اعلم أيها المغرور أن النذور لا تغير المقدور (خطبة)


اعلم أيها المغرور أنَّ النذور لا تغيِّرُ المقدور

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

 

قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [البقرة: 270]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ [الإنسان: 7].

 

كثير منا مَن ينذر، فيقع في أخطاء، وكثير منا من هو مغرور بالنذور، فاعلم يا أيها المغرور أن النذور لا تغير المقدور، لا والله، انْذِرْ كما شئت، وقدرُ الله كائن لا محالة، ذلك كما سنعلم في خطبتنا هذه أنواع النذور، واحذر أن تكون من النوع المغرور.

 

فالنذر عبادة من العبادات، ولا تكون إلا لله وحده لا شريك له، وهي طاعة من الطاعات، لكن عقد النذر مكروه، وأن تنشئ نذرًا محذور، والنذر هو أن تلزم نفسك بما هو مباح وما ليس واجبًا عليك شرعًا؛ يعني توجب على نفسك ما ليس بواجب.

 

أما إذا قلت: (لله عليَّ أن أصوم رمضان)، أنت ملزم به؛ لأن هذا أمر شرعي، أو: (لله عليَّ أن أصلي الصلوات الخمس)، لا يسمى هذا نذرًا، سواء نذرت أم لم تنذر، هذا مفروض من الله ليس منك أنت، كأن قولك هذا يكون عبثًا.

 

وكذلك إن نذرت أن تترك محرمًا، وهذا يحدث مع كثير من الشباب، فينذر أن يترك محرمًا، فلم تنذر على نفسك، ولـم تلزم نفسك بشيء ما ألزمك الله به، واستمعوا إلى ما يسأل الشباب عنه:

يحلف يمينًا أو يعاهد الله، أو يقول: نذرًا لله عليَّ أن أترك شرب الدخان.

أو نذرًا لله عليَّ أن أترك الاستمناء.

أو نذرًا لله عليَّ ألَّا أنظر إلى الفتيات والنساء.

 

هذا أصلًا لا يحتاج إلى نذر يا عبدالله، فبدلًا من أن يكون عليك محرم واحد، وإثم واحد لو وقعت فيه، صار عليك محرمان:

الأمر الأول: أن الله حرم هذا الشيء.

الأمر الثاني: أنك حرمته على نفسك بنذر أو يمين أو عهد.

 

فيا عبدالله، لا تلزم نفسك، فهذا ينشأ من الشباب الصالح، إذا وقع في مفسدة كشرب الدخان ونحوه، ويريد أن يتخلص منه، فيلزم نفسه بالنذر.

 

يا أخي، ألزم نفسك بأشياء أخرى، ابتعد عن النذور؛ لأن النذر مكروه، كما سيأتي وكما سنعلم.

 

وبعضهم يعاهد الله ألَّا يتصفح المواقع المشبوهة، أو الإباحية، أو نحو ذلك، ويبتغي بذلك أن يـمنع نفسه من اقترافها مرة أخرى.

 

والمشكلة أنه يعود، وقد تسبب له هذا الأمر بالأسى والحزن، سبب له هذا الأمر أنه عاد إلى ما حرمه على نفسه وهو أصلًا محرم، تسبَّب له بالوسواس، نسأل الله السلامة.

 

المحرم ابتعد عنه دون نذور، دون عهود، دون أيمان، يعود لِما حرمه على نفسه بسبب رفقاء السوء، يرجع مرة أخرى، أو بسبب النفس الأمارة بالسوء، فيا ليته لم يحلف ويا ليته لم يعاهد ويا ليته لم ينذر.

 

يا ليته حاول منع نفسه بغير ذلك؛ كأن يعاقب نفسه على كل مخالفة بدينار مثلًا، أو بصلاة ركعتين أو أكثر، إن فعل كذا وكذا، هو بينه وبين نفسه، بعد أن يقع في المشكلة يقوم يصلي ركعتين، أو يصوم يومًا أو يومين، أو يقوم الليل؛ لأن الله يقول: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].

