الإيجابية ليست أحلاما وردية
الإيجابية ليست أحلامًا وردية
الإيجابية:
الإيجابية: هي طاقة تكمن بداخلك، تدفعك نحو الطريق الصحيح، وتصل بك للنجاح والتفوق، تمكِّنك من حل المشكلات من خلال عبارات التحفيز التي تذلل العقبات، وتفعل المستحيل.
الإيجابية: هي الطاقة التي تشحذ الهمة، والعزيمة التي تبلغ القمة، والإقدام الذي يذكي الطموح، ويبعث النجاح، وبالتالي تدفع إلى البذل والعمل، وانتهاز الفرص، ودراسة الواقع، واستثمار الوقت، وتحمل معاني التجاوب، والتفاعل، والعطاء.
الشخص الإيجابي: هو الفرد، الحي، المتحرك، الناشط، المتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه.
الإيجابية: تعني أن يكون المسلم نبعًا من العطاء، قويًّا في البناء، ثابتًا عند اللقاء، حافظًا للوفاء، لا ييأس حين يقنط الناس، ولا يفتر حين يعمل البشر، يصنع من الظلمة ضياءً، ومن الشمعة نورًا، ومن الحزن سرورًا، ومن اليأس حبورًا، ومن الغياب حضورًا، متفائلًا في حياته، شاكرًا في نعمائه، صابرًا في ضرائه، قانعًا بعطائه.
الإيجابية هي الحياة، هي الاستجابة والتلبية، هي المبادرة إلى الخير، والمسارعة إليه، والمسلمون عندما لبَّوا النداء، وتجاوبوا مع وحي السماء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]، عندما تفاعلت الأمة مع هذا النداء، وغيره من كتاب الله الذي هو منهج حياة، تربع على عروشها أصفاهم قلبًا، وأزكاهم نفسًا، وأطهرهم ضميرًا، وأنضجهم عقلًا، قادهم أتقاهم لله، وأرحمهم بعباد الله، وأحرصهم على حق الله، وأحفظهم لحدود الله، وأعلمهم بالحلال والحرام.
نماذج إيجابية:
الإيجابية تجدها عند موسى عليه السلام لما علم أن هناك رجلًا أعلم منه، رغب في الأخذ عنه، والاستفادة منه؛ قال لخادمه: ﴿ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60].
ولما دُعِيَ لملاقاة ربه، مضى لفوره: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].
ولما خرج موسى إلى مدين، وجد عليه أمة من الناس يسقون، ووجد من دونهما امرأتين تذودان؛ أي: تحبسان أغنامهما، فسألهما: ما خطبكما؟ قالتا: لا نسقي حتي يصدر الرِّعاء، فكان إيجابيًّا – رغم تعبه وجوعه – سقى لهما، ثم تولى إلى ظل شجرة، فقال: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24].
الإيجابية تجدها عند إبراهيم عليه السلام لما حطم الأصنام التي تُعبَد من دون الله: ﴿ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 59 – 61].
كان وحده مع زوجته يعبد الله في الأرض قال لسارة مرة:((ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيركِ))؛[البخاري ومسلم].
الإيجابية تجدها في قصة الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى؛ ﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [القصص: 20]، كم من الجهد بذل! وكم من الثمن دفع! وكم من المسافة قطع؛ لإنقاذ حامل الحق! إنه الإيمان بالفطرة، والحفاظ على الدعوة وتأمين طريقها.
الإيجابية تجدها في مؤمن آل ياسين: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 20 – 22].
حتى لما دخل الجنة كان إيجابيًّا: ﴿ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس: 26، 27].
الإيجابية تجدها في قصة الملك والساحر والغلام، كان الغلام إيجابيًّا: (بسم الله رب الغلام)، في دعوة الناس إلى الخير، وكانت ثمرة الإيجابية إيمان أهل القرية، وثباتهم على الحق والإيمان، ضد الظلم والطغيان.
