الأعين التي لا تمسها النار


الأعين التي لا تمسها النار

عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: ‌‌«مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ فَأَدْعُو لَهُ بِدُعَاءٍ يُصِيبُ بِهِ فَضْلًا؟»، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: «مِمَّنْ أَنْتَ؟»، قَالَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، فَدَنَا فَأَخَذَ بِبَعْضِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ بِالدُّعَاءِ، فَلَمَّا سَمِعْتُ مَا يَدْعُو بِهِ، قُلْتُ: أَنَا رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسَأَلَنِي كَمَا سَأَلَهُ، وَدَعَا لِي بِدُونِ مَا دَعَا لِلْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ: “‌حُرِّمَتِ ‌النَّارُ ‌عَلَى ‌عَيْنٍ ‌سَهِرَتْ ‌فِي ‌سَبِيلِ اللَّهِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ – وَقَالَ: الثَّالِثَةَ فَأُنْسِيتُهَا، قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ – حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، أَوْ عَيْنٍ فُقِئَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”[1].

 

دروس وعبر:

هذا الحديث فيه فضل المجاهدين، وفضل من بكى من خشية الله، فعينان لا تمسهما النار: عين بكت في سبيل الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله، فالعيون الحارسة في سبيل الله مقيمة على الثبور، تحرس الحدود، وتدافع عن الدين، ثم عن الأمة والبلاد، وهم مجاهدون لا تمسهم النار؛ لأنهم بذلوها في سبيل الله، وسخَّروا كلَّ حواسهم في سبيل الله، فهم مرابطون ثابتون مغيظون للأعداء، يدافعون عن الدين، ثم عن البلاد والأمة، هؤلاء لا تمسهم النار.

 

وعين بكت من خشية النار؛ أي بكت من تدبُّر القرآن وذكر القرآن ومعانيه؛ يقول صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)، كان في خلوته تأمَّل وذكر نِعم الله عز وجل وفضلَه وإحسانه، وذَكر عقوبته وانتقامه، فحمله ذكرُ وترهيبه وترغيبه على خشيته من الله، خشي باكيًا لله في موضع لا يراه أحد، إنما هو منفرد بنفسه؛ مما يدل على أن هذا بكاء شرعي، لا تصنُّع، ولا هو لأجل الرياء والسمعة.

 

وقال عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما -: لأن أبيت حارسًا خائفًا في سبيل الله – عز وجل – أحب إلي من أن أتصدق بمائة راحلة.

 

حراسة ليلة في موضع يخاف على نفسه أفضل من ليلة القدر:

روى البيهقي والحاكم عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ‌حَارِسٌ ‌حَرَسَ ‌فِي ‌أَرْضِ ‌خَوْفٍ لَعَلَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ»[2].

 

أخرج ابن عساكر عن أرطأة بن المنذر أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال لجلسائه: أي الناس أعظم أجرًا؟ فجعلوا يذكرون له الصوم والصلاة، ويقولون: فلان وفلان بعد أمير المؤمنين، فقال: ألا أُخبركم بأعظم الناس أجرًا؟ ممن ذكرتم ومن أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى، قال: رويجل بالشام آخذ بلجام فرسه يكلأ ويحرس من وراء بيضة المسلمين لا يدري: أسبع يفترسه؟ أم هامة تلدغه؟ أم عدو يغشاه؟ فهذا أعظم أجرًا ممن ذكرتم ومن أمير المؤمنين…!![3].


[1] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ح 19550 التاريخ الكبير – (ج 4 / ص 264).

[2] «صحيح الترغيب والترهيب» (2/ 72)

[3] أخرجه ابن عساكر (1 /283) .





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
تحميل كتاب نضال المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية pdf
تحميل كتاب نضال المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية pdf