 

لا تحتاج إلى نذور يا عبدالله، تحتاج إلى طاعات وحسنات تُذهِب تلك السيئات، دون يمين ولا عهد ولا نذر، فإن مخالفة اليمين أو العهد أو النذر فيه كفارةُ يمين، مع الإقلاع عن الذنب.

 

جاءني أحدهم من هؤلاء الشباب الطيبين، قائلًا: (أقسمت بالله ألَّا أشرب الدخان، ثم رجعت إليه، فهل هناك كفارة؟ وما هي الكفارة؟) قلت له: (فيه كفارة، وفيه منع من العودة لشرب الدخان)، والكفارة لا تعني أنك تعود، بقِيَ المحرم وارتفع عنك النذر أو اليمين أو العهد، لكن بقي عليك المحرم الأصلي، الله حرم هذا الشيء، وأنت حرمته على نفسك، فلماذا تعود إليه يا عبدالله؟

 

أما إذا ألزمت نفسك بشيء من النوافل، والطاعات، والحسنات، من الإحسان والبر والخيرات، فإنه يلزمك الوفاء به، فإذا قلت مثلًا:

(لله عليَّ أن أصوم في هذا الشهر ثلاثًا)؛ يعني ثلاثة أيام، أصبح لازمًا لك، أو تقول:

(لله عليَّ أن أعتكف في هذا المسجد غدًا)، فإنه يلزمك أن تعتكف فيه، إلا أنه يجوز أن تعتكف في مسجد آخر؛ لأن المساجد كلها لله، وهذا من التيسير على الأمة، أنت تعسر على نفسك، والله ييسر عليك، أو قلت:

(لله عليَّ أن أصلي في هذا اليوم عشر ركعات تطوعًا)، أو قلت:

(لله عليَّ أن أتصدق في هذا اليوم بمائة على المساكين)، هذا يعتبر نذرًا ويجب عليك الوفاء به؛ إلا في حال العجز، فتكفِّر كفارة يمين.

 

فعقدُ النذر وإنشاؤه مكروه، لماذا هو مكروه؟ مكروه إذا كان مشروطًا، إن أردت بالنذر حصول نفع أو دفع ضرر؛ لأنه لا يكون ولا يحصل إلا ما قدره الله، جلب النفع ودفع الضر لا يكون إلا بقدر الله.

 

وليس النذر هو الذي يبعد عنك هذا الضر، أو يجلب لك ذاك النفع؛ ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، فقال:

((لا تنذروا؛ فإن النذر لا يغني من القدر شيئًا، وإنما يُستخرج به من البخيل))؛ [(خ) (6609)، (م) 5 – (1640) واللفظ له]، وفي رواية لمسلم: ((إنه – أي: النذر – لا يأتي بخير، وإنما يُستخرج به من البخيل))؛ [(م) 4 – (1639)].

 

يعني: إنه لا يغير القدر، فيا أيها المغرور اعلم أن النذور لا تغير من المقدور، ولا يغير شيئًا مما في علم الله تعالى، ولا يقرب البعيد، ولا يبعد القريب، بل المكتوب حاصل، فالذي يقول مثلًا وهذه نسمعها كثيرًا:

(لله عليَّ إذا شفيت من هذا المرض أن أتصدق بمائة، أو بألف)، يقال: تصدق ولا تنذر، لماذا؟ المريض الآن في المستشفى نائم، أو في بيته على السرير لا يتحرك، لماذا لا يتصدق الآن بدون أن يقول: (لئن شفيت لله عليَّ)، لمَ ينتظر؟ فكما يقول المثل: (اللُّقَم تُزيل النِّقم)؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والآفات والهلكات…))، [(طس) (6086)، صحيح الجامع: (3795)، (3796)، الصحيحة: (1908)].

 

فأنت في كرب وشدة، لا تنتظر حتى تشفى ثم تفعل، أنت بخيل في هذه اللحظة، تريد أن تجعل لله شرطًا؛ إن فعلت يا رب، أنا أفعل، لا يا أخي أنت عبدٌ لله، افعل الآن وتوكل على الله، اترك الأمر لله سبحانه وتعالى.