الإيجابية تجدها عند هدهد سليمان، تفقَّد سليمان الطير؛ ﴿ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴾ [النمل: 20]، رد الهدهد: ﴿ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾ [النمل: 22]، رغم بُعْد الطريق، وطول المسافة، استطاع الهدهد أن يأتي بتقرير لسليمان، كان على أثره دخول مملكة سبأ وقومها في دين الله؛ حتى قالت الملكة: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44].
الإيجابية تجدها عند نملة كانت تحذر قومها من الأخطار المحدقة بهم، فأمرت وحذرت واعتذرت لسليمان وجنوده بعدم الشعور، وخاطبت قومها بالقول السديد، والرأي الرشيد: ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 18].
الإيجابية تجدها عند أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وهي تشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته، فتؤمن به حين كفر به الناس، وتعطيه حين حرمه الناس، وتواسيه حينما تخلى عنه الناس، عندما قص عليها ما رآه في غار حراء، تعيش بجوارحها كلها معه، وتطمئنه، وتهدئ من روعه، وتبشره وتسعده: ((والله، لن يخزيك الله أبدًا، إنك لَتحمِل الكَلَّ، وتَقري الضيف، وتَكسِب المعدوم، وتُعين على نوائب الحق)).
الإيجابية تجدها عند أبي بكر رضي الله عنه عندما يأتي بماله كله، ويضعه في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما يسأله: ((ماذا تركت لأولادك؟ يقول: تركت لهم الله ورسوله)).
وعند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم طمْأَنَ القلوب المضطربة، وثبَّت النفوس المترددة؛ فقال: “من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت؛ ثم تلا قول الله: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].
وعندما أنفذ بعث أسامة قائلًا: “والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة، كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبقَ غيري في القرى لأنفذته”.
وعندما حارب المرتدين ومانعي الزكاة قائلًا: “أينقُص الدين وأنا حيٌّ؟ والله لو منعوني عقال بعير، لجالدتهم عليه”.
الإيجابية تجدها عند الفاروق عمر رضي الله عنه؛ حيث لُقِّب بالفاروق؛ لأنه بعد إسلامه قال: ((يا رسول الله، ألسنا على الحق، إن متنا وإن حيينا؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق، إن متم وإن حييتم، قال: ففيمَ الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في صفين، عمر في أحدهما، وحمزة في الآخر، ولهم ككديد الطحين، ونظرت قريش إلى عمر وحمزة، فأصابتهم كآبة لم تُصِبْهم قبل ذلك قط))؛ ومن هنا سمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق.
الإيجابية تجدها عند الحباب بن المنذر حين اقترح تغوير ما وراء الآبار (تخريبه)، ثم بناء حوض يُملأ بالماء، فيشرب المسلمون، ولا يشرب الأعداء.
الإيجابية تجدها عند المقداد رضي الله عنه لما يقول: ((يا رسول الله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فسُرَّ رسول الله، وأشرق وجهه)).
الإيجابية تجدها في الخندق عندما أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق، فكان سببًا في نصر الإسلام والمسلمين؛ حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سلمان منا أهل البيت)).
الإيجابية تجدها عند غلامين صغيرين حضرا موقعة بدر؛ معاذ ومعوذ ابني عمرو بن الجموح في مقدمة صفوف المجاهدين، يسألان عبدالرحمن بن عوف: أين أبو جهل؟ قال لهما: لماذا؟ قال أحدهم: سمعت أنه يسب رسول الله، لقد عاهدت الله ألَّا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، رأى ابن عوف أبا جهل على فرسه رافعًا رأسه يشجع المشركين، وهو يصرخ: اعْلُ هُبَلُ، فصاح ابن عوف: يا معاذ يا معوذ، ها هو أبو جهل عدو الله وعدو رسوله وعدوكما، وما إن سمع معاذ ومعوذ مقالة ابن عوف، حتى هجما على أبي جهل، وببسالة وشجاعة أنزلاه عن فرسه، وأوقعاه أرضًا، وجلسا على صدره وقتلاه.
