الترجمة الصحيحة للقاضي أبي شجاع أحمد بن الحسن الأصفهاني صاحب متن أبي شجاع (434


الترجمة الصحيحة للقاضي أبي شجاع أحمد بن الحسن الأصفهاني

صاحب متن أبي شجاع

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد خاتِم النبيين، وآله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:

فإن المتن الفقهيَّ المشهور بمتن أبي شجاع في الفقه الشافعي، قد سارت به الرُّكبان، وانتشر في الآفاق، ووُضِع له القَبول بين الناس، وبارك الله فيه، وانتفع به خلائقُ لا يُحصيهم إلا الله، وهذا من فضل الله عز وجل على صاحبه، ثم بفضل نية صاحبه، فنحسِبه ممن يريدون وجه الله عز وجل بنشر العلم، ومما أعان أيضًا على انتشار هذا المتن بساطته وسهولته؛ فهو من أسهل المتون الفقهية، إن لم يكن أسهلها على الإطلاق، وصاحب هذا المتن من علماء القرن الخامس الهجري، وهو القاضي أبو شجاع أحمد بن الحسن الأصفهاني أصلًا، البصري مولدًا وإقامة، وهذا القاضي قد ترجمه كثيرون، سواء في كتب مختصة بتراجِم العلماء، أو أثناء شرحهم لِمَتْنِهِ الفقهي المشهور، وقد حدث خلط كبير في ترجمته عند العلماء المتأخرين من أصحاب الحواشي على شروح متن أبي شجاع؛ حيث خلطوا بين ترجمته وبين ترجمة رجلَين آخرَين، وتابعهم على هذا الخطأ كثيرٌ من المعاصرين، إن لم يكن أكثرهم، إلا أن هناك من المعاصرين مَن حقَّق في ترجمته، ورجع إلى مصادر ترجمته الأصلية، وبيَّن هذا الخلط والخطأ الذي حدث؛ ومن أبرزهم الشيخ الفاضل الدكتور عبدالحكيم الأنيس، في بحثين له منشورَين على شبكة الألوكة، وكذلك الأستاذ الفاضل سعيد المندوه في مقدمته لمتن أبي شجاع، طبعة دار أنوار الأزهر، وغيرهما، وقد رأيت أن ألخِّص ما قالوه وأرتِّبه، وأكتب ترجمة القاضي أبي شجاع الصحيحةَ، منبِّهًا على أوهام من وَهِمَ فيها.

 

هو القاضي أبو شجاع، أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد الأصفهاني.

 

وقيل: إن اسم أبيه الحسين، والأرجح أنه الحسن، وسيأتي ذكر أسباب ذلك.

 

وقيل: إن له كُنيةً أخرى غير أبي شجاع، وهي أبو الطيب.

 

وُلِدَ عام أربعة وثلاثين وأربعمائة (434) بالبصرة، وكانت إقامته بها، وعمل بها قاضيًا، ووُلِدَ أبوه بعَبَّادان، وجَدُّه الأعلى أصفهانيٌّ.

 

والنسبة الأشهر له الأصفهاني، نسبة إلى بلد جَدِّه، ويُقال له أيضًا: العَبَّاداني باعتبار بلد أبيه، والبصري باعتبار بلده هو، والشافعي باعتبار مذهبه.

 

وقد أثنى عليه الإمام الحافظ أبو طاهر السِّلَفي؛ حيث قال: «القاضي أبو شجاع من أفراد الدهر، دَرَّسَ بالبصرة أزيد من أربعين سنة مذهبَ الشافعي، ذكر لي هذا سنة خمسمائة، وعاش بعد ذلك مدة لا أتحققها».

 

قلتُ: قوله: «من أفراد الدهر»؛ أي: ممن لا يوجد لهم نظير ولا مثيل[1].

 

وتُوفِّيَ القاضي أبو شجاع بعد عام خمسمائة من الهجرة.

 

ما وقفت عليه من شيوخه:

1- أبو تَمَّام محمد بن طلحة بن المغيرة الخزاعي البصري.

2- أبو تَمَّام محمد بن الحسن بن موسى المُقْرِئ.

3- أبو الحسن علي بن يوسف بن سُلالة.

4- أبو الحسن أحمد بن محمد البَزَّار.

 

وما وقفت عليه من تلاميذه:

1- الإمام الحافظ المُعَمَّر شيخ الإسلام أبو طاهر السِّلَفِي – بكسر السين وفتح اللام – أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني، المُتَوَفَّى عام (576) بالإسكندرية، وقد تجاوز المائة، وقيل له: السِّلَفي؛ لأن جَدَّه أحمدَ كان لقبه سِلَفة، وهو الغليظ الشَّفَة بالفارسية.

 

2- أبو العباس محمد بن القاسم بن علي بن محمد بن عثمان ‌الحَرِيري، وهو ابن صاحب المقامات المشهورة القاسم بن علي الحَرِيري، وهو يروي المقامات عن أبيه.

 

3- أبو المعالي محمد بن عبدالواحد بن الحسن المقرئ.

 

4- أبو محمد الحسين بن عبدالواحد بن الحسن المقرئ، وهو أخو السابق، وكلاهما مُقرئ.