 

يا عباد الله، الشفاء وإن كان مقصودًا، فليس نذرك هو الذي يصير سببًا في شفائك، أو قال مثلًا:

(لله عليَّ إن نجحت) وهو غير متأمل النجاح (أن أتصدق بمائة مثلًا)، أو (أن أصوم يومًا)، أو نحو ذلك، بل وأنت تدرس للامتحان تصدَّق وصُمْ، قدِّم الصدقات قبل النتائج، فلا تكن بخيلًا.

 

فـليس النذر هو الذي سبب نجاحك، النجاح له أسباب غير النذر، وما أشبه ذلك، وكم ممن لم ينذروا ونجحوا! وكم من مرضى لم ينذروا وشفوا! أين أنت؟

 

النذر لا يأتي بخير، بل يُستخرج من البخيل، وهذا معنى قوله: ((يُستخرج به من البخيل))، كأنه كان بخيلًا، ولولا أنه نذر ما صام، ولا تصدق، ولا أعطى، أما المؤمن يعطي ويترك النتائج لله عز وجل.

 

فإذا عقدت نذرك على برٍّ وخير وإحسان، وجب عليك الوفاء به، كأن تنذر صيام يوم أو يومين أو ثلاثة، فيجب الوفاء به، أو أن تتصدق بمائة دينار أو تنذر أن تتصدق بقطعة أرض مثلًا، أو بذبح ذبيحة، فيجب الوفاء به لله تقدمه، هذا إذا كان غير مشروط فليس فيه كراهة، أما إذا كان مشروطًا هنا فيه الكراهة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصِه))، [(خ) (6696)، (ت) (1526)، (س) (3807)، (د) (3289)، (حم) (24075)]، هذا حكم النذر في البر والإحسان.

 

أما إذا كان النذر على مباح، نذرت شيئًا مباحًا، إذا حصل له شيء مباح، أو نذرت شيئًا جاريًا مجرى اليمين؛ كنذر اللجاج، وهذه أكثر ما تحدث في الأسر بين العائلة نفسها كما سنعلم، فيسميه العلماء نذر اللجاج، ونذر الغضب، ففيه الكفارة، ونذر المباح، كأن تقول:

(لله عليَّ إن نجحت)؛ وهذا شيء مباح (أن أشتري ثوبًا بمائة مثلًا)، وشراء الثوب مباح أيضًا، أو تقول:

(إن نجحت أن أستأجر بيتًا بعشرين ألفًا) مثلًا، أو (أن أشتري سيارةً بثلاثين ألفًا)، وكذلك لو قلت:

(إن ربحت في هذه التجارة؛ فلله عليَّ ألَّا آكل إلا لحم سمك) مثلًا، والله تسمع أشياء عجيبة جدًّا من الناس، أو (ألا آكل اللحم إلا مشويًّا)، يحرم نفسه من أمور معينة؛ لأنه يريد أن يتحقق له شيء معين.

 

أو (إن تزوجت بالفتاة الفلانية بنت فلان)، وهو مستبعد أن يتزوج بها، (فلله عليَّ أن أسكن معها في أحسن فندق مثلًا بوسط المدينة)، أو (إذا حصلت على وظيفة فأول راتب سأذهب مع أسرتي في رحلة إلى الخارج)، نذر بشيء مباح على شيء مباح أو نحو ذلك، هذا يعتبر كما قال عنه العلماء نذرًا مباحًا، له الخيار؛ إما أن تفعله، ولا شيء عليك، ولا شيء لك في الثواب، وإما أن تكفر كفارة يمين، ويترك هذا النذر المباح.

 

وهناك ما يسمى نذر اللجاج والغضب، وهو مثلًا أن يحصل بينك وبين أهلك خصومة؛ بينك وبين امرأتك، أو بينك وبين أبويك، أو نحو ذلك، فتقول مثلًا من شدة الغضب، وهذه أسئلة جاءتنا مرارًا، وتأتي لدار الإفتاء أكثر من ذلك، منها: من شدة الغضب يقول:

(إن ركبت هذه السيارة، فعليَّ مائة) مثلًا، أو (نذرًا لله عليَّ ألَّا أركب سيارة فلان)، ويريد أن يركبها، أو (إن دخلت هذا البيت – من شدة الخصومة – فعليَّ صيام الدهر)، فهل سيصوم العمر كله؟ كذاب.

