الجامع لكبائر الذنوب الحلقة (1): تعريف الكبيرة


الجامع لكبائر الذنوب

الحلقة 1: تعريف الكبيرة

التعريف المختار للكبيرة:

اختلف أهل العلم في تعريف الكبيرة على أقوال، والقول المختار والراجح عندي – والله أعلم – وعليه أكثر العلماء هو: “أن الكبيرة ما كان فيه حدٌّ في الدنيا، أو جاء فيه وعيد في الآخرة بالعذاب، أو غضب الله تعالى وسخطه، أو كان فيه تهديد، أو لعن لفاعله، أو نحو ذلك”.

 

وهاك بعض أقوال الأئمة في ذلك:

1- عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ﴾ [النجم: 32]، قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللَّمَمِ مما قال أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كَتَبَ على ابن آدم حظَّه من الزنا، أدركه ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرْجُ يُصدِّق ذلك أو يُكذِّبه)).

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ﴾ [النجم: 32]، قال: “اللمم: ما دون الحدَّين؛ حد الدنيا والآخرة”.

 

قلت: ففُهِم منه أن الكبيرة عند ابن عباس: ما كان فيه حدٌّ في الدنيا، أو حد في الآخرة، وحدُّ الآخرة هو الوعيد بعذاب الله سبحانه في الآخرة، أو غضبه، ولعنته.

 

2- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “زنا العينين النظر، وزنا الشَّفَتَين التقبيل، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين المشي، ويُصدِّق ذلك الفَرْجُ أو يكذِّبه، فإن تقدَّم بفَرْجِهِ كان زانيًا، وإلا فهو اللمم”.

 

3- وعن قتادة رحمه الله قال: “اللمم: ما كان بين الحدين، لم يبلغ حد الدنيا، ولا حد الآخرة؛ موجِبة قد أوجب الله لأهلها النار، أو فاحشة يُقام عليه الحد في الدنيا”.

 

4- وقال القاضي أبو يعلى رحمه الله: “وقد حدَّ أحمد رحمه الله الكبائر بما يُوجِب حدًّا في الدنيا، ووعيدًا في الآخرة، فقال في رواية جعفر بن محمد: سمعت سفيان بن عيينة يقول في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا اللَّمَمَ ﴾ [النجم: 32]، قال: ما بين حدود الدنيا والآخرة.

 

قال أبو عبدالله: حدود الدنيا، مثل: السرقة والزنا، وعدَّ أشياء.

 

وحد الآخرة: ما يحد في الآخرة، واللَّمم: “الذي بينهما”.

 

وقال الحجاوي رحمه الله في «منظومة الكبائر»:

فما فيه حدٌّ في الدُّنا أو توعُّدٌ
بأخرى فسمِّ كُبرى على نص أحمدِ

5- وقال أبو المظفر السمعاني رحمه الله: “الكبائر: كل جريمة أوعَدَ الله تعالى عليها النار”.

 

6- وقال الماوردي رحمه الله: “الكبيرة: ما أوجب الحدَّ أو توجَّه إليه الوعيد”.

 

7- وقال ابن عطية رحمه الله: “تحرير القول في الكبائر: أنها كل معصية يُوجد فيها حدٌّ في الدنيا، أو توعُّدٌ بنار في الآخرة، أو لعنة”.

 

8- وقال القرطبي أبو عبدالله المفسِّر رحمه الله: “كل ذنب عظَّم الشرع التوعُّدَ عليه بالعقاب وشدَّده، أو عظَّم ضرره في الوجود، فهو كبيرة، وما عداه صغيرة”.

 

9- وقال القرطبي أبو العباس الشارح رحمه الله: “والصحيح إن شاء الله تعالى: أن كل ذنب أطلق الشرع عليه أنه كبير، أو عظيم، أو أخبر بشدة العقاب عليه، أو علَّق عليه حدًّا، أو شدد النكير عليه وغلَّظه، وشهِد بذلك كتاب الله، أو سُنة، أو إجماع؛ فهو كبيرة”.

 

10- واستحسن ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعريفَ القرطبي رحمه الله؛ فقال: “ومن أحسن التعاريف قول القرطبي… ثم قال: وعلى هذا فينبغي تتبُّع ما ورد فيه الوعيد، أو اللعن، أو الفسق من القرآن أو الأحاديث الصحيحة والحسنة، ويُضَمُّ إلى ما ورد فيه التنصيص في القرآن والأحاديث الصِّحاح والحِسان على أنه كبيرة، فمهما بلغ مجموع ذلك، عُرِف منه تحرير عددها”.

 

11- وقال ابن الصلاح رحمه الله: “الكبيرة: ذنب كبير، وعظُم عِظَمًا يصح معه أن يُطلَق عليه اسم الكبير، ووُصف بكونه عظيمًا يصح معه أن يُطلَق عليه اسم الكبير… ثم إن لكبرِ الكبيرة وعِظَمِها أماراتٍ معروفةً بها؛ منها: إيجاب الحد، ومنها: الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها: وصف فاعلها بالفسق نصًّا، ومنها: اللعن”.