 

5- أبو المعالي محمد بن أحمد بن عبدالرزاق بن أبي أيوب.

 

وللقاضي أبي شجاع أحاديثُ مُسنَدة يرويها، ذُكِرت في ترجمته.

 

فمنها ما ذكره الحافظ أبو طاهر السِّلَفي قال: أخبرنا القاضي أبو ‌شجاع أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد الشافعي العَبَّاداني بالبصرة، ثنا أبو تمام محمد بن طلحة بن المغيرة الخزاعي البصري، ثنا أبو محمد الحسن بن علي بن عمرو الحافظ، ثنا محمد بن أحمد بن إسماعيل بن ماهان، ثنا عبدة بن عبدالله الصَّفَّار، ثنا الضَّحَّاك بن مَخْلَد، ثنا عبدالحميد بن جعفر، ثني أبي عن محمود بن لَبيد عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من بنى لله جل وعز مسجدًا، بنى الله تعالى له في الجنة مثله)).

 

قلتُ: روى هذا الحديث الإمامُ مسلم في صحيحه (533) عن زهير بن حرب، ومحمد بن المثنَّى، كلاهما عن الضحَّاك بن مَخْلَد به.

 

وله كتابان من تأليفه:

الأول: الغاية في الاختصار، أو غاية الاختصار، أو التقريب، وهو المشهور بمتن أبي شجاع.

 

الثاني: شرح كتاب الإقناع للقاضي أبي الحسن علي بن محمد الماوَرْدِي (ت: 450)، وكتاب الإقناع مختصر في الفقه الشافعي، وقد رأى هذا الشرحَ تاجُ الدين السبكيُّ، ولكنه لم يصل إلينا.

 

من أشهر شروح متن أبي شجاع:

1- «تحفة اللبيب في شرح التقريب» لابن دقيق العيد (ت: 702).

 

2- «كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار» لأبي بكر بن محمد الحِصْنيِّ الدمشقي (ت: 829).

 

3- «فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب»، أو «القول المختار في شرح غاية الاختصار» لمحمد بن قاسم الغَـزِّي (ت: 918).

 

وقد سمَّاه ابن قاسم بهذين الاسمين معًا؛ وذلك لأنه وُجِد في بعض نسخ متن أبي شجاع تسميته تارة بالتقريب، وتارة بغاية الاختصار، فسمى شرحه بالاسمين السابقين.

 

وهذا الشرح عليه حواشٍ كثيرة جدًّا للمتأخرين؛ من أشهرها: حاشية القليوبي (ت: 1069)، وحاشية البولاقي (ت: 1070)، وحاشية البِرْماوي – بكسر الباء – (ت: 1106)، وحاشية الدَّيْرَبي (ت: 1105)، وحاشية الباجوري (ت: 1277).

 

4- «الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع» للخطيب الشربيني (ت: 977).

 

وهذا الشرح أيضًا عليه حواشٍ كثيرة جدًّا مثل سابقه، ومن أشهرها حواشي القليوبي، والبِرْماوي، والدَّيْرَبي، السابقين، فهؤلاء الثلاثة لهم حواشٍ على الكتابين، وكذلك حاشية البُجَيْرَمي (ت: 1221).

 

ملاحظات هامة على ترجمة القاضي أبي شجاع:

1- الأصل في ترجمة القاضي أبي شجاع ثلاثة كُتُبٍ:

الأول: كتاب «مُعْجَم السَّفَر» (ص24)، للحافظ أبي طاهر السِّلَفي؛ حيث التقي بالقاضي أبي شجاع بنفسه، في رحلته إلى البصرة عام خمسمائة.

 

والثاني: جزء حديثي لأبي الحسن العبدي – من عبدالقيس – البصري، علي بن الحسن بن إسماعيل، المعروف بابن المُعَلِّمَة (ت: 599)؛ حيث ذكر القاضيَ أبا شجاع في هذا الجزء، في أربعة مواطن، وهو من شيوخ شيوخه، وقد أفادنا هذا الجزء التأكدَ من الاسم والنُّسبة، ومن معرفة شيوخ القاضي وتلاميذه.

 

والثالث: كتاب «طبقات الشافعية الكبرى» (6/ 15)، لتاج الدين السبكي (ت: 771)؛ حيث زاد في ترجمته ذِكْرَ كتابين من تأليفه؛ فقال: «صاحب الغاية في الاختصار، ووقفت له على شرح الإقناع الذي ألفه القاضي الماوردي».

 

قلتُ: ولم يذكر أبو طاهر السِّلَفي شيئًا عن كتبه، مع أنه قد سمع منه متنَه المشهور، كما يُرى في أسانيد متن أبي شجاع.

 

2- ترجمه أيضًا كثيرون، ولكنهم لم يأتوا بجديد عنه؛ مثل: ياقوت الحموي (ت:626) في «معجم البُلدان» (4/ 74)، وابن الفُوَطي (ت: 723) في «مجمع الآداب في معجم الألقاب» (2/ 528)، وابن قاضي شُهْبَة (ت: 851) في «طبقات الشافعية» (2/ 25)، وابن كمال باشا (ت: 1339) في «هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين» (1/ 81).

