التحذير من هجر القرآن الكريم (خطبة)


التحذير من هجر القرآن الكريم

 

الحمد لله الذي علَّم القرآن، خلق الإنسان، علَّمه البيان، والصلاة والسلام على رسول الله الذي نزَّل عليه القرآن ليكون للعالمين نذيرًا، أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا مُنيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أنزل الكتاب على عبده ولم يجعل له عِوجًا، قيِّمًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الذي كان يرتِّل القرآن ترتيلًا.

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ * لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 18 – 21].

 

أما بعد:

فإنَّ خيرَ الكلام كلام الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة.

 

أيها المسلمون، القرآن أعظم كنز بين أيدينا، وهو خير من الدنيا وما فيها، ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 57، 58]، علينا أن نفرح بهذا القرآن العظيم الذي هو رسائلُ من الله لنا لصلاح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، أخباره صادقة، وأحكامه عادلة، وقد أمر الله عباده أن يأخذوه بقوة ونشاط، لا بضعف وكسل، ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 63] ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ؛ أي: خذوه بنشاطٍ وجِدٍّ وحزم، فعلى المسلم أن يتلو القرآن برغبة، وأن يسمعه بلهْفة، وأن يفرح بتعَلُّمه وتدبُّره والعمل به.

 

أيها المسلمون، أمَرَنا الله بالإقبال على كتابه قراءةً واستماعًا، وتعلُّمًا وتدبُّرًا، وعملًا وتحاكمًا، وذلك سببٌ لرحمة الله لنا في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: ﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 203]، وقال سبحانه: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89]، فالقرآن كتابُ هدايةٍ وحُكْم، وكلُّ ما نحتاج إليه بَيَّنه الله في القرآن العظيم نصًّا أو دَلالة أو استنباطًا، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمه، وجَهِلَه مَنْ جَهِله، وبقدر ما تتدبَّر القرآنَ تظهرُ لك هداياته، قال الله عز وجل: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 29]، ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 52]، ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [الإسراء: 12]، ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9] القرآن يهدي الناسَ لأحسن الخصال في كل الأمور، فهو هدايةٌ للأفراد والأُسَر والمجتمعات والدول، فمَنْ تَمَسَّك بالقرآن فقد اهتدى، ولا يضلُّ ولا يشقى، قال الله تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه: 123، 124].

 

أيها المسلمون، يقول الله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان: 30]، قال العلماء: هجر القرآن أنواع: فمن هجرِ القرآن هجرُ تلاوتِه وهجر استماعِه، ومن هجرِ القرآن هجرُ تعَلُّمه، ومن هجرِ القرآن هجرُ تدبرِه، ومن هجرِ القرآنِ هجرُ العملِ به، ومن هجرِ القرآن هجرُ التحاكُم إليه، ومِن هجرِ القرآنِ هجرُ التداوي به، فكل هذا من هجر القرآن، والواجب على المسلم أن يُعظِّم القرآن ويعرفَ قدرَه وبركتَه، وأن يهتم بتلاوته واستماعِه وتعَلُّمِه وتدبرِه والاستشفاءِ به، وأن يؤمن به، ويعمل بأحكامه، ويتحاكم إليه.

 

قال العلامة ابن القيم: “هجر القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجرُ العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به، والثالث: هجرُ تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، والرابع: هجرُ تدبره وتفهمه، والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان: 30]”.

 

وذكر ابن كثير في تفسيره أن مِن هجرِ القرآن اللغَطُ والكلامُ حالِ تلاوته، ومِن هجره تركُ تعَلُّمه، ومِن هجره تركُ الإيمانِ به، ومِن هجره تركُ تدبِّره، ومِن هجره تركُ العملِ به وامتثالِ أوامره واجتناب زواجرِه، ومِن هجره العدولُ عنه إلى غيره من شعرٍ أو قول أو غناءٍ أو لهوٍ.

 

أيها المسلمون، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منَّا مَنْ لم يتغنَّ بالقرآن))؛ أي: يقرؤه ويُحسِّن صوته به ما استطاع، فيجب علينا أن نُقبِل على القرآن إقبالًا صادقًا، وأن نقصد ذلك قصدًا، يجب أن نحرص على تلاوة القرآن واستماعه، ونُفرِّغ للقرآن بعض الأوقات، ولا نجعله في هامش حياتنا، فمن تعظيم القرآن أن تجعل للقرآن أوقاتًا للتلاوة والاستماع، والتعَلُّم والتعليم، ولنحذر من هجر القرآن العظيم، فإنَّ منْ يهجُرِ القرآنَ آثمٌ وظالمٌ ومرتكبٌ كبيرةً من الكبائر.

 

أيها المسلمون، أنزل الله القرآن لنتعلمه ونتلوه ونتدبره ونعمل به، وقد جعل كثيرٌ من المسلمين القرآن لمقاصدَ أخرى غيرِ مشروعة، فبعضهم يقرؤه أو يسمعه لمجرد حصول البركة وهو هاجرٌ له لا يتدبر آياته، ولا يعمل بأحكامه، وبعضهم يجعله علامةً على موت الميت، أو علامةً على قرب أذان الجمعة أو المغرب، فيفتحون مكبرات الصوت بالقرآن من غير سماع له ولا إنصات.