 

12- وقال النووي رحمه الله: “في حدِّ الكبيرة أوجه: أحدها: أنها المعصية الموجبة لحدٍّ، والثاني: أنها ما لحِق صاحبها وعيدٌ شديد بنصِّ كتابٍ أو سنة، وهذا أكثر ما يوجد لهم، وهم إلى ترجيح الأول أمْيَلُ، لكن الثاني أوفق؛ لِما ذكروه عند تفصيل الكبائر”.

 

13- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “أمثَلُ الأقوال في هذه المسألة القولُ المأثور عن ابن عباس، وذكره أبو عبيد، وأحمد بن حنبل، وغيرهما؛ وهو: أن الصغيرة ما دون الحدين؛ حد الدنيا، وحد الآخرة.

 

وهو معنى قول من قال: ما فيه حد في الدنيا، ومعنى قول القائل: كل ذنب خُتِمَ بلعنة، أو غضب، أو نار، فهو من الكبائر”.

 

وقال: “وكل ذنب تُوعِّد صاحبه بأنه لا يدخل الجنة، ولا يشَمُّ رائحة الجنة، وقيل فيه: من فعله فليس منا، وأن صاحبه آثم، فهذه كلها من الكبائر”.

 

وقال: “الكبائر هي: ما فيها حدٌّ في الدنيا كالزنا، وكالذنوب التي فيها حدود في الآخرة، وهو الوعيد الخاص؛ مثل: الذنب الذي فيه غضب الله، ولعنته، أو جهنم، ومنع الجنة، هكذا رُوِيَ عن ابن عباس، وسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من العلماء”.

 

14- وقال الذهبي رحمه الله: “والذي يتجه ويقوم عليه الدليل: أن من ارتكب شيئًا من هذه العظائم مما فيه حدٌّ في الدنيا؛ كالقتل والزنا والسرقة، أو جاء فيه وعيد في الآخرة؛ من عذاب، أو غضب، أو تهديد، أو لعن فاعله على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه كبيرة”.

 

15- وقال الخازن رحمه الله: “الكبيرة: كل ذنب عظُم قبحُه، وعظُمت عقوبته؛ إما في الدنيا بالحدود، وإما في الآخرة بالعذاب عليه”.

 

16- قال الدميري رحمه الله: “التحقيق: أنها كل ذنب قُرِنَ به وعيد، أو حدٌّ، أو لعن، أو أشْعَرَ بتهاون مرتكبه في دينه إشعارَ أصغر الكبائر المنصوص عليها بذلك”.

 

17- وقال ابن أبي العز رحمه الله: “ومنهم من قال: الصغيرة: ما ليس فيها حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة.

 

والمراد بالوعيد: الوعيد الخاص بالنار، أو اللعنة، أو الغضب؛ فإن الوعيد الخاص في الآخرة كالعقوبة الخاصة في الدنيا، فالتعزير في الدنيا نظير الوعيد بغير النار، أو اللعنة، أو الغضب، وهذا الضابط يسلم من القوادح الواردة على غيره”.

 

18- قال السفاريني رحمه الله: “حد الكبيرة: ما فيه حد، أو وعيد، أو لعن، أو نفي الإيمان”.

 

قلت: وإنما أفَضْتُ بعض الشيء في ذكر من قال بذلك؛ لأن هذا أصل للبحث في الكبائر، فلا بد من تقريره على أفضل وجه ممكن، ومع هذا فلم أستقصِ جميع من قال بذلك، والموفَّق من وفَّقه الله، والمهتدي من هداه الله.

 

2- أقوال أخرى في تعريف الكبيرة:

قال بعض أهل العلم: الكبيرة: كل معصية يستحق فاعلها – بسببها – وعيدًا، أو عقابًا أزيد من الوعيد، أو العقاب المستحق بسبب معصية أخرى؛ صح هذا عن سعيد بن جبير، ومجاهد.

 

وقيل: كل ما نص الشرع على كِبَرِهِ فهو كبير، وما عداه باقٍ على الإبهام والاحتمال.

 

وقيل: كل فعل نص القرآن على تحريمه.

 

وقيل: كل جريمة تؤذِن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورِقَّة الديانة.

 

وقيل: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة؛ صح عن أبي عبيدة.

 

وقيل: إنه لا حد لها يعرفه العباد، وإلا لاقتحم الناس الصغائر واستباحوها.

 

وقيل: تعريفها يكون بالعد من غير ضبطها بحدٍّ؛ واختلف هؤلاء:

فصحَّ عن ابن مسعود رضي الله عنه ومسروق، والنخعي: أنها ما ذكره الله تعالى من أول «سورة النساء» إلى قوله تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ﴾ [النساء: 31].

 

وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنها أربع.

وعن عبيد بن عمير وعبيدة: أنها سبع.

وعن ابن عمر: أنها تسع.

وعن ابن عباس: هي أكثر من سبع وتسع.

 

وفي رواية صحيحة عنه: هي إلى السبعين أقرب، وفي رواية أخرى صحيحة: هي إلى السبعمائة أقرب.

 

قلت: وعلى كل هذه الأقوال اعتراضات، وليس هنا محل بسطها، والأقرب للحق والصواب – والله أعلم – ما قررته سابقًا.

 

مصادر كل هذه الأقوال في كتابي:

الجامع لكبائر الذنوب، ص: ١٤ – ٢٠.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
استجابة الله تعالى لدعائه على عتبة بن أبي لهب
List of Dr. Seuss Books in Order of Release Date (+ Printable PDF) 2024