التحذير من المال الحرام
التحذير من المال الحرام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإن معرفة الحلال والحرام فرضٌ على كل مسلم بالغ عاقل، وذلك بسؤال العلماء، ليكون على بصيرة من أمور دينه حتى لا يقع في المحظور، ويخالف أحكام الشريعة الإسلامية، إن اكتساب المال الحرام له آثار خطيرة على المسلم في الدنيا ويوم القيامة؛ فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تعريف المال الحرام:
المقصود بالمال الحرام: هو المال الذي اكتسبه المسلم بطريقة نهى عنها الله تعالى في القرآن الكريم، أو نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، في سُنَّتِهِ المباركة.
وصية ربانية بالتحذير من المال الحرام:
(1) قال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].
• (الباطل): اسم جامع لكل ما لا يحل في الشرع؛ كالربا، والغصب، والسرقة، والخيانة، وكل محرَّم جاء الشرع به.
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضًا بالباطل؛ أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقِمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل”؛ [تفسير ابن كثير، ج: 2، ص: 268].
• قال الإمام الذهبي رحمه الله: “الأكل بالباطل على وجهين؛ أحدهما: أن يكون على جهة الظلم نحو الغصب والخيانة والسرقة، والثاني: على جهة الهزل واللعب كالذي يُؤخَذ في القِمار والملاهي ونحو ذلك”؛ [الكبائر، للذهبي، ص: 118].
(2) قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب، فإنما يأكلون نارًا تأجَّج في بطونهم يوم القيامة”؛ [تفسير ابن كثير، ج: 2، ص: 222].
• قال الإمام السدي رحمه الله: “إذا قام الرجل يأكل مال اليتيم ظلمًا، يُبعَث يوم القيامة ولهبُ النار يخرج من فيه، ومن مسامعه، ومن أذنيه وأنفه وعينيه، يعرفه من رآه يأكل مال اليتيم”؛ [تفسير الطبري، ج: 6، ص: 454].
(3) قال الله تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 1 – 6].
قوله تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴾ [المطففين: 1]: هو الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم في أسفلها للذين ينقصون الناس، ويبخسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوهم، أو موازينهم إذا وزنوا لهم عن الواجب لهم من الوفاء؛ [تفسير الطبري، ج: 24، ص: 185].
• قال الشيخ السعدي رحمه الله: “إذا كان هذا الوعيد للذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان، فالذي يأخذ أموالهم قهرًا أو سرقةً، أولى بهذا الوعيد من المطففين”؛ [تفسير السعدي، ص: 915].
المال الحرام يمنع إجابة الدعاء:
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمَرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذَكَرَ الرجل يطيل السفر أشعثَ أغبرَ – عليه غبار الطريق – يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنى – فكيف – يُستجاب لذلك))؛ [مسلم، حديث 1015].
نبينا صلى الله عليه وسلم يبايع الصحابة على اجتناب الحرام:
روى الشيخان عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال: ((إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: بايعناه على ألَّا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل النفس التي حرم الله، ولا ننتهب، ولا نعصي، بالجنة، إن فعلنا ذلك، فإن غَشِينا من ذلك شيئًا، كان قضاء ذلك إلى الله))؛ [البخاري، حديث: 3893، مسلم، حديث: 1709].
• قوله: (من النقباء): النقيب: رجل مسؤول عن مجموعة من الناس.
• قوله: (غشينا من ذلك شيئًا): أي: وقعنا في معصية وخالفنا العهد.
• قوله: (ولا ننتهب): أي: لا نأخذ مال أحد بغير حقٍّ.
• قوله: (قضاء ذلك إلى الله): أي: الحكم فيه لله سبحانه وتعالى.
الله تعالى سوف يسأل العبد عن مصادر المال الحرام:
روى الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة، حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه، وعن علمه فيمَ فعل، وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 1970].
