الأم
الأم
وايم الله لا أدري أنَّى لليَراعة أن تخُطَّ عنها، والحديث عنها لا توفيه المحابر، ولا تتسع له الدفاتر؟! وحُقَّ للقلم أن يكبو، وللقرطاس أن يضيق!
الحديث عن الأم حديثٌ ذو شجون، يقُضُّ المضاجع، ويستمطر المدامع، وتنوء بحمله المسامع.
الأم كلمة حانية رَقْراقة تستنزل الرَّحَمات، وتستجلب البَسَمات، وتجعل من ضيق الفضاء متسعًا، ومن فاجعة الخطوب بردًا وسلامًا، أو ما تذكر كيف كنت تصنع عندما تدلهمُّ بك الخطوب، وتضيق بك الأرض على سَعَتِها؟! ألم تكُ ترتمي في أحضانها فتجد في دفء حضنها متسعًا لك عن ضيق الدنيا، وتجد من الحنان ما يستبدل حزنك فرحًا، وخوفك أمنًا، واضطرابك سَكِينة، وقلقك لذةً وسرورًا؟!
أو ما تذكر عندما كنت تُوعَك في فراش مرضك، كيف كانت تمشي على شوك السُّهد، لا تهنأ بعيش، ولا تكتحل عيناها بوَسَنٍ، تتمنى أن لو تفتديك بنفسها؟!
أو ما تذكر عندما كنت تزُفُّ إليها بشرى نجاحك، كيف كانت تتلألأ على وجهها سحائبُ البِشْرِ، وأفانين السعادة؟!
أو ما تذكر كيف كانت تفرح لفرحك، وتحزن لحزنك، تجوع حتى تشبع، وتظمأ حتى تَروى، وتخيط من سويداء قلبها رداءَ حبٍّ يَحُوطك في حِلِّك وتَرْحالك، في نومك ويقظتك، في حُبُورك وعُبُوسك، في انبساطك وعزلتك، في رضاك وسخطك؟!
إنها الأم؛ نهرٌ من الوفاء، لم تَزَلْ أمواجه هادرة، وسيل من العطاء، لم تزل دَفَقاته زاخرة.
جمعت بين جوانحها من المعاني أسماها، ومن المناقب والألقاب أعلاها.
إنها الأم مهبِط الرحمة، ومنبع الحنان، وموطن الإيثار.