 

3- ذكر ابن قاسم والخطيب الشربيني في شرحيهما أن اسم والد القاضي أبي شجاع الحسينُ وليس الحسنَ، وكذلك حاجي خليفة (ت: 1067) في «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون» (2/ 1625)، ط. إسطنبول، وكذلك في كثير من النسخ الخطِّيَّة لمتن أبي شجاع.

 

والأرجح – والله أعلم – أن اسمه الحسن وليس الحسين؛ وذلك للآتي:

أولًا: أن تلاميذ القاضي أبي شجاع المباشرين الذين رأوه وسمِعوا منه قد سمَّوه بذلك؛ وهم الحافظ أبو طاهر السِّلَفي، وأبو العباس بن الحريري، وأبو المعالي محمد بن عبدالواحد المقرئ، وأبو المعالي محمد بن أحمد بن أبي أيوب.

 

ثانيًا: أنه تابعهم على ذلك أيضًا ممن جاء بعدهم ياقوت الحموي، وابن الفُوَطي، وتاج الدين السبكي، وابن قاضي شُهْبَة، وابن كمال باشا.

 

ثالثًا: أن الحسين إنما هو والد الوزير أبي شجاع محمد بن الحسين (437 – 488)، الذي تُوفِّيَ في المدينة النبوية، وقد خلط كثيرٌ ممن ترجموا للقاضي أبي شجاع بينه وبين هذا الوزير؛ وذلك لاتحادهما في العصر وفي الكنية، وترجمة الوزير في «سير أعلام النبلاء» (19/ 27).

 

4- كنَّاه ابن دقيق العيد وابن قاسم في شرحيهما بكُنية أخرى غير أبي شجاع؛ وهي أبو الطيب؛ ولذلك حدث خلط آخر بين القاضي أبي شجاع، والقاضي أبي الطيب الطبري (348 – 450)، وهو فقيه شافعي مشهور أيضًا؛ وذلك بسبب اتحادهما في الكنية، وأن كليهما كان قاضيًا، وأبو الطيب الطبري هو الذي عُمِّر، وتُوفِّيَ عن أكثر من مائة عام، ومتَّعه الله بجوارحه، ولم يختلَّ عقله، ولا تغيَّر فهمه إلى أن مات، وكان عندما يُسأل عن سبب ذلك، كان يقول: هذه أعضاء حفِظناها عن معاصي الله، فحفِظها الله علينا، وترجمته في «سير أعلام النبلاء» (17/ 668)، و«صفة الصفوة» (1/ 560).

 

5- الحاصل أنه حدث خلط في ترجمة القاضي أبي شجاع بينه وبين رجلين آخرين؛ وهما: الوزير أبو شجاع، والقاضي أبو الطيب الطبري، وهذا الخلط إنما حصل عند المتأخرين من أصحاب الحواشي؛ ومن أشهرهم: أحمد بن عمر الدَّيرَبي (ت: 1151)، وسليمان بن محمد البُجَيْرَمي (ت: 1221)، وإبراهيم الباجوري (ت: 1277)، وتبِعهم على هذا الخلط أكثر المعاصرين إلا قليلًا.

 

6- هناك خطأ آخر حدث في تحديد وفاة القاضي أبي شجاع عند بعض مَن ترجموا له؛ حيث زعموا أنه توفي (593)، وهذا الخطأ منشؤه مما نقله البُجَيْرمي في حاشيته عن الدَّيرَبي أنه قال: «عاش القاضي أبو شجاع مائة وستين سنة، ولم يختلَّ عضو من أعضائه، فقيل له في ذلك: فقال: ما عصيت الله بعضو منها، فلما حفظتها في الصغر عن معاصي الله، حفظها الله في الكِبَرِ»، وقد ذكر البُجَيْرمي أن مولد القاضي (433)، فأضاف بعضهم 160 عامًا إلى عام ولادته (433)، وأُخذ من هذا أن وفاته كانت (593)، وهذ خطأ من وجوه:

أولًا: أن الدَّيرَبي خلط بين القاضي أبي شجاع والقاضي أبي الطيب الطبري، كما سبق ذكر ذلك.

 

ثانيًا: أن أبا الطيب الطبري نفسه عاش 102 عامًا فقط، فإنه وُلِدَ عام (348)، وتُوفِّيَ عام (450)، ولم يعِشْ 160 عامًا.

 

ثالثًا: أن مولد القاضي إنما هو عام (434)، وليس (433)، كما ذكر القاضي أبو شجاع ذلك بنفسه لأبي طاهر السِّلَفي.

 

7- بعض من ترجم للقاضي أبي شجاع لقَّبه ببعض الألقاب؛ فلقبه ابن الفُوَطي بفخر الدين، ولقبه ابن قاسم بشهاب الملة والدين، ولقبه الخطيب الشربيني بشهاب الدنيا والدين.


[1] «غريب الحديث» للخطابي (1/ 670)، و«المُحْكَم والمحيط الأعظم» لابن سِيده (9/ 306).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
أخطاء في معنى الإله
حجة الوداع (خطبة)