 

هو من شدة الغضب قال هذا الكلام، أو نحو ذلك، فاتقوا الله في كلامكم يا عباد الله؛ لأنه بهذا الكلام ما قصد البر والإحسان، لم يُرِدْ وجه الله، لم يرد الحسنات أثناء الغضب، ولا قصد الطاعة، ولكن من شدة الغضب، ومن شدة الحقد على الذين خاصموه، فيكفيه كفارة يمين، هذا نذر اللجاج والغضب.

 

ولا يجوز له الوفاء به، لا تفِي في مسألة الغضب، كإنسان حلف أن يضرب زوجته ألف عصًا مثلًا؛ قال صلى الله عليه وسلم:

((والله لأن يَلِجَ أحدكم بيمينه في أهله، آثَمُ له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه))؛ [(خ) (6625)، (م) 26 – (1655)] يلج في يمينه؛ يعني يستمر فيه، فلو حلف أن يضرب زوجته أو ولده، فينفذ يمينه، ويضرب أهله، هذا آثم عند الله من أن يحنث في يمينه ولا يضرب، ويدفع الكفارة، الكفارة ترفع عنه الإثم إن شاء الله، ولا ينفذ ما حلف عليه أثناء الغضب؛ قال النووي: “معنى الحديث: أن من حلف يمينًا تتعلق بأهله، بحيث يتضررون بعدم حنثه فيه، فينبغي أن يحنث، فيفعل ذلك الشيء، ويكفر عن يمينه، فإن قال: لا أحنث، بل أتورع عن ارتكاب الحنث خشية الإثم، فهو مخطئ بهذا القول، بل استمراره على عدم الحنث، وإقامة الضرر لأهله أكثر إثمًا من الحنث، ولا بد من تنزيله على ما إذا كان الحنث لا معصية فيه”.

 

كذلك نذر المعصية، لا يجوز الوفاء به، واحد ينذر أن يعصي الله، فبعض الناس تصدر منه هذه الأشياء، وهو محرم، فإذا قلت مثلًا وربما عندكم أمثلة أخرى غير ما سأذكر:

(لله عليَّ إن نجحت أن أشرب الخمر يوميًّا) مثلًا، والعياذ بالله عكس الأول، أو:

(أن أقتل فلانًا البريء) مثلًا، أو (أن أشرب من دم فلان)، أو (أن أتعامل بالربا مع فلان، أو فلان)، أو (إن ربحت في تجارتي فسأشرب الدخان)، أو نحو ذلك، أو (إن شفيت؛ فسأزني مثلًا بفلانة)، أو (أن أفعل فاحشة، أو أن أسب، أو أتهم الأبرياء)، أو ما أشبه ذلك، والعياذ بالله، فهذا حرام، ولا يجوز الوفاء به؛ للحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((… ومن نذر أن يعصيه فلا يعصِه))؛ [(خ) (6696)]، لا تعصِ الله عز وجل، أخرج كفارة يمين إذا لم توفِّ به، ويحرم الوفاء به للمعصية.

 

أما إذا أراد به اللجاج والغضب، ففعله، فلا كفارة عليه، لكن عليه الكفارة إن تركه.

 

وكذلك نذر المباح، إن وفى بما نذره، فلا شيء عليه، وإلا فعليه الكفارة.

 

وأما المعصية، فحرام الوفاء به، لا يجوز لإنسان أن يفي بما نذر من المعصية وعليه الكفارة؛ [بتصرف من منهاج السالكين للسعدي].

 

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((النذر نذران؛ فما كان من نذر في طاعة الله، فذلك لله، وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية الله، فذلك للشيطان ولا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين))؛ [(س) (3845)، (هق) (19858)، (قط) (ج4 ص158 ح1)، وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث: (2590)، والصحيحة: (479)].

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين))؛ [(ت) (1524)، (س) (3836)، (د) (3290)، (حم) (19985)، وصححه الألباني في الإرواء: (2590)].