لا يجوز للعامل أن يكتسب لنفسه مالًا بدون إذن صاحب العمل:
روى الشيخان عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، قال: ((استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأسد، يقال له: ابن اللُّتْبِيَّة على الصدقة، فلما قدِم قال: هذا لكم، وهذا لي، أُهْدِيَ لي، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمِد الله، وأثنى عليه، وقال: ما بال عامل أبعثه، فيقول: هذا لكم، وهذا أُهدِيَ لي، أفلا قعد في بيت أبيه، أو في بيت أمه، حتى ينظر أيُهدى إليه أم لا والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة، يحمِله على عنقه بعير له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيْعَرُ))؛ [البخاري، حديث: 6979، مسلم، حديث: 1832].
• (الرغاء): صوت الإبل.
• (الخوار): صوت البقر.
• (اليَعَار): صوت الشاة وهي تصيح.
الله تعالى لا يتقبل الصدقة من المال الحرام:
روى الترمذي عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تُقبَل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غُلُول))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 1].
• (الغُلُول): يعني: ما اكتسبه الإنسان من طريق غير مشروع، وأصل الغلول: الخيانة والغش.
عدم مبالاة بعض الناس بجمع المال من أيِّ طريق:
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ليأتِيَنَّ على الناس زمان، لا يبالي المرء بمَ أخذ المال، أمن حلال أم من حرام؟))؛ [البخاري، حديث: 2083].
• قوله: (لا يبالي المرء بمَ أخذ المال)؛ أي: لا يخطر على قلبه بمَ أخذ المال، هل هذا المال من حلال أم من حرام؟ وذلك لضعف دينه وحبه للدنيا وإيثارها، ووجه الذم أنه يتساوى عنده الأمران، وهذا من معجزاته؛ فإنه إخبار عن غيب وقد وقع؛ [التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني، ج: 9، ص: 202].
التحذير من استخدام الحُجَّة الباطلة للحصول على المال الحرام:
روى البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أنا بَشَرٌ وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألْحَنَ بحُجَّته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيتُ له من حقِّ أخيه شيئًا، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعةً من النار))؛ [البخاري، حديث: 7168].
• قوله: (ألحن بحجته): أي: يزين كلامه بحيث يظنه السامع أنه صادق في دعواه.
• قوله: (فلا يأخذه): أي: فلا يأخذه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 6، ص: 2441].
الحلف بالله كذبًا للحصول على المال الحرام:
• روى مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن قضيبًا من أراك))؛ [مسلم، حديث: 137].
• روى مسلم عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: ((جاء رجل من حَضْرَموتَ ورجل من كِندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فَلَكَ يمينه، قال: يا رسول الله، إن الرجل فاجرٌ لا يبالي على ما حَلَفَ عليه، وليس يتورَّع من شيء، فقال: ليس لك منه إلا ذلك، فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر: أمَا لَئِنْ حَلَفَ على ماله ليأكله ظلمًا، لَيَلْقَيَنَّ الله وهو عنه مُعرِض))؛ [مسلم، حديث: 139].
الله تعالى يغضب على الذي يأكل المال الحرام:
روى مسلم عن عبدالله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حَلَفَ على مال امرئ مسلم بغير حقه، لَقِيَ الله وهو عليه غضبان))؛ [مسلم، حديث: 138].
• روى أبو داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرَّاشي والْمُرْتشي))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود، للألباني، حديث: 3055].
معنى الرُّشوة:
الرِّشوة: هي ما يُعطى لإبطال حق، أو لإحقاق باطل؛ [التعريفات لعبدالقادر الجرجاني، ص: 148].
فالرَّشوة: هي كل ما يدفعه الإنسان لغيره لكي يحصل على شيء ليس من حقه.
• (الراشي): الذي يعطي الرشوة.
• (المرتشي): الذي يأخذ الرشوة.
وإنما يلحقهما العقوبة معًا إذا استويا في القصد والإرادة، فرَشَا المعطي لينال به باطلًا، ويتوصل به إلى ظلم، فأما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق، أو يدفع عن نفسه ظلمًا، فإنه غير داخل في هذا الوعيد؛ [معالم السنن، للخطابي، ج: 4، ص: 161].
اجتناب المال الحرام طريق الجنة:
روى مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: ((أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليتُ الصلوات المكتوبات، وصُمْتُ رمضان، وأحْلَلْتُ الحلال، وحرَّمت الحرام، ولم أزِدْ على ذلك شيئًا، أأدخل الجنة؟ قال: نعم، قال: والله لا أزيد على ذلك شيئًا))؛ [مسلم، حديث: 15].
