهل الحجاز)، وجعل أعمدته من حجارة منقوشة، وجعل سقفه من خشب الساج. وينظر شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 97).
ثالثًا: ما ورد في اللباس الملون بالأصفر:
روى مسلم (2077) عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: «رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوبَينِ مُعَصْفَرَينِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ مِن ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلا تَلبَسهَا»، وفي رواية: «أَأُمُّكَ أَمَرَتكَ بِهَذَا؟ قُلتُ: أَغسِلُهُمَا؟ قَالَ: بَل احرِقهُما».
وما رواه مسلم (2078) عن علي رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن لبسِ المُعَصفَرِ»، وعن أنس رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَن يَتَزَعفَرَ الرَّجُلُ»؛ رواه البخاري (5846) ومسلم (2101).
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “القول الصحيح أن لبس المعصفر حرام على الرجل، والمزعفر مثله”؛ الشرح الممتع (2/ 218). والعصفر قال عنه الفيروزابادي في المعجم الوسيط هو: نبات صيفي، من الفصيلة المركبة، أنبوبية الزهر، يستعمل زهره تابلًا، ويُستخرَج منه صبغ أحمر، يصبغ به الحرير ونحوه؛ انتهى. والمقصود أن العصفر يستخدم لصبغ الطعام وصبغ الثياب، ويكون اللون قريبًا من اللون البرتقالي.
وكذلك اللباس الأحمر، فقد قال البراء بن عازب رضي الله عنه: “نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن المياثر – الفراش اللين – الحُمر، والقسِيّ – ثياب مخططة بالحرير -“؛ رواه البخاري 5390.
وعن ابن عباس قال: “نُهِيتُ عن الثوب الأحمر، وخاتم الذهب، وأن أقرأ وأنا راكع”؛ رواه النسائي برقم 5171، وقال الألباني: “صحيح الإسناد” (صحيح سنن النسائي/ 1068).
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: “مَرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ عليه ثوبان أحمران، فسلَّم عليه، فلم يَرُدَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم”؛ رواه الترمذي برقم 2731، وأبو داود برقم 3574. وعن ابن عمر “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفَدَّم”؛ رواه الإمام أحمد وابن ماجه 3591.
والمفَدَّم: هو المشبع بالعصفر، وفي حاشية السندي على سنن النسائي: المفَدَّم: المشبع بالحمرة.
قال ابن حجر في الفتح: والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه لبس الكفار، فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء “وهي من مراكب العجم من ديباج وحرير”؛ يعني: لا يجوز لبس الأحمر تشبهًا بالكفار إذا اختص بهم، وإن كان من أجل أنه زي النساء، فهو راجع إلى الزجر عن التشبُّه بالنساء؛ فيكون النهي عنه لا لذاته، وإن كان من أجل الشهرة، أو خرم المروءة، فيمنع حيث وقع ذلك، وإلا فيقوى ما ذهب إليه مالك من التفرقة بين المحافل والبيوت؛ فتح الباري 10/ 378.
رابعًا: النهي عن المعصفر والمزعفر خاص بالرجال:
عن عمر أنه كان إذا رأى على الرجل ثوبًا معصفرًا جذبه وقال: “دعوا هذا للنساء”؛ أخرجه الطبري.
قال ابن عبدالبر في “التمهيد” (16/ 123): “وأما النساء فإن العلماء لا يختلفون في جواز لباسهن المعصفر المُفَدَّمَ والمُوَرَّدَ والمُمَشَّقَ…”. المُفَدَّم: المُشبع حُمرةً، والمُورَّد: دونه في الحمرة، وأما الممشق فطين أحمر يصبغ به”.
خامسًا: استحباب اللباس الأبيض:
في الموسوعة الفقهية (6/ 132-136): “اتَّفق الفقهاء على استحباب لبس ما كان أبيض اللَّون من الثِّياب، ومستند ذلك حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الْبسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم”؛ رواه أبو داود والترمذي، وصحَّحه الألباني في أحكام الجنائز (ص82).