الإيجابية في فلسطين الأبية:
الإيجابية تجدها عند جند فلسطين، الذين تحرروا من ملذات الحياة، وثقلة الأرض، وراحوا يدافعون عن الأرض والعِرض، عن المقدسات بكل ما أُوتوا من قوة ومن رباط الخيل، إنهم يُؤثِرون أرضهم وديارهم ومقدساتهم على دمائهم وأبنائهم وأموالهم، إنهم يُرهبون عدوهم رغم بساطة عُدَّتِهم وعددهم وعتادهم، كأنهم يعيدون لنا ذكرى بدر وحطين وعين جالوت، هم وحدهم أمام طغاة الغرب والعرب والعجم، رغم الحصار والنار، لله دَرُّهم، وعلى الله تكلانهم، وبالله قوتهم ورميهم.
إنهم ليسوا من السلبيين المتخاذلين الفاسقين؛ الذين تعنيهم هذه الآية: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].
إنهم يتشبَّثون بالحق الذي قامت عليه السماوات والأرض، فلا يسمعون إلا نبأه، ولا يصحبون إلا أهله، ولا يخضعون إلا لمنطقته، ولا يمضون إلا في طريقه، ولا يزالون كذلك، حتى يلقَوا ربهم سبحانه، وهناك في الجنة يسمعون منه هذا القول: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119].
إنها الإيجابية في أبهى صورها، والعزة في أشمل معانيها، وعلى دعاة اليوم أن يستجيبوا لمطالب دينهم، ويعتزوا بإسلامهم، ويباهوا بعقيدتهم، ويفاخروا بدعوتهم.
الإيجابية حتى الرمق الأخير: قال صلى الله عليه وسلم: ((إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألَّا تقوم حتى يغرسها، فَلْيَغْرِسْها))؛ [مسند أحمد، صحيح الجامع].
فكونوا إيجابيين متفاعلين غير مقلدين؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تكونوا إِمَّعةً، تقولون: إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تُحْسِنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا)).
كيف تكون إيجابيًّا؟
إذا أردت أن تتحلى بهذا الخُلق الإسلامي، فعليك بالآتي: إصلاح النية، والتحصن بالعلم النافع، والاستعاذة بالله تعالى من الكسل، الإيجابي واثق من نفسه، فلا إيجابية صادرة من شخص مائع مهزوز، الإيجابي محب الاقتحام والمغامرة والمبادرة، فهو الشخص المبادر الذي يقتحم صفوف الباطل، وأسوار الواقع المظلم، كصاحب النقب، وإذا أردت أن تكون إيجابيًّا، فاحذر أن تكون من الفئة التي سماها الله “بالمعوِّقين”؛ فقال: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 18].
السلبية المهلكة:
السلبية تؤدي إلى الهلاك؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء، مَرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجَوا، ونجَوا جميعًا))؛ [صحيح البخاري].
عندما تتمكن السلبية من قلوب البشر، يتربع على عروشهم المجرمون الذين لا يعرفون ربًّا، ولا ينصرون حقًّا، ولا يحفظون حدًّا، ولا يقيمون فرضًا، ولا ينفذون وعدًا، ولا يراعون عهدًا، ومن ثم لا ترتفع لهم راية، ولا ينتصر بهم دين، ولا تتحقق لهم غاية، والحال الآن أبلغ من المقال.
إن الكسل والتماوت من أسباب الفشل والضياع، والتبلد والخمول من أسباب السقوط والفناء، أما النشاط والحركة، فهما سلالم المجد وآيات الرفعة، إن الرجل الناشط كالماء الجاري، طاهر في نفسه مطهِّر لغيره؛ يصلح نفسه ويدعو غيره، إنه كالريح المرسلة، لا يستطع الرُّقود، وإحساسه بنفسه يجعله دائمًا ملبيًا للنداء؛ كما قال طرفة بن العبد:
إذا القوم قالوا مَن فتًى خِلْتُ أنني دُعِيت فلم أكسل ولم أتبلَّدِ |
إذا غابت الإيجابية، الجار يشاهد جاره يسرق، فلا يلقي له بالًا، والأخ يرى أخاه يُقتَل، فلا يتمعَّر له وجه، والمسلم الخامل السلبي يرى دينه يُهان، فلا يتحرك له ساكن، يحدث ذلك عندما يهتم كل فرد بمصلحته الشخصية، ومنفعته الوقتية، وحياته الفانية، بعيدًا عن مصالح ومنافع وحياة المجموع؛ لذلك تلاشت الفضيلة، وانتشرت الرذيلة، كيف؟ مالٌ يُغتصب، وعِرْضٌ يُنتهك، غش في الدوائر والهيئات، خداع في المصالح والمؤسسات، نفاق في النوادي والتجمعات.