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “فسَّر بعض العلماء تحليل الحلال باعتقاد حِلِّه، وتحريم الحرام باعتقاد حرمته مع اجتنابه، ويُحتمل أن يراد بتحليل الحلال إتيانه، ويكون الحلال ها هنا عبارةً عما ليس بحرام، فيدخل فيه الواجب والمستحب والمباح، ويكون المعنى أنه يفعل ما ليس بمحرم عليه، ولا يتعدى ما أُبيح له إلى غيره، ويجتنب المحرمات”؛ [جامع العلوم والحكم، لابن رجب، ج: 2، ص: 611].
الإنسان الذي يأكل الحرام لا يشبع منه:
روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يأخذ مالًا بحقه يُبارَك له فيه، ومن يأخذ مالًا بغير حقه فمَثَلُه كمَثَلِ الذي يأكل ولا يشبع))؛ [مسلم، حديث: 1052].
• قوله: (كمثل الذي يأكل ولا يشبع): معناه: أنَّ أخْذَ المال بغير حقه بأن جمعه من الحرام ومن غير احتياج إليه، ولم يُخرِج منه حقه الواجب فيه، فيكون ذلك وبالًا عليه، لا معونة له، فيصير كالداء العُضال الذي يُهلك صاحبه؛ [شرح مشكاة المصابيح، للطيبي، ج: 10، ص: 3278].
المال الحرام طريق النار:
• روى أحمد عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لكعب بن عجرة: ((يا كعبَ بنَ عُجْرة، إنه لا يدخل الجنة لحمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ، النار أولى به))؛ [حديث صحيح، مسند أحمد، ج: 22، ص: 332، حديث: 14441].
• روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أتَدْرُون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أُمَّتِي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحت عليه، ثم طُرِح في النار))؛ [مسلم، حديث: 2581].
اكتساب المال بالربا من كبائر المعاصي:
• قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].
• قال سبحانه: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276].
• قال الإمام عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 276]: “لا يُقبل منه صدقةً ولا حِجًا، ولا جهادًا ولا صلةً”؛ [تفسير القرطبي، ج: 3، ص: 362].
• قال جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279].
• روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هُنَّ؟ قال: الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))؛ [البخاري، حديث: 2766، مسلم، حديث: 89].
• روى مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الربا ومُؤكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء))؛ [مسلم، حديث: 1598].
التحذير من أخذ أموال الدولة بغير حق:
• روى البخاري عن خولة الأنصارية رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إن رجالًا يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة))؛ [البخاري، حديث: 3118].
• قوله: (يتخوضون في مال الله)؛ أي: يتصرفون في مال بيت المال أو الزكاة أو الغنيمة وغيرها، بغير إذن الإمام، ويأخذون منه أكثر من أجرة عملهم فلهم النار؛ [المفاتيح في شرح المصابيح، مظهر الدين الشيرازي، ج: 4، ص: 317].
• روى أبو داود عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنِ استعملناه على عملٍ فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غُلُول))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود، للألباني، حديث: 2550].
• قوله: (من استعملناه على عمل): أي: جعلناه مسؤولًا على عمل من أعمال الدولة.
• قوله: (فرزقناه رزقًا): أي: فأعطيناه مقدارًا معينًا من المال.
• قوله: (فهو غلول): أي: خيانة وحرام؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 6، ص: 2435].
• روى مسلم عن عدي بن عميرة الكندي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من استعملناه منكم على عمل، فكَتَمَنا مِخيطًا – إبرةً – فما فوقه، كان غُلُولًا – خيانةً – يأتي به يوم القيامة))؛ [مسلم، حديث: 1833].
أقوال السلف الصالح في الأكل بالمال الحرام:
(1) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا”؛ [مصنف عبدالرزاق، ج: 8، ص: 152، رقم: 14683].
(2) قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: “شر المكاسب كسب الربا”؛ [مصنف ابن أبي شيبة، ج: 7، ص: 106، رقم: 34552].
(3) قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: “لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام”؛ [جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، ص: 101].