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:

بعض الناس ينذر ثم يموت ولا يفي بالنذر، فـيجوز الـوفاء بـالنذر عن الآخرين؛ حتى يرفع الإثم عمن مات وعليه النذر كالصوم مثلًا، أمك نذرت أن تصوم، فماتت قبل أن تنفذه، فيجوز لمن خلفها أن يصوم عنها، فلو كانت نذرت صوم ثلاثة أيام، ولها ثلاثة أولاد فصيام يوم واحد من الثلاثة يجزئهم، وهكذا على العدد؛ لأن كل واحد يحسب أنه يوم مستقل، ولو واحد صام ثلاثة أيام جاز إن شاء الله.

 

وهذا من باب البر؛ سواء كانت أمًّا، أو كانت أختًا، أو حتى كان صديقًا أو نحو ذلك، علمت عنه أن عليه نذرًا، ومن حبك له تريد أن ترفع عنه التبعة هناك في البرزخ؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟)) ما قال لها صلى الله عليه وسلم: نعم، في هذا الحديث، ولا قال: لا، ولكنه سألها سؤالًا أخذ الجواب منها لتقتنع هي به، فقال: ((أرأيتِ لو كان على أمكِ دين))؛ دين للناس ((فقضيتِه؛ أكان يؤدي ذلك عنها؟))، قضيتِ الدين عن أمكِ للناس ممكن؟ ((قالت: نعم، قال: فصومي عن أمكِ))؛ [(م) 156- (1148)، (د) (3308)، (ن) (2929)، (حم) (1970)].

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: إن أختي قد نذرت أن تحج، وإنها ماتت – أي: قبل أن تحج – فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

(لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟))، هل تقضي الدين عن أختك؟ أنا أعلم من هذه الأحاديث هذه العبادات وهذه النذور ديون علينا لمن؟ لله رب العالمين، فإذا أوجبنا شيئًا على أنفسنا؛ هذا دين تدايناه لله، لا بد من قضائه في الدنيا بأنفسنا، أو في الآخرة يقضيه عنا من بعدنا من الورثة، لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ ((قال: نعم، قال: ((فاقضِ دَين الله، فهو أحق بالقضاء))؛ [(خ) (6699)].

 

وفي الختام؛ ألَا واعلموا أن النذر – كما قلنا – عبادة وطاعة لا تجوز إلا لله سبحانه وتعالى يُكره إنشاؤها، ويجب الوفاء بها بعد عقدها، وعليه؛ فكما لا تجوز العبادة لغير الله، فلا يجوز النذر لغير الله سبحانه وتعالى، فتحرُم النذور للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو لأضرحة الصالحين، أو لقبور الأولياء رحمهم الله، لا للأموات ولا للأحياء.

 

وإنما النذر يكون للحي الذي لا يموت، للحي القيوم سبحانه وتعالى، لماذا أنتم توحدون الله، وتقولون: لا إله إلا الله؟ يعني: لا نتعبد بأي عبادة إلا لله عز وجل، ولا نتوجه بها إلا له سبحانه وتعالى؛ قال سبحانه: ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ﴾ [الحج: 29] في مكة المكرمة أثناء الحج والعمرة، ﴿ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 29].

 

هذه كلها عبادات، فلا يجوز الطواف بغير البيت الحرام؛ لا بقبر ولا بمقام ولا بضريح، والنذور كذلك كالطواف عبادة لا تجوز إلا لله سبحانه وتعالى.

 

فعلينا أن نصحح توحيدنا، وأن نصحح عقائدنا تجاه الله عز وجل، وإذا تعاملنا مع الله فأخطأنا، فالله قد أوجد لنا السبل حتى نتخلص من هذا عاقبة هذا الخطأ؛ بتوبة واستغفار، وكفارة بحسنات ماحيات للسيئات، فإنه رب رحيم وغفور، يقبل التوبة عن عباده، فصلوا على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، فقد صلى الله عليه في كتابه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

 

اللهم لا تَدَعْ لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا إلا رددته إلى أهله سالمًا غانمًا يا رب العالمين.

 

اللهم كن معنا ولا تكن علينا، اللهم أيِّدنا ولا تخذلنا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم وحِّد صفوفنا، اللهم ألِّف بين قلوبنا، اللهم أزِلْ الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
السلام عنوان وشعار الإسلام (خطبة)
نجاة أهل العصر في سورة العصر (خطبة)