 

أيها المسلمون، يجب على كل مسلم قراءة ما تيَسَّر من القرآن كما أمر الله بقوله: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 4]، وقال سبحانه: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل: 20]، فلم يعذُرِ اللهُ أحدًا في قراءة القرآن الكريم حتى المرضى والمسافرين والمجاهدين، فالقرآن شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين، وهجره من صفات المنافقين.

 

أيها المسلمون، سيسألنا الله عن هذا القرآن كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف: 44]، وقال سبحانه: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا [طه: 99، 100]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والقرآنُ حجةٌ لك أو عليك)).

 

أيها المسلمون، أقسم الله بقسمٍ عظيمٍ في القرآن ليبين لنا عظمته وبركته فقال: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ [الواقعة: 75 – 77].

 

وأقسم الله في القرآن بأعظم قسمٍ وأعمِّه ليبين لنا فضل كتابه فقال: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ [أقسم الله بكل ما نراه وكل ما لا نراه، أقسم بجميع الأشياء على أن هذا القرآن تبليغ رسول كريم، وليس بقول شاعر ولا كاهن، بل هو كلام الله أنزله على رسوله] ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ* إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ** تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ *[بين الله أن رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم لو كذب على الله وزاد بعض الكلمات في القرآن لعاجله الله بالعقوبة وقتله، ولكن حاشاه من ذلك عليه الصلاة والسلام] وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِين* وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الحاقة: 38 – 52].

 

أيها المسلم، اعلم أنَّك مهما عظَّمت القرآن الكريم فهو أعظم مما تظن، فهو كلام الله سبحانه أنزله لهداية عباده، فطوبى لمن أقبل على تلاوته واستماعه وتعَلُّمه، واهتدى بآياته، ويا حسرةً على من هجره، ويا عجبًا لمن أعرض عن كتاب ربِّه وأقبل على دنيا فانية، أو شاشاتٍ ملهية، أو منصاتٍ تافِهة، أو مجالسَ لاغية، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وماذا يربحُ من خسِر كتابَ ربِّه؟!

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل القرآن هدًى للمتقين، وموعظة للمؤمنين، ورحمة للمحسنين، لم يتركنا سدًى بلا كتاب مبين، والصلاة والسلام على رسول الله الذي زكَّى أصحابه وتلا عليهم القرآن، وعلَّمهم الكتاب والحكمة فنالوا من الله الرضوان، وسلامٌ على من اتِّبَعهم بإحسان، أما بعد:

فيا أيها المسلمون، هجرُ القرآن من صفات الكافرين والمنافقين، قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [فصلت: 3، 4]، وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف: 3]، وقال الله عن المنافقين: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 23، 24]، فلنحذر أيها المسلمون أن نكون كالكافرين والمنافقين المعرضين عن كتاب رب العالمين، فنحن من غير القرآن كالغرقى، فإن تمسَّكْنا بالقرآن نجونا، وإن هجرناه هلَكْنا، قال الله عز وجل: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وقال سبحانه: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

 

أيها المسلمون، كيف نهجر القرآنَ وفيه عِزُّنا وسعادتُنا في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنبياء: 10]، وإنَّ أظلمَ الناسِ وأكثرَهم إجرامًا وإثمًا مَنْ هجَرَ القرآن، وأعرض عن آيات الرحمن، قال الله سبحانه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة: 22].

 

أيها المسلمون، تلاوةُ القرآنِ وتعلُّمُه والعملُ به تجارةٌ رابحة مع الله، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر: 29، 30]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكُم مَنْ تَعَلَّم القرآنَ وعلَّمه))، من قرأ حرفًا من القرآن فله به عشر حسنات، ومن حفظ آية رفعه الله بها درجة في الجنة، فعلينا – يا معاشر المسلمين – أن نحرص على تعلُّمِ القرآن تلاوةً وحفظًا، وتفسيرًا وتدبرًا، وأن نحثَّ أولادنا وأهالينا على حفظ ما تيَسَّر من القرآن، وأن نُشجِّعهم على تعَلُّمه وتدبُّره، فهو أعظمُ الكتب بركةً، وأنفعُها عِلْمًا، وأكثرها خيرًا، وفيه أحسن القصص والمواعظ، وفيه الهدايات الربانية لسعادتنا في الدنيا والآخرة، وفيه حل مشاكلنا، وصلاحُ أحوالنا في ديننا ودنيانا.

 

أيها المسلمون، الناس بلا قرآنٍ في خسران، ولا سعادةَ حقيقيةً للبشرية إلا بالقرآن، فلنحذر من هجر القرآن، ولنكن من أهل القرآن الذين يتلونه ويتبعونه، ويهتدون بآياته، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة: 121]، ولنحذر أن نكون من الظالمين الهاجرين للقرآن العظيم، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: 32].

 

اللهم اجعل حظَّنا من القرآن حظَّ عبادِك السابقين، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، ونعوذ بك من هجر كتابك، اللهم إنا نعوذ بك أن نكون من الذين اتخذوا آيات الله هزوًا ولعبًا، اللهم ارزقنا تعظيم القرآن، وعلِّمنا القرآن، تلاوة وحفظًا وتدبرًا وتفسيرًا، اللهم اجعلنا من المعتصمين بكتابك، الذين يتلونه حق تلاوته، ويهتدون بآياته، ويعملون بأحكامه، اللهم اجعل القرآن رحمة لنا في الدنيا والآخرة، واجعله مباركًا علينا، وشفيعًا لنا، وحجة لنا لا علينا.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
الغزو الفكري والانحلال الأخلاقي
منزلة ستر عيوب أهل المعاصي