(4) قال عمر بن عبدالعزيز: “ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رُزِقَ بعد ذلك خيرًا، فهو خير إلى خير”؛ [جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، ص: 159].
(5) قال قتادة بن دعامة: “اعلم يا بنَ آدم، أن قضاء القاضي لا يُحِلُّ لك حرامًا، ولا يحق لك باطلًا، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى، ويشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أنه من قد قُضِيَ له بالباطل، فإن خصومته لم تنقضِ حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على الْمُبْطِل للْمُحِق، ويأخذ مما قُضِيَ به للمبطل على المحق في الدنيا”؛ [تفسير الطبري، ج3، ص: 277].
(6) قال سفيان الثوري: “من أنفق الحرام في الطاعة، كمن طهَّر الثوب بالبول، والثوب لا يطهره إلا الماء، والذنب لا يكفِّره إلا الحلال”؛ [جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، ص: 120].
(7) قال وهب بن الورد: “لو قمت مقام هذه السارية – أي: وأنت في صلاة – لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أو حرام”؛ [جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، ص: 101].
(8) قال يوسف بن أسباط: “إن الشاب إذا تعبَّد، قال الشيطان لأعوانه: انظروا من أين مطعمه؟ فإن كان مطعمَ سوءٍ، قال: دَعُوه يتعب ويجتهد، فقد كفاكم نفسه، فإن اجتهاده مع أكل الحرام لا ينفعه”؛ [الكبائر، للذهبي، ص: 119].
(9) قال إبراهيم بن أدهم: “أطِبْ مطعمك، وما عليك ألَّا تقوم الليل ولا تصوم النهار”؛ [الزواجر للهيتمي، ج: 1، ص: 387].
(10) قال أبو يزيد الفيض: “سألت موسى بن أعين عن قول الله: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27] قال: تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافةَ أن يقعوا في الحرام، فسمَّاهم الله متقين”؛ [الورع، لابن أبي الدنيا، ص: 59، رقم: 52].
(11) قال ابن رجب الحنبلي: “إذا كان الأكل حلالًا، فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولًا؟”؛ [جامع العلوم والحكم، لابن رجب، ص: 100].
أضرار المال الحرام على حياة المسلم:
نستطيع أن نوجز أضرار اكتساب المال الحرام على المسلم في الأمور الآتية:
(1) المال الحرام سبب غضب الله تعالى على المسلم.
(2) المال الحرام سبب البعد عن الله تعالى.
(3) اكتساب المال الحرام طريق إلى النار.
(4) المال الحرام سبب حرمان إجابة الدعاء.
(5) المال الحرام يؤدي إلى كراهية الناس في الشخص وفقدان الثقة فيه.
(6) اكتساب المال عن طريق الوسائل المحرمة يؤدي إلى انتشار العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع المسلم.
(7) أكل المال الحرام يحبط ثواب الأعمال الصالحة.
(8) المال الحرام دليل على ضعف الإيمان وعدم اليقين برزق بالله تعالى.
(9) المال الحرام هو سبب ضياع الحقوق بين الناس.
(10) الأكل من المال الحرام ضار على صحة المسلم.
(11) إطعام الأولاد من المال الحرام من أسباب شقائهم وتمردهم وعصيانهم لآبائهم؛ [موسوعة نضرة النعيم، ج: 9، ص: 3979].
التوبة من المال الحرام:
التوبة الصادقة من المال الحرام تكون بإعادة المال إلى صاحبه، فإن مات أُعطِيَ المال إلى ورثته، فإن لم يجد أحدًا من الورثة، أو انقطعت أخبار صاحب المال، ولم يستطع معرفة مكانه، فإنه يتصدق بالمال بنِيَّة صاحبه، وأما إذا كان المال من الربا، فإنه يتخلص منه بإعطائه للفقراء.
وأما إذا كان المال خاصًّا بالدولة، فإنه يجب عليه إعادة المال إلى نفس الجهة الحكومية التي أخذه منها، فإذا تعذر عليه ذلك، فإنه يقوم بإنفاق هذا المال في أي جهة حكومية أخرى تابعة للدولة.
ختامًا:
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، ويجعله سبحانه في ميزان حسناتي يوم القيامة، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا العمل طلاب العلم الكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.