كيف ينتصر الإسلام؟
إن الإسلام لا ينتصر بأصحاب المنافع، ولا بأرباب المصالح، ولا بطلاب الدنيا، ولا بالباحثين عن الأضواء والشهرة، ولا بالمعطلين للدعوة الصادين عن سبيل الله، إنما ينتصر بالإيجابية، بالتجهز والاستعداد والإقدام، وقد حثَّ الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم منذ أول لحظة على الإيجابية: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2]، وخاطبهم من قبل ذلك بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [المزمل: 1، 2].
الإيجابية أمْسَتْ عملةً نادرة، لكنها تاج على رؤوس أولئك الذين يربطون الأرض بالسماء، ويصِلون الخَلْقَ بالخالق، ويعرفون العباد برب العباد، ويبثون النور الإلهي المتمثل في الفطرة السليمة؛ لتعود الروح من جديد في كيان هذه الأمة، التي أصبحت صريعة الأهواء والشهوات والملذات، كالذي يتخبطه الشيطان من الْمَسِّ.
فهل من الحباب بن المنذر جديد، أو المقداد، أو سلمان في عصرنا؟ هل من مؤمن آل فرعون، أو آل ياسين؟ هل من غلام يغار على دينه وعقيدته، وقِيَمِه المسلوبة، وحقوقه المنهوبة، ويقدم روحه اعتراضًا على الظلم، وصدًّا للطغيان، وفداءً للإيمان، وقربانًا للحق، وثمنًا لجنة عرضها السماوات والأرض؟
لقد وجدنا أن نملة غيرت مسار الجيش، وهدهدًا تسبب في إسلام أمة، وفيلًا رفض هدم الكعبة، وغرابًا علَّم الإنسان كيفية الدفن، فهل من مسلم جديد بدلًا من هدهد يعبد الناس لرب الناس؟ هل من مسلم جديد بدلًا من نملة يحذر المسلمين من مخاطر الطريق، ومؤامرات الأعداء، ومكر الظالمين، وخداع المنافقين؟ هل من مسلم جديد بدلًا من فيل لا ينصاع لأوامر الفسدة، وأبواق الباطل؟ هل من مسلم جديد بدلًا من غراب يواري سوءات الإجرام والفساد والنفاق، ويدفن الحقد والكراهية والضغينة التي تملكت القلوب المريضة في الأمة، التي راحت تجامل الأعداء، وتصد عن سبيل الله؟
أبطال اليوم في فلسطين وغير فلسطين، الغيورون على دينهم، المدافعون عن أوطانهم، هم مشاعل النور في أمة طال عليها الليل، وطلائع الأمل في أمة تناثر فيها القنوط، وبوادر اليقظة في أمة عمَّ فيها السُّبَات، ومصابيح الحق في أمة غاب عنها النور، وينابيع الرحمة في عالم أجدبت فيه الدنيا من رسل المودة واليقين، فلا يجوز لمسلم أن يبخل بوقته أو جهده أو ماله في سبيل دينه ووطنه.
لقد بيَّنوا للأمة أن الإيجابية ليست أحلامًا وردية، ولا منفعة وقتية، ولا مصلحة مادية، إنما الإيجابية عندهم على طول الطريق جهادٌ؛ نصر أو استشهاد.
فهل تنهض الأمة، وهي التي تملك وحدها وحي الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